بقلم : نوميديا جرّوفي، شاعرة و كاتبة و مترجمة من الجزائر "متاهة قابيل" هي امتداد لرواية "متاهة آدم" و "متاهة حواء"، وامتداد لتلك الحياة الجماعية و العالم حقيقي، المليئة بكوابيس السياسة بأفعالها الشنعاء مليئة بالمفاجآت،الكوابيس،الخوف،القتل،الخطف،العاطفة،الأرواح،الأشباح،الإعترافات،الشهوة،الجنس، الأفكار الفلسفية والوجودية.ذات بعد و مغزى من حيث محيطها و مجتمعها و سياستها و الخير و الشر الموجود فيها، و الحقد. وكما في متاهاته السابقة فأن الروائي يؤسس لزمنين أو أكثر تتوازى في تدفقهما..فمرة نحن في عراق التسعينات كما في الروايتين السابقتين و ما عاشه شعبه من فزع و رعب دون توقف، و انفجارات متتالية في اليوم الواحد و إيجاد جثث مذبوحة و مرمية لشخصيات معروفة و أخرى مجهولة..ومرة نحن في العراق المعاصر بعد سقوط نظام صدام حسين..حيث أندلعت الحرب الطائفية المرعبة التي سعت إلى تفكيك بنية المجتمع العراقي.. ومرة نحن في الزمن الإبداعي والفكري في العالم اللامرئي الموازي للعالم المرئي. وهنا في هذه الرواية نتعرف على حواءات جديدات..هنا حواء الشرق و إيفا الغرب- و إيفا معناها حواء-..وهنا نتعرف على عوالم الموسيقار جايكوفسكي، و نقابل شبح دوستويفسكي و نواجه الأمير ميشكين وناستاسيا فيلوبوفنا من روايته الشهيرة " الأبله ".. في هذه الرواية المتاهة يتوه القارئ فيها فعلاً..حيث يلتقي الأشباح و يندهش ثم يقلق مع "آدم التائه" البطل الروائي على مدى ثلاث روايات، ويقابل شبح حواء المظلوم من "متاهة حواء"..ويتعرف على إيفا جايكوفسكايا وصديقتها إيفا اسكندروفنا..مثلما يلتقي شبح الراهبتين مع شبح حواء المؤمن وهنّ يساعدن حواء الزاهد و هي تلد ابنها هابيل..وهن شخصيات "متاهة حواء". لكن هنا في "متاهة قابيل"ثمة نقاشات جديدة حول المقدس والتاريخ الأسطوري للبشرية تدور بين "إيفا ليسنج" التي يتعرف عليها بطل الرواية الإفتراضية آدم التائه في القطار المتجه إلى ميونخ..حيث يتم التأكيد بأن البشر ليسوا أبناء آدم وإنما هم أبناء قابيل..فآدم لا سيرة له ولا أب ولا أم..قبضة من الطين شكلها الرب..ومنه أخرج حواء..أي أنهما ليسا بشرا بالمفهوم البيولوجي..وإنما قابيل هو الإنسان الأول..فهو ابن آدم ومن نطفته التي قذفها في رحم حواء..فهو من أب وأم وتشكل في رحم.. ومن هنا فهو الإنسان الأول..لكنه قاتل..ونحن سلالته..البشر ينحدرون من سلالة القاتل قابيل. شخصيات الرواية: حواء الزاهد:هي شخصية من الحياة شخصيات الحياة الواقعية التي تعيش في زمننا هذا..وهي من شخصيات رواية " متاهة حواء"..تحمل من حبيبها "آدم المحروم".. وتقرر عدم الإجهاض ومواجهة المجتمع..فهو ثمرة حبها الوحيد الذي دام لأيام فقط عاشت فيها أجمل أيام حياتها كلها، و تعتبر نفسها أرملة "آدم المحروم"الذي ذبح في فجر بغدادي رهيب و ليس ثمرة زواجها الأول من الشهيد الذي مات تحت وطأة التعذيب في سجن "بوكا"…وتقرر حواء الزاهد في بداية هذه الرواية بعد أن ولدت طفلها الذي سمتّه " هابيل" أن تبيع بيت والدها و تأخذ محفظة النقود مما خلفه والدها "آدم الزاهد" الذي ذبح هو الآخر في طريقه إلى سجن بوكا مع ما ورثته من زوجها الأول. و تبتعد هي و ابنها "آدم الملاك" من زوجها الحقيقي و طفلها الثاني "هابيل"إلى مكان لا تعرف فيه أحد و لا يعرفها أحد لتعيش بسلام.. وهناك تسجل ابنها في مدرسة ابتدائية قريبة وتتعرف على مديرها "قابيل الفهد" الذي تعلق بها بينما هي استلطفته. لكن ابتعادها وإخفاء هويتها لم يبعدها عن كوابيس التهديد اللامتناهي من طرف أخي زوجها، حتى تضطر للاختباء في البيت و توقيف ابنها "آدم الملاك" من الذهاب إلى المدرسة منذ التقت المحاسب "آدم الأسير" في المدرسة و هو أحد قتلة حبيبها "آدم المحروم" مع ثلاثة آخرين..حيث تتلقى المكالمة الهاتفية الأولى برسالة تهديد لها بأنها عاهرة ولها ابن نغل..بيد أن المدير "قابيل الفهد" ساعدها بالحصول على رقم هاتفي جديد. وعلى الرغم من خوفها و قلقها دون توقف كانت تسرق ذلك الوقت لقراءة مخطوطة الكاتب الذي تم اغتياله في رواية "متاهة آدم" وأقصد هنا "آدم البغدادي"..تلك المخطوطة التي أخذها حبيبها "آدم المحروم" من شقة صديقه الكاتب الذي تم اغتياله بطريقة غامضة..مع المخطوطات الأخرى للكاتب آدم البغدادي..حيث نعرف تفاصيل ذلك من الرواية السابقة "متاهة حواء". إلا أن القتلة..وبالتحديد " الحاج هابيل" أخو زوجها شك بوجود علاقة بين مدير المدرسة" قابيل الفهد" وأرمله أخيه ..فيقوم مع زمرته الأربعة باختطاف المدير وقتله. و يوم تقرر السفر هاربة مع ابنيها بعد التأكد من موت المدير قابيل الفهد تخترق رصاصة صدرها و أخرى جبينها ليموت بين أحضانها ابنها "آدم الملاك" و قد اخترقت وجهه الجميل رصاصة..بينما يتم انقاذ رضيعها "هابيل" الذي كان في حضن صديقتها " حواء الكرخي". إيفا ليسنج:من شخصيات الحياة الإفتراضية..ممثلة مسرحية وسينمائية إنكليزية التقاها آدم التائه في القطار المتجه إلى ميونخ..وتشكل إيفا ليسنج القرين المحاور للكاتب "آدم التائه" حيث يبدأ بينهما حوار أدبي عميق عن شكسبير وستندال في القطار..وتتعمق العلاقة بينهما لنوع من التعلق المشبوب بعاطفة الفكر والجسد..إلى أن تغادر ميونخ راجعة بشكل مفاجئ إلى لندن لأن صديقتها العربية "حواء صحراوي"قد أقدمت على الانتحار..ثم تلجأ إليه طالبة مساعدته عندما رفع زوجها قضية للحصول على حضانة طفلها..متهماً إياها بالشذوذ من خلال علاقتها بصديقتها العربية "حواء صحراوي". و تبقى الشائعة لغز..هل هي حقيقية أم لا..؟ خاصة و أن صديقتها قد اعترفت لآدم التائه أنها تنظر إليها بشهوة أحيانا و تتأمل جسدها بنظرة خاصة..ليبقى السؤال شبه مطروح. حواء المظلوم:وهي من شخصيات الحياة الإفتراضية ..تعرفنا على هذه الشخصية في الرواية السابقة " متاهة حواء"..حيث كانت تساعد العمياء "حواء المؤمن" وشهدت موتها الملغز..وهي هنا روح شاردة..وقد زارت آدم التائه في غرفته و حملت له الفاكهة..لكنها شخصية غامضة إذ نفت وجود ضيوف لديها (دستويفسكي والأمير مشكين وناستاسيا فيلوبوفنا) ..عندما سألها آدم التائه عنهم..لكنها تقص عليه في ما بعد سر وحودهم في غرفتها..ثم روت له كيف أنها ماتت على يد زوجها الغيور، حيث كشفت ما تحت شالها الذي تشد عنقها فيه دائما. حواء صحراوي:هي من الشخصيات الحياة الإفتراضية الجديدة في سلسة المتاهات..وهي عربية ..خليجية..ولدت في لندن..وتزوجت خليجي من بلدها ولد هو الآخر في أميركا..لكن تأثير العلاقات العشائرية تبعهما إلى لندن حيث تزوجت وفق قرارات تمت في بلدها الخليجي، إلا أن هذا الزواج ينتهي بكارثة وبمحاولة أنتحار فاشلة من قبلها…. و حواء صحراوي مثقفة..حاصلة على شهادة الدكتوراه في الآداب والمسرح الشكسبيري..كما أنها صديقة الممثلة "إيفا ليسنج"..وحين يصل "آدم التائه" لمساعدة الممثلة "إيفا ليسنج" تبدأ بينه وبين "حواء صحراوي" علاقة عاطفية غامضة..حيث كانت تكلمه يوميا لساعات عبر الهاتف بمواضيع شتى حتى الحميمية دون علم صديقتها الممثلة..لكن هذه العلاقة تكون سبباً في موت "آدم التائه" على يد طليقها. حواء الكرخي:شخصية من شخصيات الحياة االواقعية..شاعرة وأديبة ومناضلة..عاشت حياة عاصفة ومرت بمعاناة أوصلتها إلى حدود اللامبالاة..وهي صديقة الصحافي " آدم الشبيبي" صديق مدير المدرسة المقتول "قابيل الفهد". وبطلب من "قابيل الفهد" قبل اختطافه تبدأ هي بمساعد "حواء الزاهد"حيث تزورها في بيتها خوفا عليها من التهديدات التي كانت تتلقاها عبر الهاتف و تأتي لها بما تحتاجه خاصة و أنها باتت تخشى الخروج من البيت..وتسعى لإقناع صديقتها" حواء الزاهد" بمغادرة العراق..لكن عملية الاغتيال أعاقت هذه الرحلة..، حيث تُقتل "حواء الزاهد" مع ابنها..بينما كان الطفل الرضيع "هابيل" في حجرها فتأخذه معها مغادرة العراق إلى سوريا.. إيفا جايكوفسكايا: من شخصيات الحياة الإفتراضية..شخصية غريبة وغامضة..عازفة كمان.. تنحدر من عائلة الموسيقار الشهير بيوتر جايكوفسكي..التقاها "آدم التائه" و هي تعزف في محطة قطار ميونخ حيث كانت تعزف أمام المسافرين لتحظى ببعض التبرعات التي تساعدها على العيش..تدلى باعترافات جنسية غريبة..ولديها رؤية خاصة في هذا المجال..وبرغم حسية اعترافاتها إلا أنها تروي جانبا رومانسيا من حياة جدها البعيد الموسيقار جايكوفسكي و صديقته السيدة ناديجدا فون ميك و تبادلهما 1204 رسالة خلال فترة دامت 14 عاما، بينما لم يلتقيا سوى مرة واحدة و بشكل خاطف، و أنها اشترطت عليه ألا يذكر اسمها في أي محفل عامّ، و ألا يهديها أيّا من مؤلفاته الموسيقي، كما خصصت له راتبا شهريا..لم تكن العلاقة حبا اعتياديا، بل كانت صداقة عميقة..الحبّ فيه شيء من التملك بينما الصداقة عطاء و حب، لقد اعتزلا الناس.ليس خوفا منهم، و إنما خوفا من الخيبة فيهم…(حسب إيفا جايكوفسكايا) إيفا إسكندروفنا : شخصية من الحياة الإفتراضية أيضاً..صديقة إيفا جايكوفسكايا في الثانوية بموسكو،التي تتعرف على آدم التائه و هو يعزيهم في موت زوجها الذي مات ميتة مأساوية و هي حامل، مات طعنا بالسكين من طرف مجموعة من الشباب الألمان الأشقياء ممن ينتمون إلى تنظيمات اليمن المتطرف.. وعلى أثر هذه الكارثة العائلية تصاب الأم بجلطة دماغية لتنقل إلى المستشفى و يموت الأب بذبحة قلبية..ليبقى آدم التائه يواسيها..لكن حينما يقرر السفر إلى لندن يعود إليهما هي وصديقتها إيفا جايكوفسكيا ليخبرهما بسفره إلى لندن يكتشف أنهما غير موجودتين أصلا ليختلط عليه الأمر، خاصة و أنه أمضى معهما الكثير من الوقت. حواء ذو النورين:شخصية من الحياة الواقعية..ومن شخصيات الرواية المحورية..وهي أم الفتى آدم ذو النورين و زوجة القاضي المقتول الذي حكم على قتلة المغدور " آدم المحروم" حبيب "حواء الزاهد"..حيث يختطف ابنها "آدم ذوالنورين"..لتجبر على دفع فدية نقدية كبيرة ..لكنها تغتصب من قبل أحد الخاطفين " آدم الملا"، الذي جاء مع صديقه " آدم الأسير" لاستلام الفدية وكذلك يتم تصوير ذلك المشهد لضمان صمتها..لكنها تحاول استرجاع الشريط مقابل وعود بمنح جسدها..حيث كانت تخشى أن يقع الشريط في يد ابنها الذي تم اطلاق سراحه..لكنها وهي في حالة تخبطها تلك تقع فريسة بين مخالب الإرهابي" قابيل العباسي" صديق ابنها الذي يترأس مجموعة قتلة..والذي يغتصبها هو الآخر بسبب الشريط ليتزوجها إكراها ودون موافقتها شرط أن يعيده لها، لكنه استنسخه هو الآخر كما فعل المغتصب الأول "آدم الملا". وبرغم كل محاولتها لتجنب وقوع الشريط بيد ابنها إلا الكارثة تحل عليها..فينتحر ابنها عند مشاهدته شريط اغتصاب أمه.. فتقرر الهرب من البلاد..بعد أن فقدت ابنها الذي فعلت لأجله كل شيء. آدم التائه:شخصية افتراضية وبطل المتاهات المتوالية: متاهة آدم، متاهة حواء، متاهة قابيل..وهو زوج "حواء المؤمن"..وفي في طريقه إلى ميونخ يلتقي الممثلة إيفا ليسنج في القطار..لتنتهي رحلته مقتولا في لندن على يد طليق حواء صحراوي.. قابيل الفهد: شخصية من الحياة الواقعية..مدير مدرسة الصبي "آدم الملاك"..ويتم اختطافه من قبل "الحاج هابيل" أخي زوج حواء الزاهد بعد أن شك في وجود علاقة بينه و بين زوجة أخيه حسب المحاسب "آدم الأسير"،ليقتل في إحدى بيوت الاختطاف ويقتل بطريقة بشعة بتهمة مبنية على الظنون بوجود علاقة بينه وبين الأرملة "حواء الزاهد"..ثم لترمى جثته في ترعة للماء الآسن.. آدم الشبيبي: شخصية من الحياة الواقعية..صديق قابيل الفهد و حواء الكرخي ، محب الأدب و الأدباء و الجبان كما وصفته حواء الكرخي. آدم الأسير:شخصية من الحياة الواقعية..محاسب مدرسة قابيل الفهد و أحد قتلة آدم المحروم و قاتل قابيل الفهد بالرصاص و هو مربوط بالكرسي. فعل فعلته تلك للحصول على منصب المدير الذي لم يفرح به و لو ليوم واحد رغم حصوله عليه..حيث يُقتل قبل جلوسه على كرسي الإدارة.. آدم الملا: شخصية من الحياة الواقعية..خاطف آدم ذو النورين و مغتصب حواء ذو النورين ليموت في النهاية بين يدي آدم ذو النورين بالرصاص وقد قطع قضيبه الذي اغتصب به أمه ووضعه له في فمه. قابيل العباسي: شخصية من الحياة الواقعية..ضابط مخابرات سابق.. صديق آدم ذو النورين الذي يترأس مجموعة قتلة و حوّل آدم ذو النورين لقاتل كما اغتصب أمه "حواء ذو النورين" ويتزوجها غصباً. آدم ذو النورين: الفتى المدلل ابن القاضي المقتول و حواء ذو النورين، حيث تبيع أمه كل شيء لإنقاذه من براثن الموت و تقبل الإغتصاب من أجل انقاذ حياته..لكنه حين يخرج يتحول إلى قاتل من أجل أن ينتقم..وفعلا..يقتل مغتصب أمه، لكنه هو أيضا يتعرض للإغتصاب من قبل أحد التابعين لقابيل العباسي لينتحر في النهاية بعد أن شاهد شريط اغتصاب أمه في منزل صديقه قابيل العباسي. متاهة قابيل و مأساتها: "متاهة قابيل " هي الكتاب الثالث من المتاهات امتدادا للمتاهة الأولى "متاهة آدم"و "متاهة حواء"،وهي رواية مليئة بالمآسي و الموت منها: موت آدم التائه الذي لم نتوقع أن الكاتب سيقتله على يد طليق حواء صحراوي قابيل الموسى بعد أن شك في وجود علاقة بينهما كما قتل سابقا حبيبها العراقي هابيل الياسري. موت حواء الزاهد على يد رجال مسخّرين من قبل الحاج هابيل أخ زوجها الأول للقضاء على ابنها هابيل، لكن شاءت الصدفة أن اخترقت رصاصة صدرها و أخرى جبينها و ابنها آدم الملاك في أحضانها و قد اخترقت رصاصة وجهه الجميل، مات و هو في حضن أمه في سيارة التاكسي يوم قرروا السفر بعيدا عن الموت و كوابيس التهديد من قبل الحاج هابيل. ماتت و كأنها تمثال العذراء المنتحبة لميكائيل أنجلو بوجهها الملائكي و هي تحتضن ابنها. لتظهر الأشباح الثلاثة ( الراهبتين و حواء المؤمن) كما رأتهم حواء الكرخي و لاذت بالفرار حينها و هي تحمل الرضيع هابيل بعيدا عن ضوضاء الموت و تسافر به بعيدا بمساعدة أخيها. موت المدير قابيل الفهد على يد آدم الأسير المحاسب في المدرسة و أحد قتلة آدم المحروم، و هو من جماعة الحاج هابيل بعد أن عذبوه ليعترف بعلاقته بحواء الزاهد.مات بطلقات عدة تناثرت على الصدر و الكتفين و البطن و هو مربوط بكرسي بعد أن اختطف من أمام المدرسة. موت آدم الأسير على يد احد جماعة الحاج هابيل بعد استلامه منصب مدير المدرسة مباشرة بمساعدة عشيقته المتدينة حواء آل حجر، بعد أن اكتشف الحاج هابيل بأن وشايته ضد المدير كانت كاذبة و لو بعد فوات الأوان و أن قابيل الفهد كان بريئا من علاقته بحواء الزاهد، و أن الوشاية أصلا كانت لأجل منصب المدير لا غير..لكنه لم يفرح بالمنصب و لا ليوم واحد.. إنتحار آدم ذو النورين بعد أن شاهد الشريط الذي صوّر عن اغتصاب أمه من طرف آدم الملا و اكتشاف علاقته بصاحب المحل الذي كانت قد عرفته عليه سابقا دون أن يعلم أنه عشيقها إلا بعد اختطافه و سماع حديث المختطفين عن أمه. و قبل انتحاره قتل كل المختطفين حيث مقر قابيل العباسي الذي حوّله لقاتل و اغتصب هو الآخر من قبل شخص.فأنهى حياته التي لم تعد تساوي شيئا. نهاية المتاهة هروب حواء ذو النورين بعد أن اكتشفت انتحار ابنها صدفة من هاتف قابيل العباسي. هروب حواء الكرخي بالرضيع هابيل بعد الموت الرهيب لحواء الزاهد و ابنها آدم الملاك في التاكسي حيث كانت معهم بمساعدة أخيها للسفر بعيدا عن الحرب و الموت. لقاء كلتاهما(حواء ذو النورين و حواء الكرخي) في الحافلة و جلوسهما قرب بعضهما لتكون بداية متاهة أخرى. إبداع برهان شاوي: "متاهة قابيل" ليست رواية فحسب بل امتداد لروايتين سابقتين " متاهة آدم" و "متاهة حواء" و الروايات الثلاث متسلسلة . رواية عن كاتب هو آدم البغدادي المغدور يكتب رواية عن آدم التائه هو كاتب أيضا يكتب رواية هي رواية تتداخل فيها الروايات..رواية عن كاتب يكتب رواية عن كاتب يكتب رواية عن كاتب.. هكذا نتوغل في المتاهة..فمن يا ترى يكتب عن من؟ هي رواية داخل رواية، و هي رواية يكتبها أبطالها ذات طابع حياة جماعي يمتزج فيه الواقع و الخيال، و مزايا العالم الخارجي آنذاك و بيئتهم الاجتماعية في العراق في التسعينات. مليئة بالمفاجآت و ،الكوابيس،الخوف،القتل،العاطفة،الأرواح،الأشباح،الإعترافات،الشهوة،الجنس، الأفكار الفلسفية و الوجودية و ذات الحبكة السحرية التي يعتمدها الكاتب بفنه و إبداعه. "متاهة قابيل" رواية ذات بعد و مغزى من حيث محيطها و مجتمعها و سياستها و الخير و الشر الموجود فيها، و الحقد و الضغينة اللامتناهية. يبقى أسلوب برهان شاوي نادر بطابعه الأدبي اللامع حتى في اختيار أسماء أبطال الرواية، فجميع الرجال يحملون اسم "آدم"، مع إضافة النعت القصير (آدم البغدادي،آدم التائه،آدم المحروم، آدم الشبيبي، آدم الملاك..) و هنا في الرواية نلاحظ وجود اسم قابيل مع إضافة النعت القصير (قابيل الفهد، قابيل الموسى) و كذا وجود اسم هابيل مع إضافة النعت القصير ( الحاج هابيل، هابيل الياسري، الرضيع هابيل) و نفس الشيء بالنسبة لشخصيات الرواية من النساء فجميعهن يحملن اسم "حواء" أو "إيفا" و كلتاهما معناها حواء لتكون حواء الغرب و إيفا الشرق مع إضافة النعت أو الصفة (حواء المؤمن،حواء المظلوم،حواء الزاهد،حواء الكرخي..) و إيفا مع إضافة النعت القصير ( إيفا ليسنج،إيفا جايكوفسكايا،إيفا اسكندروفنا) يكمن إبداع برهان شاوي حيث اختصر الأسماء بين "آدم" و "حواء" و "قابيل" و "هابيل"لا غير، أوليس قابيل هو ابن آدم الذي نتج عن نطفته و جاء من رحم حواء و هو أساس البشرية و ليس آدم ؟و هو السبب في القتل الجريمة و الحقد البغضاء و كل الشر؟ الكوابيس، الخوف،الارتباك، الدهشة، اللهفة، الكبت،الشهوة، الغريزة، الجنس و اللذة. أليست النساء كلهن حواء أو إيفا؟ و الرجال كلهم أبناء قابيل؟ رواية "متاهة قابيل" هي مناقشة فكرة أن البشر هم بنو قابيل، فهو وحده الذي من نطفة آدم و تشكل داخل رحم حواء.إنه هو الإنسان بمعناه الحقيقي، و من نسله انحدر البشر، فهم أبناء قابيل أكثر مما هم بنو آدم. أبناء قابيل القاتل، المؤسس الأول للجريمة و حيث يواصلون قتل بعضهم بعضا إلى ما لا نهاية. "متاهة قابيل" هي رواية عن الرغبة الجامحة العمياء، و الشغف الجسدي المتأجج، و تداخل العوالم المرئية و غير المرئية، عن الحقد الفردي و الجماعي،عن غرائز التدمير و دهاليز النفس البشرية الغامضة كما قال الكاتب نفسه. هي فلسفة برهان شاوي الرائعة و طريقة سرده التي تجعل القارئ يتوه في المتاهة و يقف على حافة الانهيار و التيه الأعظم دون شك، فيعيشها بكل تفاصيلها و حبكتها و لغزها و مشاعرها الظاهرة و المكبوتة و غموضها و اعترافاتها المجنونة و أشباحها و أرواحها في كل مكان. كما قال أحدهم لا يمكنك أن تقرأ لبرهان شاوي و أنت ممدد على السرير..هي حقيقة على القارئ أن يكون جالسا ليعيش و يشعر بما يجري من حوله، و يجد نفسه أحيانا على حافة الانهيار الأعظم ليسقط من القمة على رأسه. أسلوب برهان شاوي نادر حقا، فأدبه يختلف..من طريقة السرد المختلفة، إلى اختيار الأبطال الغامضين الذين يكتبون أنفسهم، إلى الرواية التي تلد رواية، ثم تلك تلد رواية و عالم الأرواح الذي زاد الرواية سحرا ملموسا و موسيقى رائعة كلاسيكية بغموضها الفلسفي و جوهرها اللامرئي. فالروح كما يقول الكاتب على لسان آدم التائه هي شيء غامض، جوهر لا مرئي، محيّر، لغز..