لأن مصر كبيرة تاريخا وحجما وقيمة فإن كلّ مافيها وكلّ ما يخصّها يرى(برفع الياء) كبيرا حتّى وان خفّ وزنه او قلّ شأنه ولا ادلّ على ذلك اكثر من محاكمة حسني مبارك وولديه ومن معهم فقد تعالت الأصوات من هنا وهناك مادحة حسن سير الجلسة ومستعظمة مرافعات المحامين ومطنبة في التأكيد على ما اتّسم به رئيس المجلس من هدوء وحلم وانضباط،والحقيقة انني من منطلق درايتي المتواضعة يالجلسات ومداولاتها ارى في ذلك غلوّا لا مبرّر له وعلى عكس الأصوات والأقلام التي انصرفت للتهليل والمباركة فإنني اعتقد ان جلسة 2 اوت القاهرية كانت حقيقة دون المأمول بكثير، وفيما عدا حسن التنظيم الأمني فقد طغت فوضى عارمة عل مداخلات المحامين سواء في تداولهم على اخذ الكلمة او في مضامين مداخلاتهم التي اختلط صلبها الشكل بالأصل،وحتّى اسلوب مخاطبتهم للمحكمة فقد بدا عليه تزلّف وتملّق وترونق قلّما نراه في محاكم تونس على سبيل المثال،هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فقد رأينا قاضيا بدا وقورا وهادئا في بداية الجلسة ولكنه سرعان ما خرج من عقاله فصار يعامل المحامين بفجاجة ظاهرة ولا يسجّل طلباتهم او يسجّل طلبات البعض ولا يسجّل طلبات البعض الآخر او يتغاضى عنها كما رأيناه يصغي باهتمام لبعضهم ولا يعير البعض الآخر أيّ اهتمام ، امّا عن الإجراءات فحدّث ولا حرجا لأنها إمّا تكون غير خاضعة لنظام تدرّجي معيّن في محاكم مصر وإمّا ان جريان العمل هناك مخالف لما هو مألوف لدى سائر المنظومات القضائية ببقيّة بلدان العالم فلقد رأينا نوّاب المتهمين بأخذون الكلمة قبل نوّاب القائمين بالحق المدني ثم تعطى الكلمة من جديد لمحامي هذا وذاك دون التقيّد بنسق اجرائي ترتيبي معيّن وهكذا دواليك...فإذا كان العامّة والصحافيون قد انبهروا بذلك واطنبوا في الشكر والمدح فعليهم ان يدركوا انه فيما عدا فساحة قاعة الجلسة وضخامة قفص اتهامها لم نر سوى محاكمة يجوز القول عنها بأنها كانت رديئة المستوى وغير لائقة ببلد في عراقة مصر الكنانة،واظنّ ان القيادة العسكرية هي اكبر الغانمين من هذه المحاكمة فقد افلحت في امتصاص غضب الجماهير حين اخرجت الرئيس السابق من عرينه وجرّته الى قاعة المحكمة على تقّالة فكان لذلك عظيم الوقع على المتأجّجين وهفتت جذوتهم حين رأوا الرجل مسجّى ومستسلما لقدره...