في منتصف تشرين الثاني 1988م أعلن ياسر عرفات عن الدولة الفلسطينية استناداً إلى قرار تقسيم فلسطين رقم 181، وبالتالي اعترف (بإسرائيل) وحقها في العيش بأمان، وأتبع ذلك بنبذ الإرهاب، المقصود به في حينه: التبرؤ من العمل الفدائي. لقد أثار إعلان الدولة في عام 1988م عاطفة الشعب الفلسطيني، وصفق له أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني على مدار ربع ساعة متصلة. وطفقت دول العالم تعترف بالدولة الجديدة في منفاها، وتحوِّل مكاتب تمثيل منظمة التحرير إلى سفارات. وأعلن المجلس المركزي ياسر عرفات رئيساً لدولة فلسطين وفاروق القدومي وزيراً لخارجيتها. وألقى عرفات خطابه أمام الأممالمتحدة في جنيف معلناً الاعتراف (بإسرائيل) وحقها في العيش بأمان ونبذ الإرهاب، وكان هذا ثمن بدء حوار بين منظمة التحرير والولايات المتحدةالأمريكية، ما لبث أن أوقفته بعد عملية أكيلي لاورو. وماذا بعد؟ لا شيء. فقط مَنَحْنَا (إسرائيل) اعترافاً من منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثلة الشعب الفلسطيني، وأوقفنا الكفاح المسلح ضدها. وأما نحن فلم نحصل على شيء مطلقاً. لقد كان إعلان الدولة في عام 1988م على هذا النحو نكبة ألمَّت بالشعب الفلسطينية توازي نكبة عام 1948م. ففي النكبة الأولى قامت (إسرائيل) على أرضنا وطردت شعبنا. وفي النكبة الثانية اعترف (ممثلونا) ب (إسرائيل) ومنحوها شرعية لوجودها. وبقينا نجتر هذه النكبة إلى يومنا هذا. هذه الأيام يحضِّر عباس لإعلان الدولة الفلسطينية أمام الأممالمتحدة في أيلول القادم. وهو الآن يحاول جمع كل الشرعيات الفلسطينية بحوزته، فقد حصل على شرعية رئاسته للسلطة الفلسطينية من خلال توقيع اتفاق المصالحة. ويحاول الحصول على شرعية رئاسته لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال عقد لقاء واحد يتيم للإطار القيادي لمنظمة التحرير، يكون برئاسته، وتحضره كل الفصائل بما فيها حماس والجهاد الإسلامي. ويسعى لعقد المجلس المركزي بحضور الفصائل الفلسطينية كافة، وخصوصاً حماس، ليظهر أمام العالم بأنه ممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وأنه لا اختلاف عليه، الأمر الذي يمنحه القدرة على تقديم أي ثمن تطلبه (إسرائيل) والولايات المتحدة، والأممالمتحدة لقاء قبول الدولة الفلسطينية عضواً كاملاً في الأممالمتحدة. هنا يوجد اختلاف جوهري ومهم، يجعل هذه الخطوة أخطر من سابقتها. فالدولة الفلسطينية ستعترف (بإسرائيل). وهو اعتراف يتوافق مع القانون الدولي الذي يعتبر أن اعتراف كيان ما دون الدولة بدولة ما أنه اعتراف غير قانوني وغير سيادي، لأنه لم يصدر عن مؤسسات سيادية للدولة. وبالتالي فالقانون الدولي يرى في اعتراف المنظمة (بإسرائيل) أنه منقوص، ويجب استكماله. ما سيجري في أيلول هو استكمال الشكل القانوني للاعتراف الفلسطيني بدولة (إسرائيل)، وسيذهب عباس ومنظمة التحرير إلى التأكيد مجدداً على كل الاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، وترتبط الدولة الفلسطينية الموعودة باتفاقيات أمنية واقتصادية ودبلوماسية وتنموية معها. قد يعود عباس من الأممالمتحدة بدولة فلسطينية تعترف (بإسرائيل) وتلتزم تجاهها بحفظ الأمن والتابعية الاقتصادية. فماذا سيكون موقف فصائل المقاومة الفلسطينية عندذاك ؟ وماذا يُجديها نفعاً رفض الاعتراف، أو رفض تمثيل عباس، بعدما تقع الفأس في الرأس ؟ ولماذا تترك فصائل المقاومة عباس يسير بالمقلوب. أليس الوضع السليم هو تشكيل مجلس وطني جديد بانتخابات مباشرة في مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، ثم يتداول المجلس الوطني الجديد مسألة إعلان الدول وجدواها، وآليات تحقيقها، وبعد إقرار الإستراتيجية يتم التحرك على أساسها على بصيرة. إننا ذاهبون في أيلول القادم إلى نكبة ثالثة للشعب الفلسطيني، يكتمل فيها الاعتراف الفلسطيني (بإسرائيل)، معلناً هزيمته، وعجزه عن تحقيق التحرير والاستقلال، مكتفياً بدولة مسخ لطالما ناهضها شعبنا وفصائله. يجب الحذر من منح الشرعية لمؤسسات منظمة التحرير المهترئة، بحضور جلسات المجلس الوطني أو المجلس المركزي أو اللجنة التنفيذية، لمنح عباس تفويضاً يضر بالقضية الفلسطينية. وإن على عاتق المقاومة الفلسطينية إحباط هذا التلاعب بحقوق الشعب الفلسطيني، بالقول والفعل، قبل وقوعه. ولا عذر لساكت أو متخاذل. ولا نامت أعين الجبناء.