حكمت فهمى .. الراقصة اللولبية الحسناء وفاتنة السينما المصرية فى عهدها الأول لتغدو شرارة البدء فى هجمة إعصار أدوار الإغراء من بعد أن كان ظهور المرأة مقتصر على بنات الفقراء والأغنياء والريف والمدارس وطاقم التمريض. حكمت فهمى التى لن تجد كتابا يتحدث عن الجاسوسية إلا وستقرأ به فصلا عنها وعن قصة تعاونها مع الألمان ضد الإنجليز فى مصر بعدما تخطت مواهبها البوليسية موهبتها فى الفن والرقص الذى تعلمته على أصوله فى صالات بديعة مصابنى عندما وطأت قداما القاهرة لأول مرة عام 1929 . لم يكن فى تلك السيدة البسيطة التى ولدت عام 1907 بدمياط ما يلفت النظر فقد كانت فتاة عاديةسمراء بشعر إسود وجسد نحيل ومظهر بسيط لايوحى أبدا إنها هى نفسها التى سيتحدث عنها بعد ذلك التاريخ البريطانى والألمانى ومعظم كتب الجاسوسية . إقتحمت حكمت فهمى باب الشهرة عن طريق فرقة الفنان الكبير على الكسار ورغم نجاحها فى التمثيل بعدما قدمت عدة أدوار فى السينما منها العزيمة ورباب وجنهم فى الرمال إلا أن التمثيل لم يكن حلمها وإنما كان الرقص كان هو هدفها الأهم لذا تركت السنما وإنتقلت لفرقة بديعة مصابنى أشهر راقصة فى تاريخ مصر وحققت بها نجاحا كبيرا حتى لقبت بسلطانة الغرام وأصبحت المنافسة الأولى لبديعة وذاع صيتها بعدما قدمت عروضا راقصة فى أوروبا حتى وصل هذا الصيت للملك فاروق وعلى حسب رواية الكاتب الأمريكى وليم ستادين " فاروق ملك مصر .. حياة لاهية وموت مأساوى " كانت حكمت من نوع النساء المفضل لدى فاروق ولم تفوت هى الفرصة عندما علمت بوجوده مره فى أحد الملاهى التى كانت ترقص بها فتقربت من الملك الشاب حتى أستطاعت أن تتواجد بشكل شبه دائم فى القصر الملكى الذى كانت لاحقا من أهم أسباب إنهياره ولم تتوطد علاقة حكمت بفاروق فقط إنما توطدت أيضا بضباط جيش الإحتلال البريطانى وبالرغم من توتر الأجواء فى أوربا وقتها بحرب تلوح فى الأفق إلا أنه كانت هناك فرصة باقيه للترفيه فى الملاهى الليلية التى كانت ترقص بها كلما ذهبت الى أوروبا وتحديدا ألمانيا وفى إحدى الليالى كانت ترقص فى النمسا ويبدو إن تلك الليلة هى التى كانت حكمت فيها على موعد مع الصدفة التى تغير بعدها مجرى حياتها عندما تعرفت على الضابط الألمانى "جون أبلر" والذى قدم نفسه لها تحت إسم "حسين جعفر" دون أن تعلم أنه ولد من أبوين ألمان ثم تبناه المحامى مصرى " صالح جعفر" بعد أن تزوج والدته فأجاد "جون" العربية وكان هدفه من التعارف هو إيقاع حكمت فى غرامه بهدف تجنيدها ولم يأخذ تحقيق الهدف وقتا طويلا فسرعان ما وقعت الراقصة فى هوى جعفر حتى إندلعت الحرب العالمية الثانية وإختفى جعفر لسنوات ليظهر فى حياتها مرة أخرى بعد نجاحه فى الهروب الى مصر وكانت حكمت تضمر كراهية شديدة للإنجليز بعدما قاموا بضربها بشدة عندما تواجدت بالصدفة فى إحدى المظاهرات التى كان يقوم بها المصريين ضدهم مما شجع الحبيب الألمانى أن يعترف لها بشخصيته الحقيقية والمهمة التى آتى الى مصر من أجلها وكلفه بها روميل بنفسه فأبدت حكمت حماسها للتعاون مع جعفر حتى إنها جعلت من إحدى عواماتها مقرا لإرسال المعلومات لرؤسائه وفى أحد الأيام تعطل جهاز الاسلكى الخاص بجعفر فما كانت أمامه إلا الإستعانة بحكمت لمساعدته والتى إستعانت بصديقها المقرب الضابط محمد أنور السادات وزميله حسن عزت وكان السادات هو أيضا يكره الإنجليز بشده فدعم حكمت بمعلومات فى غاية الأهمية عن الجيش الألمانى وتركيز الإنجليز للدفاع عن منطقة العلمين وهى المعلومات التى لم تكن لدى روميل مما جعل ألمانيا على وشك الإنتصار. ولأن دائما السقوط يأتى على يد إمرأة كان جعفر بإستطاعته أن يغير مجرى التاريخ فى تلك المرحلة لولا علاقته براقصة فرنسية يهودية تدعى "إيفت" والتى كانت تعمل أيضا جاسوسة لصالح الوكالة اليهودية بمصر وبينما كانت تقضى ليلتها مع جعفر بعوامة حكمت سمعته وهو يتحدث مع زميله عن أهمية جهاز الإرسال الموجود لديه وأهمية المعلومات التى يحصل عليها من حكمت فأبلغت قادتها ليبلغوا بدورهم المخابرات البريطانية لتقع شبكة تجسس حكمت فهمى وحسين جعفر بالكامل ولم يفلت منها سوى أنور السادات أما حكمت وأفراد شبكتها فقد قابلهم تشيرشل رئيس وزراء بريطانيا وقتها بنفسه وساوهم بين الإعدام أو الإفصاح عن سر شفرتهم ومعلوماتهم فإختاروا الإفصاح والذى من خلاله إستطاعت بريطانيا أن تهزم ألمانيا فى الحرب وقضت حكمت عامين فى السجن حتى خرجت منه برشوة قدرها مائتين جنيه وقضت الباقى من حياتها تتخبط بين طرقات الملاهى الليلية وإدمان الخمر حتى عادت الى السينما مرة أخرى وقدمت فيلم "المتشردة " أمام حسين صدقى إلا أنه فشل أيضا وإنتهت قصة الإسطورة التى فتنت قادة العالم منهم هتلر وتشيرشل وروزفلت بالخدمة داخل كنيسة شبرا تشعل الشموع وتتوسل الى الله أن يغفر لها ما مضى من حياتها ولم يكن أحد يعلم حقيقتها سوى أحمد عبد العزيز الصحفى الشاب الذى تركت له مجموعة من صورها لينشرها مع مذكراتهاالتى كانت بدأت فى كتابتها فعلا إلا أن وفاتها عام 1974 حالت دون إكتمالها ولم يتبقى منها سوى مجموعة صور إحتفظ بها الصحفى الشاب لتكون هى اخر ما تبقى من الراقصة الأغلى والأعلى أجرا فى العالم وأشهر من عمل بالجاسوسية .