إثر موافقة دمشق على مبادرة المبعوث الأممي- العربي كوفي أنان لحل الأزمة السورية؛ أكدت أطراف من المعارضة السورية في الداخل دعمها لهذه المبادرة فيما أعرب محللون سياسيون سوريون عن التفاؤل بإمكانية تطبيقها. وفي هذا الإطار أكدت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير دعمها لمهمة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان "من أجل الإنهاء الفوري لكل أعمال العنف من أية جهة كانت"، معتبرة هذه المهمة خطوة ضرورية ولا بد منها للخروج الآمن من الأزمة بما يحفظ وحدة وسيادة سورية أرضاً وشعباً. وقالت الجبهة في بيان لها مساء أمس "إن الحوار الذي يجري عنه الحديث في سياق المهمة، وحتى يحقق الغرض المطلوب منه يجب أن يسبقه إقرار كل الأطراف بنبذ العنف، ومنع التدخل الخارجي بمختلف أشكاله". وطالبت الجبهة من تلك القوى التي ما زالت تراهن على التدخل الخارجي "التراجع عن مواقفها حتى يكون الحوار وطنياً قولاً وفعلاً ومعبراً عن مصالح الشعب السوري في التغيير الوطني الجذري والشامل". في المقابل، اعتبر المحلل السياسي عفيف دلة أن " مبادرة أنان" تأتي في سياق المحاولة الدولية لإيجاد مخرج من المأزق للدول التي كانت متورطة في الحرب على سورية، خاصة بعد فشل مؤامرتها على هذا البلد، وبالتالي كانت هذه الدول بحاجة إلى لغة حوار دبلوماسية جديدة إثر محاولات ودعوات للقطيعة مع النظام السوري الذي تتهمه بالقمع وبأنه فاقد للشرعية"، حسب تعبيره. وإذ أشار دلة إلى أن المجتمع الدولي يسعى اليوم لفتح باب دبلوماسي جديد مع القيادة السورية و"بشروط القيادة السورية" أكد أن دمشق "لم تحد عن الثوابت التي حددتها منذ البداية للأزمة بأن حل الأزمة هو حل سياسي وليس حلا أمنيا أو عسكريا"، معتبرا أن "الفعل العسكري أو الأمني هو رد فعل على بعض الجماعات الإرهابية المسلحة التي حاولت أن تعيث فسادا وإرهابا في الأراضي السورية"، حسب قوله. وردا على سؤال فيما إذا كانت مهمة أنان ستكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ سورية من أتون الحرب الأهلية اعتبر دلة أن الحديث عن إمكانية وقوع حرب أهلية اليوم في سورية أمر غير وارد، فسورية تجاوزت الأزمة، بمعنى أنها تجاوزت مرحلة الخطر، ما يعني أنها تجاوزت ما كان مخططا ومدبرا لأن يحدث فيها ولها". وأكد المحلل السياسي السوري أن فشل مهمة أنان لن يدفع بموسكو لتغيير موقفها من الأزمة السورية وبالتالي تعاطيها مع القيادة السورية لأن روسيا برأيه بنت موقفها من الأزمة السورية على أسس موضوعية انطلاقا من فهمها لطبيعة ما يجري في الشرق الأوسط وفي سورية من أحداث، وقال:" ثمة مشروع كبير تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاؤها أو أزلامها إن صح التعبير في الخليج العربي وبعض الدول الإقليمية كتركيا، الهدف منه تفتيت المنطقة بالكامل وزجها في أتون حرب مذهبية وطائفية تأخذ أشكالا مختلفة، وباعتقادي أن روسيا تعي تماما طبيعة هذا المشروع ونعرف منذ البداية أنها وقفت بحزم دافعا عن مصلحة الشعوب في المنطقة، حتى على مستوى الشعوب في مصر وليبيا". إلا أن دلة شدد على أن "سورية هي من أعطى الوزن والثقل السياسي للدور الروسي الأكبر على اعتبار أن الشعب السوري اليوم هو من صمد وأفشل هذه المؤامرة وبالتالي فإن روسيا تقف اليوم إلى جانب الحق والعدالة وإلى جانب كل محاولات التدخل الخارجي التي يرفضها الشعب السوري في شؤونه"، حسب تأكيد المحلل السياسي عفيف دلة. ويشاطر دلة تفاؤله في إمكانية نجاح مهمة أنان الدكتور سعيد مسلم أستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق الذي رد تفاؤله هذا إلى طبيعة المهمة ورمزية صاحبها من جهة ولإن إقرار القوى الغربية لهذه الشخصية في هذه المهمة جاء إثر اعتراف هذه القوى بأن ثمة أدوارا ونفوذا ووظائف دولية ينبغي تبادلها مع القوى السياسية الدولية الصاعدة من جهة أخرى وقال:" تعيين أنان في هذه المهمة جاء نتيجة إقرار القوى الغربية الكبرى بأدوار ومواقع ونفوذ ينبغي تبادلها مع القوى الأخرى في عالم تعددي، وهو ما فرضته القوى السياسية الصاعدة تحديدا في السنتين الأخيرتين سواء مجموعة "بريكس" أو مجموعة الدول اللاتينية، المنفلتة من اللجام الأميركي والمتمردة على دورها الوظيفي السابق كحديقة خلفية للولايات المتحدة إضافة إلى بعض القوى الإقليمية كإيران وسورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية والدور العراقي الجديد". واعتبر مسلم أن مباركة القوى الغربية والصين وروسيا لمهمة أنان يعني أن "ثمة إرادة دولية لا رجعة عنها في التسوية وأن التسوية في الداخل السوري ستكون ممكنة بحكم هذه الإرادات وبحكم القوى القانونية التي تدعم هذه المبادرة في مجلس الأمن، بمعنى أن عدم الامتثال وعدم الالتزام بهذه المبادرة لن يبق مجرد كلام سياسي بل سيتحول إلى فعل أممي كبير سيلزم الأطراف التي تلكأت أو تقاعست". وشدد مسلم في الوقت نفسه على أن المشكلة السورية" لا تسوى بالإملاءات والقوة بل بالحلول السياسية، وحصرا من خلال عملية سياسية يشارك فيها كل أطياف المجتمع السوري وتلتزم بها الحكومة والمعارضة وجميع الأطراف وفق تصور لا يخدم سورية فقط بل والاستقرار الإقليمي والأمن والسلم الدوليين"..