القبض على 5 متهمين لقيامهم بمحاولة شراء الأصوات الانتخابية    الرقابة المالية تلغي تراخيص 260 جمعية ومؤسسة أهلية للتمويل متناهي الصغر    «عبدالعاطي» لرئيسة البرلمان الألماني: يجب بدء خطوات إعادة إعمار غزة    كأس العرب| العراق يتقدم على البحرين بثنائية في الشوط الأول «شاهد»    توغل قوات إسرائيلية في عدة قرى بريف القنيطرة الجنوبي بسوريا    الحكومة الإندونيسية تعزز جهود مكافحة الفيضانات في أتشيه تاميانج    مباحثات مباشرة لأول مرة بين إسرائيل ولبنان.. ما الهدف؟    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    موعد مباراة مصر والإمارات في كأس العرب.. والقنوات الناقلة    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا ونستعد بقوة لمواجهة فلسطين    فيدريكو جاتي يغيب عن يوفنتوس بسبب إصابة الركبة    «التموين» تواصل حملاتها الرقابية على الأسواق    مشادة جيرة تنتهى بإطلاق نار فى الإسماعيلية.. والداخلية تضبط المتهم والسلاح المستخدم    الداخلية تضبط شخصا بحوزته بطاقات شخصية بمحيط لجان في قنا    معتزة عبد الصبور: خالد النبوي الابن البار لكل من سبقوه    أحمد المسلماني: شكرا لكل من تفاعل.. وملتزمون بالعمل من أجل إعلام وطنى قوى    افتتاح وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى كفر البطيخ المركزي    إبراهيم قاسم: قرارات الهيئة وتوجيهات رئيس الجمهورية رفعت ثقة الناخبين وقللت المخالفات    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    من الفئات المستحقة لإضافة المواليد على بطاقات التموين؟ .. اعرف التفاصيل    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    المفوضية الأوروبية تتقدم باقتراح بشأن قرض لتمويل تعويضات لكييف    رومانو: برشلونة سيجدد تعاقد جارسيا لمدة 5 مواسم    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    محافظ الجيزة يتفقد أعمال تطوير حديقتي الحيوان والأورمان (صور)    استراحة في كأس العرب - الجزائر (0)-(0) السودان.. نهاية الشوط الأول    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    ضبط سيدتين بحوزتهما كروت دعاية انتخابية بمحيط لجنة في دمنهور قبل توزيعها على الناخبين    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    ضبط 1000 علبة تمرهندي مجهولة المصدر في حملة تموينية ببني سويف    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. انتصار السيسي: وجودكم يضيف قيمًا وإنسانية وجمالًا لا يُقدّر بثمن    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخديوي إسماعيل المفترى عليه
نشر في شباب مصر يوم 27 - 07 - 2014

إذا سألت أي شخص ماذا يعرف عن الخديوي إسماعيل، غالبا ما تكون الإجابة: "حاكم مسرف، دين مصر وتسبب في احتلالها بالإنجليز؟". حقا لقد دينت مصر في عهد الخديوي إسماعيل، وكان هذا الدين هو سبب فقدها لاستقلالها. لكن، ما هو السبب في الدين؟ وهل نعرف إنجازات الخديوي إسماعيل التي تمت في عهده؟ هذا هو موضوع هذا المقال.
لم يكن الخديوي إسماعيل جميل الصورة. لكنه كان شخصية ساحرة. مظهره الخارجي غريب نوعا ما. لقد كان قصيرا يميل للسمنة. حاجبان كثيفان أحمران، وعينان نصف مختبئتان تعمل كل منهما مستقلة عن الأخرى. عندما يحدثك، يقفل إحداهما ويرمقك بالأخرى.
يتحدث عادة بالفرنسية التي يتقنها جيدا. ذكي، متألق، سريع البديهة. يبدع عندما يعطي حديثا، ذاكرته أسطورية. له قدرة فائقة على الإقناع، حتى بالنسبة للمتشككين في نواياه.
حكم إسماعيل مصر 15 عاما، من 1863م إلى 1879م. كانت سمعته تسبقه كحكيم ومدير ناجح من الطراز الأول في إدارة شئون ممتلكاته. عندما أصبح خديوي مصر، نمت طموحاته واتسعت آماله. لكنه، مثل معظم الحكام في عصره، لم يكن على دراية عميقة بالشئون المالية.
في عهده، تم حفر قناة السويس. وتم حفر 112 ترعة بطول 8400 ميل. شبكة الخطوط الحديدية، زادت في عهده من 275 إلى 1185 ميل. خطوط التلغراف زادت بمقدار 500 ميل. أقام 430 كبري وقنطرة على النيل وفروعه.
شيد ميناء الإسكندرية وميناء السويس. بنى 15 فنارة لإرشاد السفن. وأقام 64 مصنعا للسكر. في عهده، تم استصلاح مليون وربع مليون فدان من الصحراء. ما بين عامي 1862م و 1879م، ارتفع تصدير الورود المصرية من 4.5 إلى 13.8 مليون جنيه استرليني. بدأ فى تحسين مياه الشرب وإنارة الشوارع وإمداد الغاز.
قام بإصلاح الجهاز الإداري والقانوني للدولة. الجمارك والبريد حدث لهما تطوير كبير. كما زادت ميزانية التعليم في عهده، وسمح لأول مرة بإنشاء مدارس للبنات وهي الأولى بالنسبة للامبراطورية العثمانية كلها. وأنشأ دار العلوم لتخريج المدرسين، وأعاد تنظيم التعليم العام.
في عام 1863م، كان عدد المدارس الأولية 185 مدرسة، زادت في عهد إسماعيل إلى 4685 مدرسة، عام 1875م. مما جعل مراسل التايمز في الإسكندرية يكتب لجريدته بأن مصر تشاهد تقدما حضاريا رهيبا. فهي قد حققت تقدما عظيما منذ حكم محمد علي، يزيد على التقدم الذي حققته دول أخرى في 500 سنة.
في بداية ولاية الخديوي إسماعيل، قام الخديوي بزيارة باريس. اعجب إعجابا بالغا بالحضارة والعمران الباريسي. من ثم، عاد إلى مصر عاقدا العزم والنية على أن يجعل من القاهرة باريس أخرى على النيل.
طبعا القدر يلعب دورا هاما في حياة الشعوب. في هذه الأثناء، كانت الحرب الأهلية على أشدها في الولايات المتحدة، بسبب قضية تحرير العبيد. بالتالي كانت هناك أزمة في إنتاج القطن العالمي نظرا لغياب القطن الأمريكي.
اتجهت الأنظار إلى القطن المصري وغلا سعره. زادت صادرات القطن المصري إلى السوق العالمية من 16 مليون دولار عام 1862م إلى 56 مليون دولار عام 1864م. القطن كان بالنسبة لمصر في ذلك الوقت، مثل البترول بالنسبة لدول الخليج بعد حرب 1973م.
مما جعل حجم الأرباح التى تتوقعها مصر مبالغاً فيها. فى غضون هذه النشوة، كان حلم إسماعيل باشا هو تغيير مصر وتحويلها إلى بلد أوروبي، وبناء إمبراطورية قوية تمتد جذورها إلى عمق أفريقيا. كان هذا الحكلم يفوق الواقع، وخصوصا مع تربص قوتين عظمتين يراقبان مصر ويقفان لها بالمرصاد، هما إنجلترا وفرنسا.
الفلوس موجودة، والنية معقودة، والأيدي العاملة رخيصة ومتوافرة، والخديوي كان يقول: "هوايتي الطوب والمونة". فماذا ينقصنا الآن؟ الذي ينقصنا هو الخبرة. فلنستورد الخبرة اللازمة. لذلك تطلعت الأنظار إلى خبرة المهندسين الإيطاليين والفرنسيين في تخطيط المدن والمعمار.
اقترض إسماعيل باشا كثيراً، حتى يسرع في عملية البناء، وتحويل مصر من دولة متخلفة إلى مصاف الدول الأوروبية جمالا وروعة في أقصر وقت. على أمل أن الدخل من حصيلة القطن وقناة السويس مستقبلا، كفيلان بسداد تلك الديون.
بدأ حركة البناء على قدم وساق، مما جعل الخديوى إسماعيل عام 1879م، يقول: "إن بلدى لم تعد فى أفريقيا، نحن الآن أصبحنا جزءاً من أوروبا.
لذلك، أسس الخديوي إسماعيل مدرسة الري والمهندسخانة في العباسية، التي أصبحت فيما بعد كلية الهندسة بجامعة القاهرة. وأسس أيضا مدرسة الفنون والحرف ببولاق، التي صارت نواة لكلية الهندسة جامعة عين شمس فيما بعد.
ميدان العتبة وكذلك باقي منطقة وسط البلد، كانت أرضا بلقعا وبركا ومستنقعات حتي نهر النيل. تغمرها مياة الفيضان معظم الوقت. يرجع الفضل في تعمير منطقة وسط البلد للخديوي إسماعيل ووزيرة علي باشا مبارك.
قام الخديوي بتجفيف أكثر من نصف مليون فدان من المستنقعات، وتحويلها إلى أراضي زراعية وسكنية. وأنشأ كورنيش النيل، وعمل مجرى للسيول، حتى لا تتعرض القاهرة للفيضان سنوياً
قام علي باشا مبارك بتعيين الأوروبيين، وخصوصا الإيطاليين منهم، في وزارة الأشغال وفي المشاريع الخاصة بالبناء وتخطيط القاهرة الجديدة، وبناء قصور الخديوي والفيلات الخاصة.
بعض الأسماء التي لمعت هي: فرانسيسكو باتيجيللي، كارلو برامبوليني، برتو أفوسكاني، كارلو فيرجيليو سيفاجني، لوجي جافاس، أوجستو سيساري، وجوزيب جاروزو، الذي قام ببناء متحف الآثار المصري، وقصر عابدين، وفندق شبرد، ومبنى المطافي في ميدان العتبه الخضراء.
معظم المباني التي بناها الإيطاليون كانت على غرار مباني عصر النهضة في إيطاليا. حيث الأعمدة "التوسكان" والدعامات "الأيونية" والشبابيك والأبواب المزينة بالتماثيل.
أما المهندسون الفرنسيون، فكانوا مشهورين بالطراز "الباروكي" الفرنسي، الذي ظهر في بعض مباني القاهرة وحي جاردن سيتي والظاهر. حيث البلكونات الرقيقة، وشغل الحديد و"الفرجيه" في الأبواب والشبابيك ومداخل الرخام والمشايات.
قام "باريليه ديشامبز" المهندس الفرنسي مع "ديلشيفاليريه"، بتصميم حديقة الأزبكية على نمط الحدائق الفرنسية. ونقلت إليها مجموعة أشجار ونباتات نادرة الوجود من كل أنحاء العالم. عملت بها بحيرة صناعية صغيرة بها قوارب للنزهة تعمل بالبدال مثل الدراجات.
أنشئت فوق البحيرة عدة كباري. وبنيت على ضفافها استراحات شرقية لتناول الشاي، ومطاعم لتناول الوجبات الخفيفة واستديو للتصوير الفوتوغرافي، وسرادق على النمط الصيني، ومدرسة للتدريب على رياضة الشيش، ومسرح (مسرح الأزبكية) ومول تجاري.
كان الخديوي يعرض الأراضي الفضاء في منطقة وسط البلد للبيع بثمن بخس بشرط أن تقوم بالبناء في خلال 18 شهر، وأن لا تقل التكلفة عن 30 ألف فرنك للمبنى الواحد.
أمر الخديوي ببناء دار الأوبرا الخديوية في الأزبكية عام 1868م، على نمط دار أوبرا "لاسكالا" في ميلانو. بناها الإيطالي "بيترو أفوسكاني" في خمسة شهور.
لكي تعرض فيها أوبرا عايدة لفيردي، والتي كتبها مدير المتحف المصري جان فرانسوا شامبليون. لكن الأوبرا لم تكن مكتملة عند افتتاح قناة السويس، بسبب تأخر المركب التي شحنت عليها الملابس والديكورات. لذلك عرضت بدلا منها الأوبرا الإيطالية "ريوجوليتو" وهي أيضا لفيردي.
تم أيضا بناء كوبري قصر النيل في عصر الخديوي إسماعيل عام 1871م. وهو أقدم الكباري التي انشئت في القاهرة. يقع بالقرب من ميدان التحرير، ويتميز بتماثيل الأسود الأربعة، القابعة عند مدخلي الكبري. قامت ببنائه شركة فرنسية. وتم إعادة بنائة عام 1932م في عهد الملك فؤاد.
حديقة الحيوان بالجيزة، أمر بانشائها الخديوي إسماعيل. تم افتتاحها عام 1891م في عهد الخديوي توفيق. كانت توجد بها زهور ونباتات وأشجار مستوردة. بها قرابة ستة آلاف حيوان، تمثل 175 نوعا مختلفا. بينها أنواع نادرة من التماسيح والأبقار الوحشية. كانت تقع على مساحة 80 فدان.
كانت توجد بها جداول مائية وكهوف بشلالات وجسور خشبية. وبحيرات للطيور المعروضة. وكان بها أيضا مجموعة نادرة من الطيور والزواحف ومتحف للحيوانات والطيور والفراشات المحنطة.
سرعان ما أصبحت القاهرة مدينة لا تضاهيها مدينة أخرى. لا في الشرق ولا في الغرب، لا يوجد مثلها في أوروبا ولا في أمريكا.
كان على باشا مبارك يشرف بنفسه على تصميم شوارعها وميادينها، وكان مصرا على أن تكون شوارع وميادين القاهرة أفضل من شوارع وميادين مدينة باريس.
أحد قصور الخديو إسماعيل، الذي خصص سابقا للزوار الكبار وملوك ورؤساء الدول الأجنبية، أصبح فندق شبرد فيما بعد. شارع الهرم المزين بالأشجار على الجانبين، كانت به استراحة للخديو تحولت إلى فندق ميناهوس.
القصر المخصص للملوك وكبار الزوار في افتتاح قناة السويس، الذي كان يقع في أرض الجزيرة، المعروفة حاليا بالزمالك، والذي نزلت به الامبراطورة أوجيني من فرنسا، وولي عهد بروسيا، وغيرهم من الزوار. هذا القصر أصبح الآن فندق ماريوت.
في شارع شبرا، كانت أشجار الأكاسيا والجميز على الجانبين. وكان من أهم شوارع القاهرة. لأن علية القوم حذت حذو الخديوي في بناء الفيلات والقصور الفارهة على الجانبين.
بدأت السياحة تزدهر في مصر بشكل كبير. وكانت السائحة تذهب من الإسكندرية إلى أسوان وحدها، لا يرافقها سوى صبي صغير، تتنقل على ظهر دابة في أمان، دون خوف من اللصوص وقطاع الطريق. ذلك بفضل نظام العمد والخفر الذي كان يطبقه إسماعيل باشا بصرامة.
قبل ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حظر إسماعيل باشا العبودية وتجارة الرقيق فى مصر، وكان يقوم بفتح أماكن كثيرة فى أفريقيا لمنع تجارة الرقيق بها.
كان يؤمن بحرية العقيدة الدينية. حث الأغنياء على التبرع للمؤسسات الخيرية، بالنسبة لجميع الأديان والمنظمات الدينية. عين القساوسة الأقباط فى عمليات تعليم وتثقيف أفراد الجيش المصري.
أدخل إسماعيل باشا الديمقراطية إلى مصر فى 26 نوفمبر 1866، ولأول مرة تم تكوين مجالس القرى المحلية، حتى وصل بها الأمر إلى أن يكون لهذه المجالس تأثير هام على الشئون الحكومية، لاسيما فى مجالات ملكية الأراضي والامتيازات الضريبية والإصلاح القضائي.
وفر التعليم للجنود المصريين وأبنائهم. عين خبراء أجانب لتدريب الضباط عل فنون الحرب الحديثة. أسسل جيشا قويا، نجح في ضم دارفور عام 1874 إلى إمبراطورية مصر والسودان، وحاول ضم جنوب أفريقيا.
حث الأرستقراطيين فى مصر على إرسال أبنائهم للتعلم فى أوروبا، وعندما عادوا إلى بلادهم جلبوا معهم الحضارة، وزرعوا البذور التى أثمرت مصر الليبرالية وثورة 1919 وإنهاء الاحتلال البريطاني.
أصر على إلغاء نظام السخرة، في مفاوضاته بشأن الدين المصري، الذي كانت تتبعه شركة قناة السويس في جمع المصريين للعمل في الحفر بدون أجر.
لكن، أين ذهبت هذه الكنوز التاريخية الفنية المعمارية؟ أين ذهب هذا التراث؟ كيف تثنى للفرنسيين الحفاظ على ثروة باريس المعمارية وتحويلها إلى أسطورة، بينما كنوزنا المعمارية بوسط البلد، قمنا بتحويلها إلى عيادات مهملة وورش ودكاكين وبوتيكات قبيحة المنظر.
كيف أضاع الاهمال والغباء وعدم الوعي وربما الخيانة، أعمالا تاريخية حضارية فنية شديدة الخصوصية والرقي والروعة. كانت في يوم من الأيام آيات للفن والتاريخ والثقافة والحضارة.
ما يقرب من ثلاثمائة عمارة ومبنى وسط القاهرة، تترك للقذارة والزبالة والحشرات والقوارض والرطوبة. تحول معظمها إلى ورش وعيادات ومحلات حلاقة وقهاوي بلدي. لا تلقى الحد الأدنى من العناية والصيانة اللازمة. ذاكرة تتآكل لبلد يتحلل وينتحر.
حديقة الحيوان التي كانت تصنف من أجمل حدائق الحيوان في العالم، اقتطع جزء كبير من أرضها لبناء كلية الهندسة بكافة مساحاتها ومبانيها ومعاملها. لكي تتقلص مساحتها من 80 فدان إلى 357 الف متر فقط. مع استمرار التدمير والتشويه للحديقة، تراجع التقدير العالمي لها، وأصبحت من أسوء حدائق الحيوان في العالم. وهذا وسام يجب أن يعلق في رقاب من حكموا مصر في هذه الآونة.
حديقة الأزبكية التي أنشأها المهندسون الفرنسيون، والتي كانت بها 800 شجرة نادرة وكشك للموسيقى الحية، تم اغتصابها واغتيال نضرتها وقتل نباتاتها وردم بركتها وتقليص مساحتها حتي لم يبق منها شئ الآن.
تم تقسيم ميدان الأزبكية إلى أربعة أماكن. تضم حاليا مبنى البنك المركزي الجديد ومحطة بنزين وجراج الجمهورية ومبنيين لوزارة الشئون الاجتماعية والتأمين الصحي.
أما الحديقة نفسها، فقد قسمت وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا، واخترقها شارع 26 يوليو فقسمها نصفان. فلم تعد حديقة وميدان الأزبكية كما كانت، وأصبحت ذكرى من هذا الزمن الجميل الذي لن يعود.
حديقة التحرير، هي الأخرى تم تحويلها إلى مواقف أوتوبيسات. حديقة قصر محمد علي بشبرا، التي كانت تبلغ مساحتها 50 فدان، كانت تعتبر من روائع القاهرة ومن أندر حدائقها. أين هي الآن؟ القصر نفسه كان من أندر القصور في العالم.
لكن دوام الحال من المحال، انتهت الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865م، وبدأت تضخ كميات كبيرة من القطن الأمريكي في السوق العالمية. إنخفض تبعا لذلك دخل مصر من حصيلة بيع القطن المصري إخفاضا كبيرا. وبدأت متاعب الخديوي إسماعيل الإقتصادية.
ظلت الديون تتراكم، إلى أن اضطر الخديوي في صيف عام 1875م، إلى بيع نصيبه من أسهم شركة القناة. وكان إسماعيل يمتلك 176602 سهما من مجموع الأسهم الذي بلغ 400 ألف سهم. حصيلة بيع أسهم الخديوي كانت 4 مليون جنيه إسترليني.
في الواقع، لم تشتر إنجلترا كل أسهم قناة السويس، بل 44% منها. وبالرغم من ذلك، كان تأثير ذلك مريعا على مصر واستقلالها.
لم تكن مصر وحدها التي كانت في ضائقة مالية في ذلك الوقت. كانت الإمبراطورية العثمانية على وشك الإفلاس. وكانت أيضا إسبانيا والعديد من دول أمريكا اللاتينية، وكانت بريطانيا ترفض التدخل لحماية المستثمرين البريطانيين وأصحاب الأسهم والسندات في هذه الدول. لكن مصر كانت مختلفة. لأنها تقع وسط الطريق إلى مستعمرات بريطانيا في الهند.
مع إنهيار سوق الأوراق المالية المصرية، طلب الخديوي النصيحة من بريطانيا. أرسلت بريطانيا بعثة برئاسة "كيف" في ثوب ناصح أمين، ولكن الهدف كان التفاوض على سيطرة بريطانيا على الاقتصاد المصري نظير المساعدة.
كان إسماعيل باشا، لتحقيق مشروعه الحضاري، يقترض أموالا من البنوك والشركات المصرفية الأوروبية بأسعار فائدة مركبة وعالية، الأمر الذى أدى إلى ازدياد التدخل الأوروبى فى الشئون المالية لمصر، بالرغم من قيام مصر بدفع الديون وفوائدها فى مواعيدها. لكن لم تكن الديون هي السبب الرئيسي للاحتلال البريطاني والوصاية البريطانية –الفرنسية على مصر.
بريطانيا وفرنسا كانتا من الدول الاستعمارية مصاصة الدماء، التي تهدف إلى السيطرة على مقدارت الشعوب الضعيفة. لقد كان هدف بريطانيا هو احتلال مصر سواء كانت مديونة أم لا. هذا يذكرنا بقصة أيسوب. "الذئب والحمل، وتعكير صفو ماء الجدول الصافي من المصب، لا المنبع"
إنجازات إسماعيل باشا عاشت طويلا، وقدمت فوائد كبيرة لكل المصريين، وأعتقد أن الخديوى إسماعيل كان يتوقع التدخل والاحتلال الأوروبى، وأنه شر قادم لا مفر منه، فأخذ على عاتقه بناء مصر، وهو لا يزال فى السلطة وعلى حساب أوروبا.
الدول تستدين للبناء والتعمير. والأفراد تستدين لبناء البيوت. والتجار تستدين للتوسع في التجارة. الإستدانة في حد ذاتها ليست عملا شريرا، إذا كان الهدف نبيلا.
أمريكا في فترة العشرينيات، استدانت أموالا طائلة للتشييد والبناء. مما أدي إلى تقدم إقتصادي كبير وطفرة علمية هائلة في صناعة السيارات والسينما والراديو والكيماويات والمواصلات وتحقيق حلم الرجل الأمريكي في وظيفة وبيت مستقل. ثم مرت الولايات المتحدة بفترة الكساد العظيم وعجزت عن تسديد ديونها، ولم يقم أحد بإحتلالها.
لكن ما قد بناه وأنجزة الخديوي إسماعيل في فترة حكمه القصيرة نسبيا، لا ينكره إلا جاحد أو مكابر. ثم يأتي مسلسل سراي عابدين، على نمط مسلسل حريم السلطان التركي. لكي يصور لنا الرجل في أسوأ وأحط صورة. دون وازع أخلاقي أو وطني أو حتى إنساني. ولكي يضع في أذهان المصريين والعرب المشاهدين، صورة كاذبة سيئة لرجل عظيم، باني مصر الحديثة، هو وجده محمد على باشا الكبير.
فهل من حق صناع الدراما، تشويه التاريخ باسم الفن؟ هذا سؤال يترك للسادة القراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.