الحقد، الغيرة، الحسد، الفتنة، الطمع.. إرث من الكراهية أشعل الحرب بين قوى الخير والشر قطبي الحياة على هذه الأرض، تلك الحرب التي سُفِك بسببها بحور من الدم، فمنذ أن سال دم هابيل وقد تعطشت الأرض للدماء، وزُرِعَ موروث الانتقام في نفوس فرع من البشر بقوة مغناطيسية.. في قوانين الفيزياء تنجذب الأقطاب الأكثر تطرفا وتتنافر المتشابهات وكأن الكون تم تمهيده منذ البدايات لمعترك محسوم!! لا من مفر، المواجهة سوف تأتي لا محالة، بل في كثير من الأحيان نُدفع إليها، الشر البشري يندفع بقوة جيوش من الشياطين بسبب حرب أعلنت قبل رحلة الهبوط.. من هنا يمكنك التوصل إلى كلمة السر التي تجد من خلالها الأرواح الطيبة سبيلها إلى رحلة الصعود الأخيرة، ومن هنا تعلمت وجوب أن تتطهر من شوائب الشر التي لحقت بها لكونها لم تكن معصومة، مثلما تجد الأرواح الشريرة عقابها في الأرض تمهيدا لعقاب أكبر في السماء.. سيناريو لا يعرف نهاية سعيدة طوال الوقت أو مرعبة لكافة الأدوار، سيناريو نلعب فيه دور المجاميع بعدما رحل عن عالمنا معظم الأبطال وفي انتظار بعث القلائل لوضع مشاهد النهاية التي لا يمكن اختزالها في مشهد واحد، سيناريو لا يعرف النهايات التقليدية.. هل فكرت يوماً كيف ستكون رحلتك إلى العالم الآخر؟ هل تصورت ما هو شكل برزخك الذي سيكون على شاكلة أعمالك؟! بالطبع التخيل لما لم يكن لديك معطياته يوما ما لن يكون ممكنا، وإن اعتمدت على مجرد أعمالك كمعطيات فالصورة ستكون مرعبة، لذلك لا عليك إلا العمل من الآن على تطهير روحك التي إن حان موعد رحلتها ولم تكن جاهزة فليس أمامك إلا تمني حقها في فرصة أخرى أو أخيرة! -هل تؤمن بتناسخ الأرواح؟! كان سؤال ليندا، باحثة علوم النفس بجامعة بنسلفانيا، وقعه غريب على مسامع زميلها الدكتور آدم بلغار، فهو يميل دائما للعلوم المادية الملموسة ولا يميل للاعتقاد بالغيبيات حتى وإن عجز عقله عن ايجاد التفاسير العلمية والمعملية لكل ما يراه من تصرفات بعض المرضى النفسيين، بعكس ليندا التي ترى أن النفس الغير ملموسة بحد ذاتها لا يمكن ترجمة تصرفاتها الغريبة ماديا طوال الوقت، وأن فنون تحليل تصرفات البشر لابد أن تعتمد على رصد روايات المرضى ووضعها عين الاعتبار، وتحليل كل ما فيها وإن كانت تبدو هلاوس من صنع خيالهم المريض.. فهي تعتقد ان ما يبدو هلوسة بالنسبة لنا يرجع لعدم قدرتنا كبشر على رؤيته، وأن المرضى قد يروا اشياء لا نستطيع رؤيتها فاختلت عقولهم واضطربت نفوسهم.. أجابها آدم بعد أن أخفى علامات الارتباك في حكة من باطن سبابته على جبينه سمحت لبقية أصابع كفه الأيسر أن توجد مبررا لعدم اتصال الأعين متسائلا: وكيف يمكن للروح أن تتناسخ؟ -أعلم أنك لا تؤمن بكل ما يخرج عما دونته كتب علوم النفس التي بنيت على أبحاث ونظريات علمية.. ولكن ألا يثير فضولك أن تكتشف المزيد؟ لماذا لا تدخلين إلى الموضوع مباشرة؟ -الدكتور ماربل. وما علاقة الدكتور ماربل بتناسخ الأرواح؟
-لقد خصص محاضرته الأخيرة كاملة عن هذا الموضوع. آدم يعتبر الدكتور ماربل أستاذه ومصدر إلهامه، فهو من استقبله حينما أتى للجامعة لأول مرة بعدما حصل على منحة دراسية كان ينتظرها لسنوات، وهو من يسر له كل السبل حتى يتمكن من إنجاز أبحاثه في وقت قياسي، بخلاف افكاره التي دائما ما تثير إعجاب آدم لقدرته في تحليل تصرفات البشر وإيجاد الدوافع العلمية لتصرفاتهم غريبة الأطوار.. وكان آدم بالنسبة للدكتور ماربل التلميذ المدلل لأنه كان يذكره بنفسه حينما أتى للجامعة عن طريق المنحة نفسها بخلاف نبوغ آدم واجتهاده وحبه للعلم وإصراره على التميز.. ولكن خبر ليندا نزل على آدم كالصاعقة، فلم يتعود من استاذه التحدث حول الخرافات، لم يصدق أن يقوم معلمه بتخصيص محاضرة لطلاب في بداية حياتهم الأكاديمية ليبث لهم من خلالها أفكارا لا يوجد لها إثبات أو سند، كلام لم يذكر إلا في روايات تحمل أساطير الهندوسية والسيخية وبعض الديانات التي اندثرت بمرور الزمن.. لم يشعر آدم بنفسه إلا وهو يدفع بباب مكتب الدكتور ماربل بانفعال شديد ليرتد مرة أخرى بعد دخوله كرد فعل لدفعة قوية من يده.. -لم أتخيل أبدا أن يكون أستاذي بالأمس هو من يروج لخرافات المجانين! وهل تعلم عني ذلك؟ -ألم تخصص محاضرتك الأخيرة للتحدث عن خرافات تناسخ الأرواح؟ هذا صحيح.. لكن ليس كل تلك الروايات يمكن تصنيفها كخرافات وأصحابها ليسوا مجانين.. أعلم جيداً أنك لن تقتنع بما لا تراه بعينك وتدركه بعقلك، ولذلك سوف أصاحبك إلى رحلة قصيرة ستغير مسار تفكيرك. -وهل ستأخذني إلى أستوديوهات هوليوود؟ أم إلى دجالين الهند؟ لا يا آدم، رحلتنا سوف تكون إلى مكان لم يتسنى لك دخوله من قبل، مكان كثيرا ما تساءلت عن أسباب كونه محظورا دون إجابة مقنعة بالنسبة لك، سوف نذهب إلى عنبر 11.1.18.1 -ماذا قلت؟ نعم، سنذهب وهناك سوف تكتشف أن العلوم والنظريات وحدها لا تكفي لنكتشف العالم الذي نعيش فيه.. أو بالأحرى ستتيقن بأن مازال هناك المزيد مما يتوجب علينا اكتشافه.