منذ منتصف التسعينات ومع تغيير نظام الثانوية العامة عدة مرات متتالية، تشهد مدارس التعليم الثانوي العام ظاهرة في غاية السلبية وهي غياب طلاب الصف الثالث الثانوي عن الدراسة المنتظمة بالمدارس. كان الغياب في أول الأمر يقتصر علي الشهور الأخيرة من العام الدراسي، ولكن بمرور السنوات وتدهور النظام التعليمي سنة بعد أخري زادت شهور الغياب حتي وصلنا الآن إلي الغياب التام لطلاب الصف الثالث الثانوي منذ اليوم الأول للدراسة. أصبح الشائع الآن بين الطلاب وأولياء أمورهم ومعلميهم أنفسهم أن المدرسة بيئة طاردة للطلاب وأن حضور الطلاب في صفوف النقل هو فقط للحصول علي درجات المواظبة وأعمال السنة ولولا ذلك لتغيب طلاب صفوف النقل أيضا. فما سبب هذه الظاهرة وكيف تدهور الحال بهذا الشكل المخيف؟ بداية يجب أن نعترف أن النظام التعليمي المصري يعيش في حالة من الانهيار ليس فقط في المرحلة الثانوية، بل في بقية المراحل. يكفي أن تذهب لأي مدرسة ابتدائية أو إعدادية وتلقي نظرة علي كثافة الفصول ومستوي الخدمات المقدمة للطلاب حتي تعرف أن الأمر في غاية الخطورة وأنه لا يوجد تعليم بمدارسنا وأن الطريق طويل حتي نبدأ مشوار الإصلاح التعليمي. هدف التعليم في مصر هو اجتياز الاختبارات النهائية والحصول علي شهادة في نهاية المطاف. وحلم كل مصري أن يحمل شهادة تعليمية ولذلك لم يكن غريبا أن تشيع مقولة: "بلد شهادات". وإذا كانت المسألة هي مسألة اختبارات ومعظمها لا يقيس إلا جانبا واحدا من العمليات المعرفية وهي الحفظ والتلقين فإن الطريق الآن أصبح واضحا، فلن يحتاج الطالب سوي معلم خصوصي يشرح له كيف يحل الاختبارات بأسهل الطرق وأسرعها. وستكون العبارة الشائعة علي لسان هذا المعلم: "الجزء ده مهم لأنه يأتي في الامتحان."وهكذا تُختزل العملية التعليمية في الحصول علي الدرجات وإهمال الهدف الأسمي وهو إعداد مواطن متكامل الشخصية معرفيا ووجدانيا ومهاريا. الحل يبدأ من تغيير النظام التعليمي الذي يهدف إلي حفظ المعلومات وإفراغها مرة أخري في ورقة الإجابة ثم ينساها الطالب دون أن يتعلم أي مهارة ما. يجب أن لا تكون الاختبارات التحصيلية هي الوسيلة الوحيدة للتقويم. وعلي المدارس في ظل نظام تعليمي جديد أن تبدأ في تكوين شخصية الطالب المتكاملة وأن يتعلم مهارات جديدة بجانب ما يحصله من علم، وأن تُعطي الأولوية للجوانب العملية في التعليم، فكيف لطالب يدرس مواد كالكيمياء والفيزياء دراسة نظرية دون أن يشاهد ويجرب بنفسه في المعامل. وكيف لطالب يتعلم اللغات الأجنبية دون توافر الأدوات التي تمكنه من اتقان مهارات اللغة. هناك أساليب جديدة للتعليم تعمل علي تنمية شخصية الطالب كالتعليم بالمشروعات، فهذه المشروعات التي يقوم الطلاب بتنفيذها تحقق فوائد عظيمة للطلاب أولها أن تعلمه البحث دون أن ينتظر المعلومات الجاهزة وتعلمه التعاون مع زملاء الصف تحت إشراف المعلم، ويتعلم مهارات جديدة من خلال عمله بالمشروع طوال الفصل الدراسي، وتمنحه من الثقة بالنفس ما يساعده أن ينجح في حياته العملية. وبما أن هذه المشروعات سوف تكون مكونا رئيسا لتقويم الطلاب، فنحن بذلك نمنحه فرصة لتقويمه في كافة جوانب شخصيته وليس فقط مهارة الحفظ. وبذلك يعود للمدرسة دورها الرائد في اكتشاف أصحاب المواهب العلمية والرياضية والفنية وتكون بيئة جاذبة للطلاب.