سعر الدولار في البنوك المصرية صباح اليوم السبت 14 يونيو 2025    إعلام إيراني: طهران قصفت 150 موقعا إسرائيليا من بينها قواعد جوية    المشدد 10 سنوات لعصابة الكيف في السلام    طقس اليوم السبت 14 يونيو 2025.. شديد الحرارة والعظمى بالقاهرة 37 درجة    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي بزيه الأحمر التقليدي في كأس العالم للأندية    صباحك أوروبي.. قيمة صفقة فيرتز.. عودة بوجبا.. وصفقات ريال مدريد    مرتجي يتسلم شهادة مشاركة الأهلي للمرة العاشرة في مونديال الأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي في افتتاح كأس العالم للأندية    موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 محافظة السويس الترم الثاني    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية خلية العجوزة    نقيب الفنانين العراقيين يطمئن على إلهام شاهين وهالة سرحان ببغداد    إعلام إيرانى: ضرباتنا استهدفت أكثر من 150 موقعا فى إسرائيل بينها قواعد جوية    قصور الثقافة تعرض "طعم الخوف" على مسرح مدينة بني مزار الأحد المقبل    فريق طبي بمعهد القلب ينجح في إجراء قسطرة لرضيع عمره 5 أيام    غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    طلع مدرس مساعد بجامعة بني سويف، مفاجأة غير متوقعة في واقعة تحرش مدرب جيم بطفل في الفيوم    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    ازدحام غير مسبوق في سماء السعودية    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 14-6-2025.. انخفاض كبير فوق 600 جنيه    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات قوية في شرق طهران    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    الكويت تدعو مواطنيها فى مناطق التوتر بتوخى الحذر والمغادرة حال سماح الظروف    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا ورحلة العنصرية المتأصلة
نشر في شباب مصر يوم 09 - 09 - 2014

حين يكتب المحلّل السياسي " جيف سميث" في صحيفة نيويورك تايمز الواسعة الانتشار:إن تظاهرات " فيرجستون" كشفت عنصرية أمريكا التي أرادت إخفاءها، تحت عنوان أنها دولة ديمقراطية، فإن لهذا الكلام معاني كبيرة ومغازي كثيرة.
ولعلّ مناسبة الحديث هذا، تعود إلى مقتل الشاب الأسود اللون ذو الأصول الأفريقية المدعو "مارك روبن" على يد شرطي أمريكي أبيض اللون، وقد أدى هذا الحادث إلى اشتعال التظاهرات الغاضبة والمندّدة بالشرطة في مدينة " فيرجستون" بولاية ميزوري، التي استخدمت العنف في التعامل، مع المتظاهرين من خلال قنابل الغاز المسيلة للدموع وإطلاق رصاص واعتقال بعضهم من جانب الشرطة الأمريكية.
الشيء الملفت للنظر أنه على الرغم من وجود رئيس أسود من أصول أفريقية تم انتخابه في العام 2008 وجددت ولايته العام 2012 وهو الرئيس باراك أوباما، الاّ أن الثقافة العنصرية السائدة والتراث العنصري في السياسة الأمريكية إزاء السود لا يزال مستمراً، ويتجلّى ذلك في التمييز بين السود والبيض في العديد من الجوانب المجتمعية والحياتية وفي الممارسات العملية، خصوصاً في ظل التفاوت الاجتماعي والطبقي ومستوى التعليم والبطالة وغير ذلك.
وعلى الرغم من التغيير الديموغرافي الذي عرفته مدينة فيرجستون، حيث كانت أغلبية سكانها من البيض (نحو ثلاثة أرباع) وربعها من السود، إلاّ أن التمييز لا يزال مستمراً بحق السود، الذين أصبحوا أغلبية ساحقة حيث ارتفع عددهم إلى أكثر من ثلثين مقابل نحو ثلث من البيض، ويهيمن البيض على مجلس المدينة، وعلى مجلس المدارس أيضاً، ولعلّ استمرار نهج التهميش والممارسة العنصرية ضد السكان السود من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج الصراع العنصري الذي له تاريخ عتيق في الولايات المتحدة، استمر حتى سنوات الستينات، حين قاد الزعيم الأسود مارتن لوثر كنغ حركة احتجاج مدنية لا عنفية ضد التمييز العنصري والقوانين العنصرية ونهج التهميش واللامساواة، لدرجة أن "مجلة تايم" الأمريكية المعروفة اختارته "رجل العام" وعلى غلاف أحد أعدادها، كما تسلّم جائزة نوبل للسلام، وحصل على جائزة جون كيندي من المجلس الكاثوليكي للتعاون بين الأعراق العام 1964.
وحين كان الزعيم الأسود مارتن لوثر كنغ وهو بالأساس قسٌ، ينظّم " مسيرة للفقراء" في 4 نيسان (ابريل) 1968 في أتلانتا اغتيل بدم بارد، في حين ظلّت شكوى المحرومين والدعوة إلى المساواة والتضامن بين السود والبيض قائمة. وقد وصف البابا بولس السادس جريمة اغتياله: بأنها توازي سيرة آلام السيد المسيح الخلاصية، حيث بدأ نشاطه في العام 1955 في مونتغمري بمقاطعة الباصات للسود، أي عدم التعامل معهم على نحو مذل ومهين، ولكن رد فعلهم اللاعنفي كان أن بدأوا بالسير على الأقدام بكرامة ورفض استخدام الباصات، ثم تعرّض للاعتقال 12 مرّة في ألاباما وجورجيا وتم تفجير منزله مرتين وتلقى عشرات التهديدات إلى أن اغتيل كما ورد ذكره.
وبالطبع ما من أحد يتجاهل اليوم أو ينكر أهمية حركة الحقوق المدنية اللاعنفية التي قادها مارتن لوثر كنغ، من أجل تحقيق المساواة الحقيقية بين مختلف الأعراق، كما ينصّ على ذلك دستور الولايات المتحدة نفسه، ناهيكم عن النجاح الذي حققه على المستوى القانوني والعملي وفي الميادين المختلفة.
إن المعاملة العنصرية للسود في بعض المجالات ليست الشكل الوحيد الذي يتعارض مع اللوائح والمواثيق الدولية بشأن احترام حقوق الإنسان بل هناك جوانب متعددة، وقد كانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت تقريراً شاملاً زاد على 200 صفحة رصدت فيه انتهاكات حقوق الإنسان، وخصوصاً مظاهر التمييز واللامساواة ضد السود مشيرة إلى العديد من المعايير المزدوجة، وذلك في أواخر التسعينيات، لافتة انتباه حكومة الولايات المتحدة إلى هذه الممارسات المنافية للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الولايات المتحدة، وهي تخلّ بالتزاماتها الدولية.
وإذا كان الرئيس أسوداً، فإن الكثير من مستشاريه يمثّلون نمطاً عنصرياً، أخذ يستفحل خلال الكساد الاقتصادي الذي تعرّض له السود بشكل أقسى من غيرهم من المواطنين الأمريكيين إثر الأزمة الاقتصادية والمالية منذ أواخر العام 2006 والتي لا تزال تأثيراتها مستمرة، خصوصاً في قطاعات المصارف والبنوك والرهن العقاري، وانعكس ذلك على قطاعات الصحة والتعليم وبعض الخدمات.
إن نحو 72% من الأطفال السود يولدون خارج مؤسسة الزواج، في حين أن 29% يقابلهم من البيض، وهذا يعني أن عدداً كبيراً من السود يعتمد على نظام الضمان الاجتماعي، يضاف إلى ذلك أن النظام القانوني والقضائي والأمني لم يصمّم لمساعدة السود، بل يؤدي عملياً إلى وضع كثيرين منهم في السجن. وإذا كان الاعتقاد السائد لدى السود أن انتخاب رئيس أسود (منهم) يمكن أن يساعد على حلّ المشكلات التي يعانون منها، فإن مثل هذا الاعتقاد تبدّد بسبب أن مقاربته لقضايا عنصرية كانت نتائجها أكثر سلبية من غيرها.
لقد فجّرت حادثة اغتيال الشاب الأسود "براون" البالغ من العمر 18 عاماً يوم 9 آب(أغسطس) 2014، الكثير من المشكلات العنصرية القديمة، فالشاب لم يكن مسلحاً، وتعرّض لإطلاق النار وذراعاه مرفوعان، الأمر الذي شكّل فضيحة للبوليس الأمريكي. وبدلاً من معاقبة الضابط المسؤول فإن السلطات منحته إجازة إدارية مدفوعة الأجر، الأمر الذي أثار تساؤلات أخرى هو نزاهة الجهاز الإداري، ولم يجد نفعاً تعيين عميد شرطة أسود من أجل احتواء الوضع والتخفيف عن حدة الاحتقانات وتصاعد الاحتجاجات.
لم يمنع وصول رئيس أسود(أوباما) لرئاسة الولايات المتحدة من استمرار حالات التهميش والتمييز العنصرية، على الرغم من أهمية وصول رئيس أسود لأول مرّة في التاريخ السياسي والاجتماعي الراهن للولايات المتحدة، لكن التفاوت الطبقي والاجتماعي بين أحفاد "العبيد القدماء" السود وأحفاد السادة البيض (المسيحيون البروتستانت)، لم يكن يعني أن تقدماً حقيقياً حصل حتى بعد انتخاب رئيس أسود.
الأزمة العنصرية بين البيض والسود الأمريكيين لا تزال قائمة، ولعلّ جزء منها يقوم على أزمة النظام الرأسمالي الأمريكي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، لاسيّما استمرار السود في أسفل السلّم الاجتماعي بشكل عام وتعود المأساة الحقيقية إلى التاريخ الطويل من الاستغلال والتهميش والإقصاء الاجتماعي، خصوصاً وأن الصورة التي ظلّت شائعة هي ارتباط أعمال الإجرام والسرقات والاغتصابات والتشرد بالسود،وهي الصورة التي ظلّت شائعة إلى اليوم، ولا يمنع ذلك من مغنٍ نجم أو لاعب كرة سلّة أو مدير لشركة أو خبير أمني، من السود، لكن شبح التهميش لا يزال يبسط جناحيه على المجتمع الكثير التفاوت.
وقد عاشت الكثير من العائلات السوداء في "غيتوات" في ضواحي المدن الكبرى، ومع مرور الأيام وبسبب الظروف غير المناسبة اجتماعياً ونفسياً واقتصادياً وثقافياً وتعليمياً وتربوياً وحتى قانونياً، فقد أصبحت هذه الأماكن " موطناً" للعصابات الإجرامية وجماعات المافيا والمخدرات، وهي الصورة النمطية التي كرّستها أفلام هوليوود والسينما الأمريكية . ولعلّ هذه الصورة تدفع رجل الشرطة أحياناً أن يتعامل مع كل أسود باعتباره غير منضبط وبنوع من الريبة والشك، ولاسيّما إلصاق كل ما يتعلق بالعنف والارهاب وخرق القانون به أحياناً.
إن الشعور بالظلم وحالة الاحباط، كانت وراء عنف فيرجستون، وهو شعور لا يمكن الفكاك منه دون القضاء على العنصرية فعلياً، حيث أقدم غاضبون إثر حادث الاغتيال على كسر متاجر وإحراق مبان وسيارات شرطة. ولعلّ الأمر له علاقة بماضي الولاية العنصري، وقد رفع المتظاهرون شعاراً "السلام في غياب العدل"، ولم تنفع مخاطبة الرئيس أوباما: بأننا جميعاً جزء من أسرة أمريكية واحدة ، ونحن متّحدون على قيم مشتركة بما يتضمن الإيمان بالمساواة في ظل القانون والاحترام الأساسي للنظام العام وحق الاحتجاجات العامة والسلمية وكرامة رجل وامرأة وطفل بيننا.
إن مقتل براون أعاد للأذهان مقتل الشاب "ترايفون مارتن" (17 عاماً) على يد جورج زمرمان (الأبيض) العام 2012 في ولاية فلوريدا، والشاب مارتن هو الآخر كان أعزلاً مثل براون، ولكن لمجرد أن لونيهما كان أسود، فقد انتهى سوء الظن بالشرطة إلى قتلهما.
إن نسبة البطالة لدى السود هي ضعف البطالة لدى البيض، وإن نحو 24% من السود يعانون من الفقر، مقابل 8% من البيض، أي أن النسبة لدى السود هي ثلاث مرات ما لدى البيض.
وإذا كانت واشنطن منذ حركة الاحتجاج المدنية السلمية اللاعنفية قد عدّلت الكثير من قوانينها وممارستها إزاء السود، إلاّ أن الكثير من المظاهر والممارسات السلبية المعلنة والمستترة لا تزال قائمة حتى وإن اختفت وراء ستار كثيف من الحديث عن المساواة وقيم المجتمع الأمريكي، لكن حالة التهميش والإقصاء لا تزال مستمرة.
ومن الناحية القانونية يمكن تعريف العنصرية: إنها تعني " كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس (النوع الاجتماعي) ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الاجتماعي أو الميدان القضائي أو أي ميدان آخر من الميادين العامة".
والعنصرية تحرم مجموعات بشرية من الحقوق الإنسانية، وتمنح امتيازات أو تؤثر في المعاملة على حساب مجموعات أخرى، سواء كانت العنصرية صريحة أو خفية، وهي ظاهرة شائعة في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية، سواء إزاء السود أو إزاء الأجانب (الزينوفوبيا)، وقد ارتفعت هذه النزعات بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001، حيث استفحلت هذه الظاهرة في العالم على الرغم من الجهود الحثيثة للحدّ منها قانونياً وسياسياً واجتماعياً وقضائياً وتربوياً ودينياً.
وقد سعى المجتمع الدولي وعبر جهود مضنية لإصدار إعلان ضد العنصرية في العام 1963 تضمن أربع نقاط رئيسية، حيث اعتبر أن أي مذهب للتفرقة العنصرية أو التفوق العنصري هو مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً، وأن التمييز العنصري هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية وإخلال بالعلاقات الودية بين الشعوب وبالتعاون بين الأمم وبالسلم والأمن الدوليين، وهو لا يقتصر على إيذاء الذين يستهدفهم، بل يمتد أذاه إلى ممارسيه. كما حدّد الاعلان هدف الأمم المتحدة الذي يتلخص في بناء مجتمع عالمي متحرر من جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول من العام 1965 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (2106 في الدورة العشرين)، وهو عبارة عن اتفاقية دولية دعت فيها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأعضاء في أية منظمة من المنظمات الدولية المتخصصة المرتبطة بها أو أية دولة أخرى، الانضمام إليها لكي تصبح طرفاً فيها بالتوقيع والتصديق عليها. وتضمنت الاتفاقية ديباجة مطولة و25 مادة. وعبّرت الديباجة عن التوجهات الأساسية للجمعية العامة، التي ينبغي أن تكون الأصل في ما يتعلق بمواقف الدول عموماً إزاء مسألة حقوق الإنسان. ومن هذه التوجهات:
- البشر متساوون ويولدون أحراراً ولا ينبغي التمييز بينهم لأي اعتبار.
- التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الجنس يمثل عقبة حقيقية في سبيل تنمية العلاقات الودية والسلمية بين الأمم والشعوب، والإخلال بالوئام بين الأشخاص الذين يعيشون جنباً إلى جنب، حتى في داخل الدولة الواحدة، كل ذلك إلى جانب أن وجود الحواجز العنصرية، يشكل أمرا منافيا للمثل العليا لأي مجتمع إنساني. ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في العام 1969 بعد أن صدقت عليها أو انضمت إليها 27 دولة. وقد انضم إليها حتى الآن أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة. وتعتبر هذه الاتفاقية من أقدم اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأوسعها نظاما من حيث التصديق عليها.
جدير بالذكر أن الأمم المتحدة واصلت دعواتها ومؤتمراتها بخصوص مكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وذلك في السنة الدولية لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري (1971) وخلال عقدين كاملين 1973-1983 و1983-1993 عقدت مؤتمرين دوليين للغرض نفسه في جنيف العام 1978 والعام 1983، وتوّجت عملها ذلك بعقد أكبر مؤتمر دولي لمناهضة العنصرية في "ديربن" بجنوب أفريقيا في 31 أغسطس/آب إلى 8 سبتمبر/أيلول من العام 2001، وذلك بعد تحضيرات لمؤتمرات إقليمية أوروبية وأميركية وأفريقية وآسيوية.
وفي مؤتمر ديربن كان للجنوب دور مهم في وضع جدول أعمال المؤتمر (بخلاف الكثير من المؤتمرات الدولية) وبخاصة لمؤسسات المجتمع المدني التي زاد حضورها على ثلاثة آلاف منظمة. ومن العلامات المميزة التي تجدر الإشارة إليها أن الآسيويين كان أحد شواغلهم مسألة الاتجار بالبشر وبخاصة النساء والأطفال، وانشغل الأفارقة بموضوع الاعتذار والتعويضات، وأخذ موضوع الأصول الأفريقية بالنسبة لأميركا حيّزاً، وكان الهم الأوروبي يتركز على ارتفاع موجات العنصرية وكراهية الأجانب، وانشغل العرب وأصدقاؤهم بالهمّ الفلسطيني، وتمت إدانة الممارسات "الإسرائيلية" بالعنصرية.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة على النطاق العالمي لمكافحة العنصرية، فإنها ما تزال موجودة بكثرة في ربوع العالم، وتعاني منها الكثير من المجتمعات والأفراد، حيث يستمر الظلم والتمييز والاستعلاء، فضلا عن وجود نظام يمارس العنصرية كسياسة للدولة، وهو النظام الذي يرتكز على عقيدة عنصرية أدانتها الأمم المتحدة في قرارها 3379 الصادر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، والذي ألغي في العام 1991 بسبب اختلال موازين القوى الدولية.
ولا يزال فيروس العنصرية مستشريا بأشكاله القديمة والجديدة، وإن لم يتم القضاء عليه فسيظل يلوث حياة البشر وعلاقاتهم الإنسانية سواء على المستوى الدولي، أو الداخلي، في الكثير من البلدان والمجتمعات.
يروي مارتن لوثر كنغ في كتابه " قوة المحبّة" نموذجاً من التمييز العنصري الحادثة التالية:
منذ سنوات معدودة وقعت حادثة اصطدام على إحدى طرقات الجنوب لسيارة نقل كانت تقلّ شباناً هم لاعبون في فريق لكرة السلة تابع لمدرسة ثانوية سوداء، وقد أصيب بنتيجة الحادث ثلاثة شبان بجروح خطيرة. فاستُدعيتْ على الفور سيارة إسعاف لنقل الجرحى، وبوصول السيارة إلى مكان الحادث صرّح السائق الذي كان أبيضاً، وبدون أي عذر، بأنه ليس من عادته أن يخدم الزنوج وقفل راجعاً إلى حيث أتى.
وبالصدفة مرّ من هناك سائق فنقل الجرحى مجّاناً إلى أقرب مستشفى، ولكن الطبيب المناوب قال بلهجة عدائية:" نحن لا نستقبل زنوجاً في هذا المستشفى". وأخيراً بوصول الشبان إلى مستشفى " أسود" في مدينة تبعد مئات الأميال عن مكان الحادث كان أحدهم قد لقي مصرعه، بينما مات الشابان الآخران الواحد تلو الآخر. الشاب الثاني توفي بعد ثلاثين دقيقة والثالث بعد خمسين دقيقة.
كان باستطاعة الشبان الثلاثة أن ينجوا من الموت لو قدّمت لهم الإسعافات الأوليّة بصورة عاجلة. هذه الحادثة ليست سوى واحدة من آلاف الحوادث التي تقع كل يوم في الجنوب، وهي تجسيد فظيع للتبعات البربرية المترتبة على كل أخلاقية ترتكز إلى القبيلة أو الأمة أو العرق.
وافترض مارتن لوثر كنغ وجود رسالة متخيلة يرسلها الرسول بولس إلى مسيحيي أمريكا ليقول لهم ولأمريكا: "بفضل عبقريتك العلمية جعلت العالم متجاوزاً، ولكنك لم تستخدمي عبقريتك الأخلاقية والروحية لتجعليه متآخياً" ويخاطب الأمريكيين بقوله:
"وهكذا أيها الأمريكيون، أرى من واجبي أن أحثّكم وبإلحاح على التخلص من كل أشكال التمييز العنصري. التمييز العنصري هو إنكار فاضح لوحدتنا في المسيح لأنه يلغي العلاقة بين " أنا وأنت" ويجعل الآخر "شيئاً" لا قيمة له. التمييز العنصري يُدمي الروح ويذلّ الإنسان ويفرض على الشخص اللاحق به التمييز إحساساً خاطئاً بالدّونية فيما يدفع الإنسان الذي يمارس التمييز إلى الإحساس الخاطئ بالعظمة والتفوّق. كذلك فالتمييز يدمّر الجماعة ويجعل التآخي مستحيلاً."
وتمضي الرسالة لتقول:
هل بإمكاني توجيه نداء إلى ضحايا نظام التمييز العنصري المشؤوم؟ :
عليكم أن تستمروا بحرارة وجرأة بالمطالبة بحقوقكم التي يعترف بها الله والدستور.إن سكوتكم على الظلم لهو أمر لا أخلاقي وجبان في آن معاً. لا تستطيعون التنازل بملء إرادتكم عن حقكم بالولادة أحراراً، فهذا الحق لن يقدّموه لكم على طبق من فضة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.