بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين بمُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة Thinqi    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    رئيس قناة السويس: ندرس تنفيذ مشروع للتحول لمركز إقليمي لتوزيع قطع الغيار وتقديم خدمات الإصلاح والصيانة السريعة    حماية العمالة غير المنتظمة.. "العمل": آلاف فرص العمل ل"الشباب السيناوي"    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    بالفيديو والصور- ردم حمام سباحة مخالف والتحفظ على مواد البناء في الإسكندرية    الاتصالات الفلسطينية: عودة خدمات الإنترنت بمناطق وسط وجنوب قطاع غزة    معلق مباراة الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال أفريقيا    فانتازي يلا كورة.. جدول مباريات الجولة 35 "المزدوجة"    مصرع شخص في حادث تصادم ببني سويف    انتداب الطب الشرعي لمعاينة جثث 4 أشخاص قتلوا على يد مسجل خطر في أسيوط    25 مليونًا في يوم واحد.. سقوط تجار العُملة في قبضة الداخلية    "المكون الثقافي وتأثيره في السياسات الخارجية المصرية" ندوة بمكتبة الإسكندرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا    خبير دولي: مصر رفضت مخطط التهجير الخبيث منذ اليوم الأول للعدوان على غزة    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    أسعار البيض والدواجن اليوم الجمعة.. البلدي ب 117 جنيهًا    المندوه: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة دريمز    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    11 مساء ومد ساعة بالإجازات.. اعرف المواعيد الصيفية لغلق المحلات اليوم    كاتب صحفي: الدولة المصرية غيرت شكل الحياة في سيناء بالكامل    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    وزير الخارجية الأمريكي يلتقي مع الرئيس الصيني في بكين    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    شاهد البوسترات الدعائية لفيلم السرب قبل طرحه في السينمات (صور)    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    موضوع خطبة الجمعة اليوم: تطبيقات حسن الخلق    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل مليون و688 ألف شاب وفتاة ضمن مبادرة «فحص المقبلين على الزواج»    تنظيم قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» في بسيون بالغربية    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الإسلامية في العراق و الشام ( داعش )
نشر في شباب مصر يوم 24 - 10 - 2014

هذا اسمها الذي تم اختصاره ليصبح “ داعش ” ، وكان أول ظهور له في أبريل ( نيسان ) 2013 ، ولم يكن ذلك من أجل بداية الإعلان عنه وإنما لقضم كل المجموعات الصغيرة بداخله ، وهو ما أيقنته « جبهة النصرة » فرفضت الاندماج وبدأت معارك لإثبات وجودها التي لا تزال مستمرة فيه إلى الآن .
والحقيقة التى لا مراء فيها إن التقاسم الإرهابي لكعكة الشام والعراق هى السبب في الخلاف بين التنظيمات المسلحة « داعش » و« النصرة » وبقية الصغار ، وإن كانت « الشرعية » هى المبرر الذى يقدمونه لأتباعهم ولجمهورهم ، إلا أن الاتهامات المتبادلة بينهما بالبغي والخروج على سلطة الحاكم الشرعي والمحاكمات المجانية والإعدامات كشفت هذا المستور .
داعش : إذاً تنظيم مسلح يُوصف بالارهاب يتبنى الفكر السلفي الجهادي ويهدف الى اعادة مايسمونه “ الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة ” ، ويتخذ من العراق وسوريا مسرحا لعملياته .
وقد كان مثار جدلاً طويلاً عندما بدأ بالظهور بسوريا ، حول ممارساته ، ونشأته ، وأهدافه ، وإرتباطاته ، الأمر الذي جعل منه حديث للصحف والإعلام ،
بداية داعش
في البداية كانت « القاعدة » في العراق مستقلة وأقرب إلى التشكل المحلي مع إضافات هائلة في الخبرات والموارد من قبل المتحولين من « البعث » إلى « القاعدة » سواء كان التحول على سبيل الاقتناع والتبني أو على سبيل التحالف والولاء المشترك لفكرة طرد المحتل واستهداف الحكومة الطائفية ، ووقتها كانت « داعش » تعمل تحت شعار « جماعة التوحيد والجهاد » لتتحول بعد ذلك إلى تنظيم « القاعدة في بلاد الرافدين » بعد تولي أبو مصعب الزرقاوي قيادته في 2004 ومبايعته زعيم « القاعدة » السابق أسامة بن لادن ، وبرغم حداثة ظهوره بسورية ، فهو ليس جديد ، بل هو أقدم تنظيم مسلح على الساحة السورية والإقليمية ، فقد بدأ يظهر على الساحة العراقية وقت الإحتلال الأمريكي للعراق ، على أنه تنظيم جهادي ضد القوات الأمريكية ، ما جعله محط استقطاب للشباب العراقي الذي يسعى لمواجهة الاحتلال الأمريكي لبلاده ، وسرعان ما توسع نفوذه ليصير ضمن أقوى الميليشيات المسلحة والمنتشرة على الساحة العراقية ، ولا يخفى أن إضافة « الرافدين » إلى التنظيم هو جزء من التواضع لقيمة ومكانة بن لادن الذي تسبب مقتله على يد الأمريكان إلى تحول كبير في التنظيم ، ففي عام 2006 خرج الزرقاوي في شريط مصور معلنا عن تشكيل “ مجلس شورى المجاهدين ” بزعامة عبد الله رشيد البغدادي ، وقتل الزرقاوي في الشهر نفسه وعين ابي حمزة المهاجر زعيماً جديداً لتنظيم القاعدة في العراق ، ومع نهاية 2006 تم الانتهاء من تشكيل تنظيم عسكري يضم كل تلك التنظيمات والتشكيلات الأصولية على الأراضي العراقية ،
من هو “ أبو بكر البغدادي ” أمير داعش .
في إبريل عام 2010 كانت قوات الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بعملية عسكرية في منطقة الثرثار استهدفت منزلا كان فيه ابي عمر البغدادي وابي حمزة المهاجر وبعد معارك بين الجانبين تم قصف المنزل فقتلا معاً ، وبعد عشرة ايام انعقد مجلس شورى الدولة الإسلامية في العراق ليختار ابي بكر البغدادي خليفة لأبي عمر البغدادي ، والذي يمثل اليوم ( أمير الدولة الإسلامية في العراق و الشام - داعش ) فمن هو هذا الأمير ؟
اسمه - إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري - مولود عام 1971 في سامراء ، إلا أن له العديد من الأسماء والألقاب التى يلقبونه بها وهى : “ علي البدري السامرائي ” ، ” أبو دعاء “ ، الدكتور إبراهيم ، “ الكرار ” ، واخيراً ” أبو بكر البغدادي ” ، وقد تخرج من الجامعة الإسلامية في بغداد وحصل منها على البكالوريوس ثم الماجستير و الدكتوراه ، وعمل أستاذاً ومعلماً وداعية ، وهو ضليع بالثقافة الإسلامية ، والعلم والفقه الشرعي ، وولد لعائلة متدينة تتبع العقيدة السلفية التكفيرية ، ووالده الشيخ عواد من وجهاء عشيرة البو بدري العراقية التي تعود اصولها الى قريش ، وأعمامه دعاة اسلاميون في العراق .
بدأ البغدادي نشاطاته دعوياً وتربوياً الا أنه ما لبث أن انتقل الى الجانب الجهادي ، حيث ظهر كقطب من اقطاب السلفية الجهادية ويعد من أبرز منظريها في محافظتي ديالى وسامراء العراقيتين ، وبدأ نشاطه من جامع الإمام أحمد بن حنبل ، حيث قام بتأسيس خلايا جهادية صغيرة في المنطقة ، قامت بعدد من العمليات الإرهابية وشاركت في حروب الشوارع التي شهدها العراق في السنوات الماضية ، ثم انشأ بعدها اول تنظيم سماه “ جيش اهل السنة والجماعة ” بالتعاون مع بعض الرموز الأصولية التي تشاركه الفكر والنهج و الهدف ، وكثف من عملياته في بغداد وسامراء وديالى ، ثم ما لبث ان انضم هو وتنظيمه الى مجلس شورى المجاهدين وقد عمل على تشكيل وتنظيم الهيئات الشرعية في المجلس وشغل منصب عضو في مجلس الشورى حتى إعلان دولة العراق الإسلامية .
هذا وقد كانت تجمع أبي بكر البغدادي بأبي عمر البغدادي علاقة وثيقة وصلت الى درجة أن الأخير أوصى قبل مقتله بأن يكون أبي بكر البغدادي خليفته في زعامة الدولة الإسلامية في العراق ، و هذا ما حدث في السادس عشر من أيار 2010 ، حيث نصّب ابو بكر البغدادي اميراً للدولة الإسلامية في العراق .
و منذ توليه زعامة التنظيم وتاريخه الدموى طويل ، حيث قام بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية والتى من اشهرها عملية مسجد أم القرى في بغداد التي أسفرت عن مقتل النائب العراقي خالد الفهداوي ، كما شن عدة عمليات ارهابية في العراق ادت الى استشهاد المئات من رجال الجيش والشرطة العراقية والمواطنين انتقاماً لمقتل اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق ، كما أنه أعلن عبر موقع تنظيم القاعدة في العراق تبنيه لأكثر من 100 هجوم انتحاري انتقاما لمقتل بن لادن ، تلا ذلك العديد من العمليات في العراق تم تصنيفها بأنها عمليات نوعية مثل عملية البنك المركزي ، وعملية وزارة العدل ، واقتحام سجني أبو غريب والحوت .
تصنيف «داعش»؟
إذن « داعش » هي منتج إرهابي منفصل عن « القاعدة » بعد أن كان جزءا منها ، ثم أضيفت إليه أفكار جديدة حتى صار بهذا المزيج الذي يقترب من العصابات المنظمة منه إلى عمل جماعات العنف المسلح الدينية .
تعود بذور « داعش » للخلاف الفكري بين تيار الصقور الذي كان يمثله الزرقاوي ، و« القاعدة » التقليدية ، وبعد مقتله ومقتل أبو حمزة المهاجر دخلت « داعش » مرحلة مشروع الدولة في العراق .
جزء من أزمة تحليل « داعش » تعود إلى أسباب كثيرة وأهمها القراءة الخاطئة ل « التيارات المنغلقة » ، فالصورة المغلوطة عن جماعات العنف المسلح منذ حركة الخوارج تاريخياً ووصولاً إلى « القاعدة » وأخواتها ، فهناك أولا تغيرات بحكم التاريخ وتغير الوضع السياسي وأخرى بسبب التأثر والتأثير على الواقع نفسه ، فالنواة الأولى لمجاهدي الثمانينات قبل نشأة « القاعدة » تختلف عنها في مرحلة « مطبخ بيشاور » ، كما تختلف جذريا عن مرحلة القتال بالوكالة التي مارستها « القاعدة » عبر إرسال مقاتليها إلى البوسنة والشيشان .
وعليه فإن الخلاف ليس فكرياً ، بل خلافاً على موقفهم من الأنظمة العربية أو قتال العدو القريب أو البعيد ، وموقفهم من التحالف مع استخبارات دول أخرى في مصلحة التنظيم والتدفق المالي ، وانفصال المرجعيات الشرعية للتنظيم عن المناخ الشرعي السائد من حيث تحرير مسائل الجهاد أو فقه الثغور الذي تغير عدة مرات من تكوين علماء تنظيم مختصين وصولا إلى غياب الرؤية بحكم دخول أطراف قادمة من خلفيات بعثية وأخرى أقرب إلى الثوار المناطقيين كالعشائر في العراق وبعض المناطق السورية .
لغز داعش المحيّر
تبدو « داعش » في عيون « الجميع » لغزا محيرا ينسب تارة إلى إيران وتارة إلى العراق وتارة إلى بشار وتارة إلى الولايات المتحدة ، ناهيك عن الاتهام الاستعدائي الذي يعبر عن أزمة ترحيل الأزمات السياسية الإيرانية الشهيرة التي اقتبسها المالكي حين أطلق اتهاماته جزافا تجاه المملكة والخليج وبشكل يدرك هو أنه جزء من إنتاج شرعيته المتوهمة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة عند عقلاء شيعة العراق قبل سنتهم .
لقطع هذه الحيرة في فهم لغز « داعش » كان الأحرى بسيل التحليلات التي تقترب من روايات الخيال العلمي قراءة نتاج « داعش » وهو منشور ومبذول ، سواء المنتج الفكري ( رسائل ، فتاوى ، وصايا شهداء ، الردود على المخالفين .. إلخ ) أو المجتمع الداعشي على الإنترنت (معرفات « تويتر » ، منتديات جهادية ، وحتى كتيبات تحريضية عادة ما تحاول عمل دعاية مضادة لخصوم « داعش » ) وأيضا من المهم معرفة قراءة « داعش » النسخة القاعدية ثم « داعش » النسخة العالمية التي تجتذب الآن عناصر أجنبية .
تعويض الجيش العراقي بقوات الصحوات ومواجهتها
خلال تلك السنوات الممتدة من نشأة التنظيم ارتكبت القوات الأميركية والعراقية حماقات متعددة في مواجهة تلك التنظيمات المسلحة ، إلا أن أكبرها كانت محاولة تعويض الجيش العراقي بقوات الصحوات في المناطق السنية من مقاتلي العشائر السنية ودفعها لمقاتلة « القاعدة » ثم التخلي عنها لاحقا بوعود ظهر أنها كانت مجرد سراب طائفي كبير فالعراق للعراقيين فكرة لم تولد لتكبر بعد الغزو ثم الانسحاب الأميركي ، وإنما كان الهدف هو الخروج من المستنقع بأقل قدر من الخسائر وتركهم على هذا الحال الذى من شأنه إحتراق العراق بأكملها وبيدهم .
في نهايات عام 2011 وعلى وقع المخاضات الكبيرة التي كانت تعيشها المنطقة إثر الربيع العربي الذي اندلع وأشعل الحرائق السياسية ملهيا عن حرائق « القاعدة » ، عادت دولة العراق الإسلامية أكثر قوة وتنظيما بعد أن استطاعت تأليب السنة في العراق ، لا سيما ما تبقى من الصحوات المخذولة من أميركا وحكومة المالكي في أجواء كانت تستعد المنطقة فيها ليس إلى دخول الربيع الديمقراطي كما بدا لأول وهلة ، وإنما لربيع الإرهاب الجديد وبدافع هذا الفشل المتلاحق للأمريكان في العراق والمنطقة ، كانت عودة « داعش » الدولة الإسلامية ، آنذاك ، كانت تستهدف زعزعة النظام العراقي ، ولذلك كرّت سلسلة من التفجيرات العبثية في بغداد وحصدت الآلاف من الضحايا ، مما دفع الأمريكان إلى التحرّك من بعد وتخصيص مكافآت للقبض على زعامات التنظيم الجديد ، لكن شيئا من ذلك لم يؤت أُكله شأن كل السياسات الأميركية في حملة الحرب على الإرهاب التي لن تفلح ما دامت على طريقة « طائرات دون طيار » ، فهذا الاستسهال في مواجهة العنف حول العراق آنذاك إلى جحيم حقيقي ، وكانت الكارثة هي تغلغل التنظيم ، بل وقدرته على فتح السجون واستهدافها بالهجوم لاستخراج كوادر « غالية » ستكون لاحقا الوقود الحقيقي ل « داعش » وستصنع الفرق الذي نجني عناقيد غضبه اليوم .
وعلى عكس ما يشاع ، لا سيما من أعداء « داعش » الطائفيين وعلى رأسهم إيران والنظام السوري والعراقي بقيادة المالكي رأس الحربة ضد « داعش » والمستفيد الأكبر من تمددها ، لم تثبت أي علاقة بين نظام صدام قبل سقوطه المدوي وبين « القاعدة » وأخواتها ، فبعد الانهيار لم يتم العثور على أي وثائق تثبت ارتباطه ب القاعدة وظلت الدولة الإسلامية تبني نفسها خلال السنوات التي انشغل العالم فيها بالربيع العربي البرّاق ، ليفاجئنا البغدادي في أوائل 2013 بحركة تصحيحية للتنظيم عبر عنها في بيانه بابتلاع جبهة النصرة وأنها امتداد تنظيمي ل « داعش » التي تنوي التحول إلى دولة عابرة للحدود وكاسرة لحدود الدولة التقليدية التي رسمها سايكس – بيكو ، لكن الأمر كان أبعد من الكفر بحدود الدولة القطرية إلى استهداف شرعية رفاق الأمس بمبررات ذات مضامين شرعية وإن كانت الغايات والدوافع سياسية الطابع ، فبقاء « داعش » مجرد تنظيم مستورد من العراق للشام كان سيجهز عليه في حال تقوية التنظيمات الأخرى والجيش الحر الأقرب إلى الشأن السوري ، كما أن تمرّد « القاعدة » المستمر على « داعش » كان إيذانا باتخاذ خطوة « آخر العلاج البتر » الذي ترفعه عادة كل التنظيمات المسلحة والميليشيات والأحزاب الماركسية الراديكالية ، وهو ما يعرف بتصفية الخصوم .
داعش في سوريا
من كلمة “ شام ” وجد الحرف الأخير من كلمة “ داعش ” ففي الوقت الذى كان فيه التنظيم يُدعى الدولة الإسلامية في العراق ، إستغل البغدادي الأزمة التي اندلعت في سوريا ليعلن دخوله على خط المواجهات في سوريا ، ووجد البغدادي وتنظيمه فى سوريا مساحة خصبة لممارسة إجرامهم فقد استغل الفوضى هناك لتحقيق المكاسب و توسيع النفوذ ، ومن الحدود السورية الواسعة مع العراق ، دخل الى سوريا ، تحت شعار” نصرة أهل السنة في سورية ” معلناً الحرب على النظام السوري .
هكذا بدأ تواجد القاعدة في سوريا بالتلازم مع ظهور تنظيم “ جبهة النصرة ” بقيادة أبو محمد الجولاني ، أواخر سنة 2011 ، وسرعان ما صارت من أبرز القوى المقاتلة في سوريا ، ومع إعلان النصرة مبايعتها لتنظيم القاعدة في أفغانستان بقيادة الظواهري ، بدأت التقارير الإستخباراتية و الإعلامية والصحفية تتحدث عن علاقة النصرة بالدولة الإسلامية في العراق ، وبدأ إعتبارها إمتداد سوري لذاك التنظيم المنتشر في العراق ، وفي التاسع من نيسان عام 2013 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام ، أعلن أبو بكر البغدادي دمج فرع التنظيم جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى “ الدولة الإسلامية في العراق والشام ” ، وهنا بدأت قصة داعش .
المستنقع السوري والتناغم مع نظام الأسد
واحدة من أكثر ملفات « داعش » غموضا هي تغلغلها في المستنقع السوري وتعملقها سريعا رغم أن تاريخ مشاركتها جاء متأخرا عن ثورة الشعب السوري بسنتين كاملتين ! ف « داعش » دخلت سوريا بعد أن حرر الثوار قسما كبيرا من سوريا وكانوا على وشك بناء دولة حديثة ، استهدفت « داعش » كل المكتسبات للثورة السورية وثلاثية الثورة والتنظيمات العسكرية والشعب المقاوم الثائر ، فقامت بسلسلة من عمليات الاغتيال والاختطاف لأهم رموز الكتائب والفصائل المقاومة ودمرت عددا من المؤسسات المدنية والعسكرية الناشئة ، وهي أدوار لم يكن يحلم بها النظام السوري في مواجهة ثورة فتية.
إن أولوية تفكيك الثورة السورية كانت هدف « داعش » غير المعلن ، وكانت آثارها مدمرة حيث مواجهة « داعش » من قبل المعارضة السورية كانت تؤدي غالبا إلى التعرض للقتل أو الملاحقة والاعتقال والإهانة والتعذيب في سجون دولة البغدادي ، التي لا تقل سوءا ودموية عن سجون النظام السوري ، الأمر الذي استدعى أمير جبهة النصرة إلى التحرّك المتأخر وإصدار البيانات ، لكن بعد خراب مالطة ، فأمر بحلّ الدولة وعودة الساحة السورية إلى ما كانت عليه قبل « داعش » ، إلا أن البغدادي رد عليه بأحسن منها وكان الشعار الدعائي الكبير ل « داعش » الذي تحول إلى ما يشبه الرمز التسويقي « دولة الإسلام في العراق والشام باقية وتتمدد» حتى يظهرها الله أو نهلك ، هذه الخطوة الشجاعة من البغدادي والمتهورة نسبيا أحدثت انشقاقات غير متوقعة في الجسد الجهادي في سوريا ، حيث انشغل العديد من المقاتلين ما يزيد على النصف بكثير إلى « داعش » ، وكان أغلب حصيلة المتحولين من « داعش » هم القادمين من الأقاصي ممن عرفوا بلقب « المهاجرين » على سبيل التشريف ، إضافة إلى مجموعات محلية سئمت بطء نجاحات الجيش الحر وانحازت إلى آيديولوجيا « داعش » المتكاملة نظريا والمحددة لهدفها وهو الوصول إلى مرحلة الدولة .
داعش والنصرة
بعد قيام أبي محمد الجولاني ( أمير جبهة النصرة ) عن وجود علاقة بينه وبين دولة العراق الاسلامية إلا أنه نفى ان يكون على علم بإعلان البغدادي عن إندماجهما ، ورفض فكرة الاندماج واعلن مبايعتة لتنظيم القاعدة في افغانستان بقيادة الظواهري ، والحقيقة إن كل من النصرة وداعش يحملان فكراً متشدداً تكفيرياً واحداً ، يعملان بنهج السلفية الجهادية ، ويؤمنان بقيام الدولة الإسلامية في الشام ، إلا أن الفرق بين التنظيمين يكمن في قربهم من الواقع السوري ومراعاتهم لهذه الخصوصية ، فالنصرة قامت مع المرحلة الأولى من الأزمة السورية في نهاية العام 2011 ، واكتسبت خبرة و دراية بواقع المجتمع السوري الذي يعيش في كنفه وعليه تخرج جبهة النصرة الى العلن بنسبة من التطرف أقل من تلك التي تنتهجها داعش في علاقتها مع المجتمع السوري ، خاصة و أن داعش حديثة الدخول على الأزمة السورية ، ولم تنتهج مسار لتكون مقبولة ، بل فرضت بالقوة نفوذها والقبول بها في المناطق التى تسيطر عليها .
تأسست النصرة من زعماء سوريين بينهم من كان معتقلا في السجون السورية واستفاد من العفو العام ، وبينهم من كان يمارس الدعوة سراً في سورية قبيل اندلاع الأزمة ، وآخرين كانوا منضوين تحت لواء القاعدة وقاتلوا في بلدان أخرى كالعراق و أفغانستان و الشيشان وعادوا مع بداية الأزمة في سوريا للقتال فيها كما هي حال أمير جبهة النصرة ابو محمد الفاتح “ الجولاني ” وهو جامعي سوري الأصل قاتل في العراق والشيشان وبلدان أخرى ، مع وجود عدد لا بأس به من الأجانب في صفوفها ، أما من ناحية داعش فهي تعتمد بشكل كبير على العنصر الأجنبي المقاتل الذي يغلب عددياً على العنصر السوري ان كان في مواقع القيادة أو بين المقاتلين ، وهذا ما قد يفسر مراعاة النصرة لخصوصيات المجتمع السوري ، بينما لا تقر الدولة بمبدأ أن كل من شارك في الثورة له الحق في تقرير مستقبل سوريا ، وترى أن الدولة قائمة فعلا من خلالها .
وعلى الأرض فإن كل من جبهة النصرة وداعش حذران في تعاملهما الثنائي وحريصان على عدم الاحتكاك ، حيث لا يعلق أي طرف على مواقف الآخر ، وكل ينأى بنفسه عن الآخر وهناك مسافة أمان بين الجبهة والدولة ، فالقيادات لاتتعامل مع بعضها ، أما عناصر الطرفين على الأرض فيرون أنهم يحملون مشروعا واحدا ، وأنه لا مصلحة لأي منهما في الاصطدام بالآخر ، فيما لايستبعد مراقبون قيام هذا التصادم على المدى الطويل اذا ما استمرت النصرة من جهة بإعلان نفسها تنظيم مستقل متعاون مع الجيش الحر والكتائب المقاتلة التي تعتبرها داعش مرتدة ، واذا ما تابعت داعش من جهة أخرى سياستها بعدم قبول الآخر وإعتبار نفسها الجهة الحصرية التي تمثل الدولة الإسلامية على الأرض و تسعى لإستقطاب الجميع اليها واستقطبت “ داعش ” أتباعاً كانوا ضمن جبهة النصرة ، وكان عددهم كبيرا وخاصة بمدينة حلب بعد إعلان البغدادي للدولة الإسلامية في العراق والشام ، كما انضمت إليها فصائل كاملة منها مجلس شورى المجاهدين بقيادة أبو الأسير الذي عينته الدولة أميرا على حلب ، وجيش المهاجرين والأنصار الذي يقوده الشيخ عمر الشيشاني الذي بايعها في معركة مطار منغ في آب الماضي ، كما انضم إلى “ الدولة ” مقاتلون سابقون في فصائل الجيش السوري الحر من عناصر حركات أحرار الشام والتوحيد وغيرها .
داعش و الجيش الحر
أما عن العلاقة التي تربط داعش بما يسمى “ الجيش السوري الحر ” فهي أكثر توتراً ودموية من تلك التي تربط داعش بالنصرة ، حيث وصلت سياسة تكفير داعش للأنظمة و الدول و الفصائل الى إعتبار أي فصيل في “ الجيش الحر ” من الكافرين ، وقد دارت بين الطرفين معارك طويلة مع جميع الكتائب التابعة للحر المنتشرة على الأراضي القريبة من مناطق نفوذ داعش او التي تقع على الخط التي رسمته داعش لدولتها ، وفي حين اتهمت داعش الجيش الحر بالإرتداد عن الدين الإسلامي وتعاملهم مع النظام السوري ، واتخذتها ذريعة لمهاجمة الحر وضرب كتائبه ، تتحدث تقارير عن أهداف مادية خلف الصراع الذي يدور بين داعش والحر ، خاصة حول النفط والمعابر الحدودية ، وهذا ما بدا جلياً في أماكن الصراع في ريف حلب والحسكة .
وقد دارت المعارك بين الطرفين في إطار محاولات السيطرة على المناطق النفطية والآبار في الحسكة والرقة خصوصاً ، وحول المعابر الحدودية مع تركيا خاصة كما حصل في إعزاز عند معبر باب السلامة أو كما حصل منذ مدة قصيرة عند معبر باب الهوى .
ومنذ أن أعلنت داعش حملتها العسكرية على الجيش الحر بعنوان “ نفي الخبيث ” تستهدف عملاء النظام ، ومن قام بالاعتداء السافر على الدولة الإسلامية في العراق والشام ، خاضت معارك عديدة مع الجيش الحر ساهمت خلالها في إضعاف هذا الجيش حيث استهدفت معظم كتائبه ، حيث قامت في وقت سابق باعتقال سرية تابعة ل « كتائب الفاروق » في مدينة حلب بسبب مشكلة قديمة عند معركة معبر تل ابيض ، كما قامت داعش في وقت سابق أيضا بإرسال سيارة مفخخة إلى مقر جماعة “ أحفاد الرسول ” في منطقة سكة القطار في الرقة ، وقتل ما يقارب 40 عنصراً من “ أحفاد الرسول ” ، كما قامت “ داعش ” بتفجير سيارة في مركز تابع « للواء الله اكبر » في منطقة البوكمال وأدت الى مقتل شقيق قائد اللواء ، بالإضافة المعارك التي شهدتها منطقة إعزاز بين داعش و لواء عاصفة الشمال على خلفية إشكالات بين عناصر الطرفين ، ما أدعى الى انسحاب لواء عاصفة الشمال من إعزاز وتفتته فيما بعد وسيطرة داعش على المدينة ، وذلك بعد أن فشلت التهدئة التي تمت المصادقة عليها بوساطة جبهة النصرة بين الطرفين ، وفي أحدث الإشتباكات بين الطرفين اتهم الجيش الحر داعش بالوقوف خلف الهجوم الذي استهدف مقاره و منشآته بما فيها مخازن الأسلحة التابعة للجيش الحر عند معبر باب الهوى بين سوريا و تركيا .
داعش و الأكراد
وفي إطار سعي داعش للسيطرة على المنطقة الحدودية شمالاً و شرقاً اصطدمت داعش بالمناطق التابعة للتنظيمات الكردية في شمال شرق سوريا وتحديدا في مناطق الحسكة و القامشلي وعندان ، حيث اندلعت الإشتباكات بين داعش و قوات حماية الشعب الكردي بعد أن قامت داعش بالسيطرة على تلك المناطق ، محاولة فرض سلطتها فيها و تطبيق الشريعة الإسلامية فيها ، حيث ارتكبت أكثر من مجزرة بحق الأكراد بعد ان تم تكفيرهم واتهامهم بالتعاون مع الخارج والعمل لصالح النظام .
ودارت إشتباكات عنيفة بين الطرفين تمكن خلالها الأكراد من إستعادة مناطقهم في شمال و شمال شرق سوريا ، طاردين داعش ومقاتليها من تلك المناطق ، فيما فرضت الأخيرة حصاراً على تلك المناطق مستمر حتى الآن منذ حوالي الشهرين ، وآخر ممارسات داعش وانتهاكاتها بحق الأكراد كان قيامها بخطف حوالي ال120 مواطناً كردياً بينهم نساء و أطفال من محيط مدينة أعزاز بريف حلب ، إضافة الى محاصرتها لمدينة منبج وارتكاب أعمال العنف والقتل بحق أبناء المدينة من الأكراد .
دولة الرايات السود
في نهاية 2013 كانت مدينة حمص قد وصلت إلى ذروة المعاناة والألم بعد حصار سنة ونصف أنهكت فيها كل قواها إلا أن « داعش » لم تر في ذلك أي ضغينة وزادت من معاناة السوريين حين قررت احتلال ريف حمص الشرقي بدعوى فك الحصار، فأرسلت مقاتليها ليحاصروا الرقة وريفها واتخذت من الشرق مقرا رئيسا ومركزيا لها ، لتجتاح لاحقا إدلب وحلب وطرابلس والباب وتل رفعت وحريتان ورتيان ودارة عزة في ظل صمت الجميع ، وفي خلال أقل من ستة أشهر سيطرت « داعش» على مناطق واسعة من الشرق والشمال لحلب .
كانت حروب « داعش » في سوريا من أكثر حروبها ذكاء وحنكة ، فهي تدرك أن قوتها محدودة لا تقارن بحجم حضورها في العراق ، فساهمت في تقليل خساراتها الحربية والعسكرية عبر تجنب الصدام مع نظام الأسد واستهداف المناطق غير الخاضعة لسيطرته ، فيما ظن كثير من المحللين أن ثمة تعاونا مباشرا بين النظام و« داعش » ، إلا أن الأمر لا يعدو توافق مصالح .
انتظرت « داعش » حتى مطلع هذا العام 2014 لتحول استراتيجيتها من الاهتمام بالمستنقع السوري إلى العودة إلى أرض التمكين كما يسميها أتباع « داعش » ( العراق ) وأوفياء العيش بأسلوب حياتها في المدن العراقية التي تحتلها وعلى رأسها « الفلوجة والرمادي » ثم الموصل لاحقا فمحافظة الأنبار التي كانت مسرح ولادة دولة الخلافة ، إلا أن السيطرة على محافظة صلاح الدين كانت الحدث الأهم ل « داعش » حيث حلقة الوصل بين شمال العراق ووسطه ، وحيث الدخول في مرحلة دولة الخلافة النفطية ، وهو ما ساهم في غرور « داعش » وطغيانها إلى الحد الذي جعلها تصل إلى لحظة رمي « حجر النرد » للإرهاب الجديد عبر إعلان دولة الخلافة الإسلامية .
الإقتصاد الداعشى
في تقرير لمجلس العلاقات الدولية صدر مؤخرا أكد على أن بدايات الانتعاش الاقتصادي لتنظيم داعش كانت متأخرة في حدود 2013 قبل تحول الاستيلاء على الموصل الذي يعده الخبراء نقطة تحول اقتصادية كبرى ليست في مسيرة « داعش » فحسب ، بل كل العمل المسلح في المنطقة ، ف « داعش » ما قبل الموصل كانت تحصل على ما يقارب عشرة ملايين دولار شهريا عبر سرقة الأموال وفرض الضرائب على أصحاب العمل المحليين بل واقتطاع حصص من المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مقابل الإذن بالدخول ، وهو سلوك لم يأت مصادفة بل من الواضح أن « داعش » ، وخلافا للتنظيمات الأخرى ، تطور من سلوكها الإداري على الأرض على طريقة العصابات أكثر من بناء برنامج عمل مستقى من التصورات الإسلاموية لشكل الدولة ، وتتحدث التقارير باستفاضة حول ميزانية « داعش » بعد التحولات الجديدة بينما يجزم معظمها بأن رأسمال التنظيم لا يقل عن ملياري دولار .
وفي تقرير مهم نشرته « سي إن إن » كشف أهم محاور التمويل ل « داعش » التي احتكمت إلى منظومة أخلاقية مفارقة للأسلوب التقليدي في التمويل الذي كانت « القاعدة » تتبعه في مراحلها السابقة ، من جملتها المنح والتبرعات وبيع النفط الخام ، المخدرات وغسيل الأموال والابتزاز والغنائم ، وهناك حديث عن ثروة عينية من الذهب فقط تقدر ب430 مليون دولار .
الحالة الجديدة ل «داعش» بعد الدخول في مشروع دولة الخلافة وسقوط أجزاء واسعة من العراق تحت سيطرته استلزمت تطورا على مستوى التجهيز العسكري .
نظام الدوله وشكلها
حرصت « داعش » ، بعد مضي نحو أربعة أشهر على إعلان تأسيس التنظيم الجديد ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ) ، على تأسيس مشروع الدولة على الأرض ولو بشكل رمزي عبر تحويل المدارس والفيلات والبيوت التي هجرها أهلها إلى مقرات وزارية ومحاكم ومدارس للتنظيم ومعسكرات تدريب وجمع أموال ، وعلى الأرض فرضوا أنظمتهم الاجتماعية المتطرفة التي من شأنها دب الذعر في نفوس الأهالي ، فانتشرت في المناطق المحررة مقرّات تحمل اسمَه ورايته ، كما أقيمت الحواجز الجديدة داخل المدن والقرى وفي مداخلها وعلى الطرق الموصلة بينها .
بعد السيطرة على الأرض قام التنظيم بإظهار مخالبه القاسية التي طالت عددا كبيرا من الإعلاميين وناشطي الحراك المدني داخل المناطق المحررة ، كما اعتقلت « داعش » المئات من الموظفين التابعين لمنظمات إغاثية .
واحد من أكثر الملفات غموضا باستثناء كل الرمزيات والأيقونات الداعشية الطافحة في الإعلام ولأهداف أغلبها دعائي وتسويقي ، هو ملف البناء الهيكلي والتنظيمي ل « داعش » ، وهو ملف غامض وصعب لتداخله بين شخصيات جهادية متطرفة مؤسسة للتنظيم وشخصيات فاعلة ومؤثرة قادمة من بقايا البعث والعشائر وضباط المخابرات والعملاء المزدوجين ، إلا أن الرسائل الصغيرة المتداولة في الأوساط الجهادية على الإنترنت تشير إلى عدد من الشخصيات المهمة التي اعترف بها أو أشار لها في الغالب المتحولون من « داعش » إلى « القاعدة » أو الذين هجروا مناطق التوتر إيمانا منهم بأنها غطاء وهمي لعصابات وجماعات وكيانات مشبوهة .
سجون الرعب
قصص تجربة السجن في جحيم « داعش » غير مسبوقة ، حتى إنك وأنت تقرأها يخيل إليك أنك أمام فيلم رعب حقيقي ، فالاعتقال يمتد لشهور وسنوات دون توجيه أي تهمة ، كما أن طبيعة هذه السجون كما يصفها أبو صفية الذي كتب رسالته هذه مناصحا أمير المؤمنين : « أما حالة السجون فهي عبارة عن مقابر جماعية وفردية ، وحالة مزرية من الناحية الصحية » . ويسترسل في وصف الحشرات والبراغيث ونكت المجاهدين عليها ، بل ويشير إلى أن بعض الشخصيات الشرعية في السجن ألفت قصائد على سبيل الترفيه لوصف حالة السجون الداعشية التعيسة التي تبدأ بلحظة الاعتقال وتنتهي بلحظة الفرار أو الإعدام .
جرائم « داعش » في سجونها لا تقل عن جرائمها على الأرض فهناك العشرات من الشهادات حول استخدام « داعش » لتجارب كيميائية خطرة على أجساد المساجين .
مصير داعش
اللحظة التي تعيشها « داعش » الآن هي لحظة إنتشاء وزهو بكل تلك المنجزات السريعة التي ساهمت الأوضاع المتردية في العراق وسوريا إلى التسريع بوتيرتها ، فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بلغ من التيه والفخر بمنجزه أن يقوم بتنفيذ إعدامات ميدانية ويرجم النساء ويتطرف في تطبيق شريعته المزعومة ، لكن لم يقف عند ذلك بل وطبقا لتقارير صحافية عديدة فهو الأن يستقطب كوادر من خارج منظومته الفكرية ، فيعلن عن وظائف بالغة الحساسية في قطاعات عسكرية ونفطية من جهة ومن جهة أخرى ينتشر التنظيم عبر مملكته المفضلة ، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، بشكل غير مسبوق ، ومؤخرا عززت « داعش » تمددها ليس العسكري وإنما الاجتماعي وعلى مستوى أسلوب الحياة ، حين أعلنت مؤخرا عن تسيير رحلات « سياحية » لعناصرها والمدنيين بين شمال سوريا وغرب العراق ، لتعريفهم على الأراضي التي يسيطر عليها وأعلن فيها إقامة « الخلافة ».
ويستغل بعض الجهاديين هذه الرحلات ، التي تحدث في حافلات ترفع رايات التنظيم السود ، لقضاء شهر عسل مع زوجاتهن في محافظة الأنبار العراقية ، بحسب ناشطين من مدينة الرقة ، أبرز معاقل التنظيم في شمال سوريا .
مناطق تسيطر عليها داعش
تنتشر داعش اليوم على امتداد قوس كبير في الشمال السوري ، يبدأ من الحدود العراقية السورية ويمرّ في دير الزور والرقة ، وصولاً إلى جرابلس ومنبج والباب وإعزاز شمال حلب ، و شمالي إدلب قرب الحدود التركية ، وتسعى دائماً لقضم مستمر للمناطق المحيطة بالأراضي التي تسيطر عليها ، ثم تعلنها تابعة للدولة الإسلامية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.