المحترفون الأجانب في الدوري المصري - نيجيريا الأكثر تمثيلا.. و4 قارات مختلفة    بحضور نائب محافظ سوهاج.. الزميل جمال عبد العال يحتفل بزفاف شقيقة زوجته    زيلينسكي: لا مؤشرات على استعداد روسيا لإنهاء الحرب    الاحتلال يعتدي على فلسطينيين ومتضامنين أجانب في خربة ابزيق شمال طوباس    برلين تدين الهجمات الإسرائيلية على الصحفيين في غزة    صفعة جديدة على وجه الاحتلال.. قرار صندوق الثروة السيادية النرويجى بسحب استثماراته من إسرائيل إشارة لتغير ميزان الموقف الأوروبى مستقبلا.. حظر الأسلحة على الكيان ضربة موجعة يجب استثمارها دوليا    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    حقيقة رفض الأهلي عودة وسام أبو علي حال فشل انتقاله إلى كولومبوس    المصري يتعاقد مع الظهير الأيسر الفرنسي كيليان كارسنتي    الأهلي مهدد بخسارة نجميه أمام فاركو    ديانج ينتظر موقفه مع ريبيرو ويؤجل ملف التجديد    الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات لأعضاء الرياضة في مصر ضمن الاستراتيجية القومية    تضم 14 متهما.. حبس شبكة دعارة داخل نادٍ صحي بالعجوزة    حجز عامل نظافة بتهمة التحرش بسيدة داخل مصعد في الشيخ زايد    أسعار الذهب اليوم في مصر.. تراجع مفاجئ وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا وسط ترقب السوق    دنيا سمير غانم: "أول مرة أقدم أكشن كوميدي وسعيدة بوجود كايلا"    الآن رسميًا.. موعد فتح تقليل الاغتراب 2025 وطريقة التحويل بين الكليات والمعاهد    المحادثات الأمريكية الروسية تدفع الذهب لخسارة جميع مكاسبه    رسميًا بعد الانخفاض الجديد. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استبعاد مصطفى شوبير من تشكيل الأهلي أمام فاركو.. سيف زاهر يكشف مفاجأة    طلبات جديدة من ريبيرو لإدارة الأهلي.. وتقرير يكشف الأقرب للرحيل في يناير (تفاصيل)    مصطفى شلش يكتب: التحالف التركي- الباكستاني- الليبي    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    متطرف هاجمته الخارجية المصرية.. 22 معلومة عن وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    تبين أنها ليست أنثى.. القبض على البلوجر «ياسمين» بتهمة نشر فيدوهات خادشة للحياء العام    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    عليك التحكم في غيرتك.. حظك اليوم برج الدلو 12 أغسطس    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    بدأت حياتها المهنية ك«شيف».. 15 معلومة عن لارا ترامب بعد صورتها مع محمد رمضان    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    محمد سعيد محفوظ يروى قصة تعارفه على زوجته: رسائل من البلكونة وأغاني محمد فؤاد    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    انقلاب مقطورة محملة بالرخام أعلى الطريق الأوسطى...صور    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    التنسيق يكشف الخطوة التالية ل364946 ترشحوا بالمرحلتين الأولى والثانية 2025    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. دعم أوروبي للخطوات الأمريكية لوقف حرب أوكرانيا.. الأمم المتحدة: مستشفيات غزة تكتظ بالمرضى وسبل النجاة من المجاعة منعدمة.. واستشهاد 13 بينهم 8 من منتظري المساعدات    8 سبتمبر نظر دعوى حظر تداول "جابابنتين" وضمه لجداول المخدرات    الشاي الأخضر.. مشروب مفيد قد يضر هذه الفئات    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا ورحلة العنصرية المتأصلة
نشر في شباب مصر يوم 09 - 09 - 2014

حين يكتب المحلّل السياسي " جيف سميث" في صحيفة نيويورك تايمز الواسعة الانتشار:إن تظاهرات " فيرجستون" كشفت عنصرية أمريكا التي أرادت إخفاءها، تحت عنوان أنها دولة ديمقراطية، فإن لهذا الكلام معاني كبيرة ومغازي كثيرة.
ولعلّ مناسبة الحديث هذا، تعود إلى مقتل الشاب الأسود اللون ذو الأصول الأفريقية المدعو "مارك روبن" على يد شرطي أمريكي أبيض اللون، وقد أدى هذا الحادث إلى اشتعال التظاهرات الغاضبة والمندّدة بالشرطة في مدينة " فيرجستون" بولاية ميزوري، التي استخدمت العنف في التعامل، مع المتظاهرين من خلال قنابل الغاز المسيلة للدموع وإطلاق رصاص واعتقال بعضهم من جانب الشرطة الأمريكية.
الشيء الملفت للنظر أنه على الرغم من وجود رئيس أسود من أصول أفريقية تم انتخابه في العام 2008 وجددت ولايته العام 2012 وهو الرئيس باراك أوباما، الاّ أن الثقافة العنصرية السائدة والتراث العنصري في السياسة الأمريكية إزاء السود لا يزال مستمراً، ويتجلّى ذلك في التمييز بين السود والبيض في العديد من الجوانب المجتمعية والحياتية وفي الممارسات العملية، خصوصاً في ظل التفاوت الاجتماعي والطبقي ومستوى التعليم والبطالة وغير ذلك.
وعلى الرغم من التغيير الديموغرافي الذي عرفته مدينة فيرجستون، حيث كانت أغلبية سكانها من البيض (نحو ثلاثة أرباع) وربعها من السود، إلاّ أن التمييز لا يزال مستمراً بحق السود، الذين أصبحوا أغلبية ساحقة حيث ارتفع عددهم إلى أكثر من ثلثين مقابل نحو ثلث من البيض، ويهيمن البيض على مجلس المدينة، وعلى مجلس المدارس أيضاً، ولعلّ استمرار نهج التهميش والممارسة العنصرية ضد السكان السود من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج الصراع العنصري الذي له تاريخ عتيق في الولايات المتحدة، استمر حتى سنوات الستينات، حين قاد الزعيم الأسود مارتن لوثر كنغ حركة احتجاج مدنية لا عنفية ضد التمييز العنصري والقوانين العنصرية ونهج التهميش واللامساواة، لدرجة أن "مجلة تايم" الأمريكية المعروفة اختارته "رجل العام" وعلى غلاف أحد أعدادها، كما تسلّم جائزة نوبل للسلام، وحصل على جائزة جون كيندي من المجلس الكاثوليكي للتعاون بين الأعراق العام 1964.
وحين كان الزعيم الأسود مارتن لوثر كنغ وهو بالأساس قسٌ، ينظّم " مسيرة للفقراء" في 4 نيسان (ابريل) 1968 في أتلانتا اغتيل بدم بارد، في حين ظلّت شكوى المحرومين والدعوة إلى المساواة والتضامن بين السود والبيض قائمة. وقد وصف البابا بولس السادس جريمة اغتياله: بأنها توازي سيرة آلام السيد المسيح الخلاصية، حيث بدأ نشاطه في العام 1955 في مونتغمري بمقاطعة الباصات للسود، أي عدم التعامل معهم على نحو مذل ومهين، ولكن رد فعلهم اللاعنفي كان أن بدأوا بالسير على الأقدام بكرامة ورفض استخدام الباصات، ثم تعرّض للاعتقال 12 مرّة في ألاباما وجورجيا وتم تفجير منزله مرتين وتلقى عشرات التهديدات إلى أن اغتيل كما ورد ذكره.
وبالطبع ما من أحد يتجاهل اليوم أو ينكر أهمية حركة الحقوق المدنية اللاعنفية التي قادها مارتن لوثر كنغ، من أجل تحقيق المساواة الحقيقية بين مختلف الأعراق، كما ينصّ على ذلك دستور الولايات المتحدة نفسه، ناهيكم عن النجاح الذي حققه على المستوى القانوني والعملي وفي الميادين المختلفة.
إن المعاملة العنصرية للسود في بعض المجالات ليست الشكل الوحيد الذي يتعارض مع اللوائح والمواثيق الدولية بشأن احترام حقوق الإنسان بل هناك جوانب متعددة، وقد كانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت تقريراً شاملاً زاد على 200 صفحة رصدت فيه انتهاكات حقوق الإنسان، وخصوصاً مظاهر التمييز واللامساواة ضد السود مشيرة إلى العديد من المعايير المزدوجة، وذلك في أواخر التسعينيات، لافتة انتباه حكومة الولايات المتحدة إلى هذه الممارسات المنافية للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الولايات المتحدة، وهي تخلّ بالتزاماتها الدولية.
وإذا كان الرئيس أسوداً، فإن الكثير من مستشاريه يمثّلون نمطاً عنصرياً، أخذ يستفحل خلال الكساد الاقتصادي الذي تعرّض له السود بشكل أقسى من غيرهم من المواطنين الأمريكيين إثر الأزمة الاقتصادية والمالية منذ أواخر العام 2006 والتي لا تزال تأثيراتها مستمرة، خصوصاً في قطاعات المصارف والبنوك والرهن العقاري، وانعكس ذلك على قطاعات الصحة والتعليم وبعض الخدمات.
إن نحو 72% من الأطفال السود يولدون خارج مؤسسة الزواج، في حين أن 29% يقابلهم من البيض، وهذا يعني أن عدداً كبيراً من السود يعتمد على نظام الضمان الاجتماعي، يضاف إلى ذلك أن النظام القانوني والقضائي والأمني لم يصمّم لمساعدة السود، بل يؤدي عملياً إلى وضع كثيرين منهم في السجن. وإذا كان الاعتقاد السائد لدى السود أن انتخاب رئيس أسود (منهم) يمكن أن يساعد على حلّ المشكلات التي يعانون منها، فإن مثل هذا الاعتقاد تبدّد بسبب أن مقاربته لقضايا عنصرية كانت نتائجها أكثر سلبية من غيرها.
لقد فجّرت حادثة اغتيال الشاب الأسود "براون" البالغ من العمر 18 عاماً يوم 9 آب(أغسطس) 2014، الكثير من المشكلات العنصرية القديمة، فالشاب لم يكن مسلحاً، وتعرّض لإطلاق النار وذراعاه مرفوعان، الأمر الذي شكّل فضيحة للبوليس الأمريكي. وبدلاً من معاقبة الضابط المسؤول فإن السلطات منحته إجازة إدارية مدفوعة الأجر، الأمر الذي أثار تساؤلات أخرى هو نزاهة الجهاز الإداري، ولم يجد نفعاً تعيين عميد شرطة أسود من أجل احتواء الوضع والتخفيف عن حدة الاحتقانات وتصاعد الاحتجاجات.
لم يمنع وصول رئيس أسود(أوباما) لرئاسة الولايات المتحدة من استمرار حالات التهميش والتمييز العنصرية، على الرغم من أهمية وصول رئيس أسود لأول مرّة في التاريخ السياسي والاجتماعي الراهن للولايات المتحدة، لكن التفاوت الطبقي والاجتماعي بين أحفاد "العبيد القدماء" السود وأحفاد السادة البيض (المسيحيون البروتستانت)، لم يكن يعني أن تقدماً حقيقياً حصل حتى بعد انتخاب رئيس أسود.
الأزمة العنصرية بين البيض والسود الأمريكيين لا تزال قائمة، ولعلّ جزء منها يقوم على أزمة النظام الرأسمالي الأمريكي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، لاسيّما استمرار السود في أسفل السلّم الاجتماعي بشكل عام وتعود المأساة الحقيقية إلى التاريخ الطويل من الاستغلال والتهميش والإقصاء الاجتماعي، خصوصاً وأن الصورة التي ظلّت شائعة هي ارتباط أعمال الإجرام والسرقات والاغتصابات والتشرد بالسود،وهي الصورة التي ظلّت شائعة إلى اليوم، ولا يمنع ذلك من مغنٍ نجم أو لاعب كرة سلّة أو مدير لشركة أو خبير أمني، من السود، لكن شبح التهميش لا يزال يبسط جناحيه على المجتمع الكثير التفاوت.
وقد عاشت الكثير من العائلات السوداء في "غيتوات" في ضواحي المدن الكبرى، ومع مرور الأيام وبسبب الظروف غير المناسبة اجتماعياً ونفسياً واقتصادياً وثقافياً وتعليمياً وتربوياً وحتى قانونياً، فقد أصبحت هذه الأماكن " موطناً" للعصابات الإجرامية وجماعات المافيا والمخدرات، وهي الصورة النمطية التي كرّستها أفلام هوليوود والسينما الأمريكية . ولعلّ هذه الصورة تدفع رجل الشرطة أحياناً أن يتعامل مع كل أسود باعتباره غير منضبط وبنوع من الريبة والشك، ولاسيّما إلصاق كل ما يتعلق بالعنف والارهاب وخرق القانون به أحياناً.
إن الشعور بالظلم وحالة الاحباط، كانت وراء عنف فيرجستون، وهو شعور لا يمكن الفكاك منه دون القضاء على العنصرية فعلياً، حيث أقدم غاضبون إثر حادث الاغتيال على كسر متاجر وإحراق مبان وسيارات شرطة. ولعلّ الأمر له علاقة بماضي الولاية العنصري، وقد رفع المتظاهرون شعاراً "السلام في غياب العدل"، ولم تنفع مخاطبة الرئيس أوباما: بأننا جميعاً جزء من أسرة أمريكية واحدة ، ونحن متّحدون على قيم مشتركة بما يتضمن الإيمان بالمساواة في ظل القانون والاحترام الأساسي للنظام العام وحق الاحتجاجات العامة والسلمية وكرامة رجل وامرأة وطفل بيننا.
إن مقتل براون أعاد للأذهان مقتل الشاب "ترايفون مارتن" (17 عاماً) على يد جورج زمرمان (الأبيض) العام 2012 في ولاية فلوريدا، والشاب مارتن هو الآخر كان أعزلاً مثل براون، ولكن لمجرد أن لونيهما كان أسود، فقد انتهى سوء الظن بالشرطة إلى قتلهما.
إن نسبة البطالة لدى السود هي ضعف البطالة لدى البيض، وإن نحو 24% من السود يعانون من الفقر، مقابل 8% من البيض، أي أن النسبة لدى السود هي ثلاث مرات ما لدى البيض.
وإذا كانت واشنطن منذ حركة الاحتجاج المدنية السلمية اللاعنفية قد عدّلت الكثير من قوانينها وممارستها إزاء السود، إلاّ أن الكثير من المظاهر والممارسات السلبية المعلنة والمستترة لا تزال قائمة حتى وإن اختفت وراء ستار كثيف من الحديث عن المساواة وقيم المجتمع الأمريكي، لكن حالة التهميش والإقصاء لا تزال مستمرة.
ومن الناحية القانونية يمكن تعريف العنصرية: إنها تعني " كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس (النوع الاجتماعي) ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الاجتماعي أو الميدان القضائي أو أي ميدان آخر من الميادين العامة".
والعنصرية تحرم مجموعات بشرية من الحقوق الإنسانية، وتمنح امتيازات أو تؤثر في المعاملة على حساب مجموعات أخرى، سواء كانت العنصرية صريحة أو خفية، وهي ظاهرة شائعة في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية، سواء إزاء السود أو إزاء الأجانب (الزينوفوبيا)، وقد ارتفعت هذه النزعات بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001، حيث استفحلت هذه الظاهرة في العالم على الرغم من الجهود الحثيثة للحدّ منها قانونياً وسياسياً واجتماعياً وقضائياً وتربوياً ودينياً.
وقد سعى المجتمع الدولي وعبر جهود مضنية لإصدار إعلان ضد العنصرية في العام 1963 تضمن أربع نقاط رئيسية، حيث اعتبر أن أي مذهب للتفرقة العنصرية أو التفوق العنصري هو مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً، وأن التمييز العنصري هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية وإخلال بالعلاقات الودية بين الشعوب وبالتعاون بين الأمم وبالسلم والأمن الدوليين، وهو لا يقتصر على إيذاء الذين يستهدفهم، بل يمتد أذاه إلى ممارسيه. كما حدّد الاعلان هدف الأمم المتحدة الذي يتلخص في بناء مجتمع عالمي متحرر من جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول من العام 1965 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (2106 في الدورة العشرين)، وهو عبارة عن اتفاقية دولية دعت فيها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأعضاء في أية منظمة من المنظمات الدولية المتخصصة المرتبطة بها أو أية دولة أخرى، الانضمام إليها لكي تصبح طرفاً فيها بالتوقيع والتصديق عليها. وتضمنت الاتفاقية ديباجة مطولة و25 مادة. وعبّرت الديباجة عن التوجهات الأساسية للجمعية العامة، التي ينبغي أن تكون الأصل في ما يتعلق بمواقف الدول عموماً إزاء مسألة حقوق الإنسان. ومن هذه التوجهات:
- البشر متساوون ويولدون أحراراً ولا ينبغي التمييز بينهم لأي اعتبار.
- التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الجنس يمثل عقبة حقيقية في سبيل تنمية العلاقات الودية والسلمية بين الأمم والشعوب، والإخلال بالوئام بين الأشخاص الذين يعيشون جنباً إلى جنب، حتى في داخل الدولة الواحدة، كل ذلك إلى جانب أن وجود الحواجز العنصرية، يشكل أمرا منافيا للمثل العليا لأي مجتمع إنساني. ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في العام 1969 بعد أن صدقت عليها أو انضمت إليها 27 دولة. وقد انضم إليها حتى الآن أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة. وتعتبر هذه الاتفاقية من أقدم اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأوسعها نظاما من حيث التصديق عليها.
جدير بالذكر أن الأمم المتحدة واصلت دعواتها ومؤتمراتها بخصوص مكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وذلك في السنة الدولية لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري (1971) وخلال عقدين كاملين 1973-1983 و1983-1993 عقدت مؤتمرين دوليين للغرض نفسه في جنيف العام 1978 والعام 1983، وتوّجت عملها ذلك بعقد أكبر مؤتمر دولي لمناهضة العنصرية في "ديربن" بجنوب أفريقيا في 31 أغسطس/آب إلى 8 سبتمبر/أيلول من العام 2001، وذلك بعد تحضيرات لمؤتمرات إقليمية أوروبية وأميركية وأفريقية وآسيوية.
وفي مؤتمر ديربن كان للجنوب دور مهم في وضع جدول أعمال المؤتمر (بخلاف الكثير من المؤتمرات الدولية) وبخاصة لمؤسسات المجتمع المدني التي زاد حضورها على ثلاثة آلاف منظمة. ومن العلامات المميزة التي تجدر الإشارة إليها أن الآسيويين كان أحد شواغلهم مسألة الاتجار بالبشر وبخاصة النساء والأطفال، وانشغل الأفارقة بموضوع الاعتذار والتعويضات، وأخذ موضوع الأصول الأفريقية بالنسبة لأميركا حيّزاً، وكان الهم الأوروبي يتركز على ارتفاع موجات العنصرية وكراهية الأجانب، وانشغل العرب وأصدقاؤهم بالهمّ الفلسطيني، وتمت إدانة الممارسات "الإسرائيلية" بالعنصرية.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة على النطاق العالمي لمكافحة العنصرية، فإنها ما تزال موجودة بكثرة في ربوع العالم، وتعاني منها الكثير من المجتمعات والأفراد، حيث يستمر الظلم والتمييز والاستعلاء، فضلا عن وجود نظام يمارس العنصرية كسياسة للدولة، وهو النظام الذي يرتكز على عقيدة عنصرية أدانتها الأمم المتحدة في قرارها 3379 الصادر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، والذي ألغي في العام 1991 بسبب اختلال موازين القوى الدولية.
ولا يزال فيروس العنصرية مستشريا بأشكاله القديمة والجديدة، وإن لم يتم القضاء عليه فسيظل يلوث حياة البشر وعلاقاتهم الإنسانية سواء على المستوى الدولي، أو الداخلي، في الكثير من البلدان والمجتمعات.
يروي مارتن لوثر كنغ في كتابه " قوة المحبّة" نموذجاً من التمييز العنصري الحادثة التالية:
منذ سنوات معدودة وقعت حادثة اصطدام على إحدى طرقات الجنوب لسيارة نقل كانت تقلّ شباناً هم لاعبون في فريق لكرة السلة تابع لمدرسة ثانوية سوداء، وقد أصيب بنتيجة الحادث ثلاثة شبان بجروح خطيرة. فاستُدعيتْ على الفور سيارة إسعاف لنقل الجرحى، وبوصول السيارة إلى مكان الحادث صرّح السائق الذي كان أبيضاً، وبدون أي عذر، بأنه ليس من عادته أن يخدم الزنوج وقفل راجعاً إلى حيث أتى.
وبالصدفة مرّ من هناك سائق فنقل الجرحى مجّاناً إلى أقرب مستشفى، ولكن الطبيب المناوب قال بلهجة عدائية:" نحن لا نستقبل زنوجاً في هذا المستشفى". وأخيراً بوصول الشبان إلى مستشفى " أسود" في مدينة تبعد مئات الأميال عن مكان الحادث كان أحدهم قد لقي مصرعه، بينما مات الشابان الآخران الواحد تلو الآخر. الشاب الثاني توفي بعد ثلاثين دقيقة والثالث بعد خمسين دقيقة.
كان باستطاعة الشبان الثلاثة أن ينجوا من الموت لو قدّمت لهم الإسعافات الأوليّة بصورة عاجلة. هذه الحادثة ليست سوى واحدة من آلاف الحوادث التي تقع كل يوم في الجنوب، وهي تجسيد فظيع للتبعات البربرية المترتبة على كل أخلاقية ترتكز إلى القبيلة أو الأمة أو العرق.
وافترض مارتن لوثر كنغ وجود رسالة متخيلة يرسلها الرسول بولس إلى مسيحيي أمريكا ليقول لهم ولأمريكا: "بفضل عبقريتك العلمية جعلت العالم متجاوزاً، ولكنك لم تستخدمي عبقريتك الأخلاقية والروحية لتجعليه متآخياً" ويخاطب الأمريكيين بقوله:
"وهكذا أيها الأمريكيون، أرى من واجبي أن أحثّكم وبإلحاح على التخلص من كل أشكال التمييز العنصري. التمييز العنصري هو إنكار فاضح لوحدتنا في المسيح لأنه يلغي العلاقة بين " أنا وأنت" ويجعل الآخر "شيئاً" لا قيمة له. التمييز العنصري يُدمي الروح ويذلّ الإنسان ويفرض على الشخص اللاحق به التمييز إحساساً خاطئاً بالدّونية فيما يدفع الإنسان الذي يمارس التمييز إلى الإحساس الخاطئ بالعظمة والتفوّق. كذلك فالتمييز يدمّر الجماعة ويجعل التآخي مستحيلاً."
وتمضي الرسالة لتقول:
هل بإمكاني توجيه نداء إلى ضحايا نظام التمييز العنصري المشؤوم؟ :
عليكم أن تستمروا بحرارة وجرأة بالمطالبة بحقوقكم التي يعترف بها الله والدستور.إن سكوتكم على الظلم لهو أمر لا أخلاقي وجبان في آن معاً. لا تستطيعون التنازل بملء إرادتكم عن حقكم بالولادة أحراراً، فهذا الحق لن يقدّموه لكم على طبق من فضة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.