على عكس ما هو متوقع .. اختفت لافتات مرشحي الرئاسة جميعا من ساحة ميدان مصطفى محمود وهو الأمر المغاير لما شاهدناه في نفس الميدان في أثناء صلاة عيد الفطر الماضي، وكأنهم جميعا قد اجتمعوا على أن الأهم الآن هو حسم معركة الانتخابات البرلمانية القادمة أولا.. كتب وصور : محمد شعبان - كريم كمال فمثلما استعدت ساحة مسجد مصطفى محمود بالمهندسين منذ الساعات الأولى من صباح اليوم-الأحد-لصلاة العيد من حيث التواجد الأمني و غلق الميدان من قبل المرور، وتواجد سيارات الإسعاف، وفرش الساحات، فأيضا كان هناك ظهور واضح لمرشحي مجلس الشعب الحزبيين والمستقلين ، حيث انتشرت اللافتات في كل مكان بطوال شارع جامعة الدول العربية والشوارع المختلفة المتفرعة منه، وكان أبرز هؤلاء المرشحين هو أحمد مرتضى منصور الذي وضع أضخم اللافتات في أماكن مختلفة من الميدان . ولكن اللافت للنظر هو سيطرة الإخوان المسلمون على الساحة، حيث كان حضورها مبكرا، فقد أنتشر شباب الإخوان في كل مكان شيدوا خيام مصلى السيدات ووضعوا لافتات التوجيه إليها في كل مكان ووقفوا في الشوارع بزي موحد لتوجي حركة المصلين بشكل غاية في التنظيم، بخلاف شعارهم الشهير الذي كلما ذهب نظرك في اتجاه ما من الصعب أن يفلت من مشاهدتك له، وقد ظهر الإخوان في هذه الصلاة بشكلين متصلين منفصلين، الأول هو الجانب الخدمي الاجتماعي الذي ذكرناه، والثاني هو السياسي البحت حيث أن لافتات حزب الحرية والعدالة كان في كل مكان، وقام شباب الحزب باستخدام مكبرات الصوت لتوعية المصلين بأهمية مشاركتهم بالتصويت في الانتخابات القادمة وعدم يع أصواتهم، بخلاف المنشورات التي تم توزيعها على المصلين واستمارات الاشتراك بالحزب، كل هذا في ظل غياب تام من الأحزاب الأخرى التي لم يكن لها أي أثر في ميدان مصطفى محمود اللهم إلا تواجد ضعيف جدا لكل من حزب النور والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي من خلال عدد قليل جدا أقرب إلى المعدوم وسط لافتات الإخوان، بخلاف حرص مسئولو حزب الحرية والعدالة وعلى رأسهم الدكتور محمود غزلان المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين وعضو هيئة الإرشاد بالجماعة ومرشحي الحزب بالجيزة بالتواجد في الصلاة وسط مسئولي محافظة الجيزة، وعلى رأسهم الدكتور على عبد الرحمن محافظ الجيزة وقياداته التنفيذية. وبمجرد أن انتهت الصلاة انطلق المصلين في شارع جامعة الدول العربية وقام الكثير من الشباب بإطلاق الألعاب النارية ابتهاجا بالعيد وقام البعض بإطلاق طيور الحمام في الهواء لترفرف فوق رؤوس المصلين، وهو ما جعل المشهد فائق الروعة واتجه العديد من الأطفال لشراء البالونات، وظلت الحالة المرورية في منطقة المهندسين متأزمة حتى بعد انتهاء الصلاة فيما يقرب من الساعة، نظرا لتدافع المصلين حيث ان الجميع يرغب في العودة إلى البيت مبكرا بسبب الذبيح. إذا كان هذا هو الوضع فى مسجد مصطفي محمود ، وقد تكرر في معظم مساجد القاهرة ، فماذا عن الأحوال في الصعيد ، وبالتحديد فى مركز سمسطا بمحافظة بني سويف ؟! لا يزال العيد فى الأرياف يتصف بطبيعة خاصة لكنه لم يعد معزولاً عن السياق العام للمجتمع .. فقد ركزت خطبة العيد فى مساجد كثيرة بالصعيد على الشأن العام داعية المسلمين للوحدة والتآلف ونبذ الخلاف ومناشدة الجميع الهدوء والعمل والبناء وذلك فى المساجد والساحات التابعة لوزارة الأوقاف .. أما الساحات و المساجد الأخرى البعيدة عن سيطرة الأوقاف فقد صعد منابرها فى خطب العيد من كانوا معتقلين من أمراء الجهاد والجماعة الإسلامية والمنتمين للإخوان المسلمين .. الظاهرة الملفتة هى عدم التركيز بشكل كبير على العيد كمناسبة دينية ففى الماضى كانت خطبة العيد فى هذه المناسبة تركز على الأضحية وتدعو الجميع لنبذ الخلافات الثأرية والتصالح بين المتخاصمين وتحذر النساء من عدم الذهاب للمقابر وتحض على صلة الرحم والتواصل بين المسلمين ومراعاة حقوق الجار ومراعاة حق السائل والمحروم .. لكن يبدو أن هذه الموضوعات باتت قديمة ولم تعد مناسبة لإيقاع العصر بعد الثورة خاصة إذا علمنا أن وزارة الأوقاف أصبحت تتعاون مع التيارات الإسلامية التى كانت محظورة من قبل فى إقامة سرادقات الصلاة فى الساحات . ففى قرى مركز سمسطا ببنى سويف تعاونت إدارة الأوقاف مع حزب النور لإقامة صلاة العيد فى نحو 37 ساحة وألقى خطيب الأوقاف فى ساحة مدرسة الشهيد يحيى جلال بالمركز خطبة مطولة لم تتطرق مطلقاً للأضحية أو مظاهر العيد أو الحج وإنما قال: موضوع اليوم عن سر قوة المسلمين قديما وسر ضعفهم فى الوقت الحالى .. فى العهد الأول للإسلام كان أصحاب النبى قلة فى العدد والعدة لكن الله كان يؤيدهم بنصره والسبب فى ذلك أن المسلمين الأوائل تربوا فى مدرسة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا مؤمنين بعقيدتهم ففتحت أمامهم الأبواب وكان الرجل منهم بألف رجل ولا يخشون فى الله لومة لائم بل أن هرقل قائد الروم جمع قادة جيشه بعد أن هزمته جيوش المسلمين وأخذ يسألهم عن خسائر جنده وأخذ يسأل عن سر قوة هؤلاء المسلمين الذين يقاتلون وقال لجنوده أليسوا بشراً مثلكم فوقف قائد القوات الرومانية وقال إنهم بشر ولكنهم ليسوا ككل البشر هم رهبان بالليل وفرسان بالنهار هم يصلون ويزكون ويتقربون إلى الله فى كل وقت ولو سرق فيهم الشريف قطعوا يده وما منهم من أحد إلا ويتمنى أن يموت قبل أخيه لهذا فإنهم ليسوا ككل البشر .. هكذا كان المسلمون الأوائل مطبقين لشرع الله ومؤمنين بعقيدته ففتح الله عليهم بلادا كثيرة ونصرهم الله فى مواضع عديدة بل أن هرقل نفسه خرج بجيوشه من سوريا وقال مودعا إياها " سلام عليك يا سوريا سلام لا لقاء بعده". أيضا تساءل الفرس قديما عن سر قوة المسلمين وبعثوا بثلاثة منهم إلى مدينة رسول الله فعندما أتوا لم يجدوا مسلما واحدا فى طرقات المدينة وكان الصحابة مشغولين بالصلاة والعبادة ثم وجدوا رجلا نائما تحت شجرة وقد عرفوا أنه أمير المؤمنين عمر فتعجبوا كيف يسكن ملوك الفرس والروم فى القصور بينما ينام أمير المؤمنين عمر أسفل شجرة وبلا حراسة فما كان منهم إلا أن نطقوا بالشهادتين .. إن سر قوة المسلمين قديما هو تمسكهم بعقيدتهم قولا وعملا فهم قوم صدقوا ما عاهدوا الله عليه إنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار. أما المسلمون الآن اليوم فقد ابتعدوا عن طريق الله فتحققت فيهم نبؤة رسول الله حينما قال " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها " . هكذا حدث فلما ابتعدنا عن كتاب الله وسنته تركنا الله لأنفسنا فتأكل كلاب الأرض فينا جيلا بعد جيل ودولة بعد دولة وشعب بعد شعب لهذا لم يعد أمامنا سوى الطريق الثانى بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم ووقتها سنجد عزتنا وكرامتنا وشرفنا فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة فى غيره أزلنا الله .. ووجه الخطيب كلمة للشاب ناصحا إياهم بأن يعيدوا الإسلام إلى سابق عهده ومجده وفق مفهومه الصحيح السليم بعيدا عن المغالاة أو التطرف وبعيدا أيضا عن التوقف عند أمجاد الماضى والمفاخرة بالقديم وليس الفتى من قال كان أبى كذا وكذا لكن الفتى من قال ها أنا ذا. إننا ندعوا الآن شباب الإسلام لنصرة الإسلام لا لنصرة مذهب أو تيار أو حزب أو طريقة وإنما لنصرة الإسلام كدين حنيف بعيدا عن التحزب والتطرف. أيضا نريد جيلا لا يقلد الغرب تقليدا أعمى ولا ينتسب لليمين أو لليسار وإنما ينتمى للرحمن ويفتخر ويتعصب للقرآن. ووجه الخطيب دعوة للعاملين بقطاعات الدولة لأن يتوقفوا عن القيام بأى مظاهرات أو مهاترات لأننا فى هذا الوقت العصيب نحتاج لأن نبنى لأن كل مطالبنا مشروعة ولكن الوقت غير مناسب لمطالب خاصة وإنما علينا أن نقف جميعا وقفة رجالة حتى نبنى جميعاً مصر العزيزة الغالية علينا. هذا وتشهد قرى ومدن الصعيد مداً كبيراً للتيارات الإسلامية والتى باتت تؤثر بشكل كبير فى كل المناسبات الدينية حيث تتصدر لافتات حزبى النور والحرية والعدالة واجهات القرى والمدن. هذا بينما ترك البسطاء من الفلاحين والمزارعين والمعتدلين أيضا الساحة تماما دون انشغال بالشأن العام الذى بات مسئولا عنه الجيل الجديد من شباب الجامعات الذين تأثروا بأفكار الحرية التى جاءت بها ثورة الخامس والعشرين من يناير. لكن على المستوى الشعبى لا يزال العيد فى الأرياف كما هو منذ قديم الأزل فلا تزال النساء يذهبن للمقابر ولا تزال صلة الرحم قوية كما كانت ، أما السياسة فلها أهلها من نخبة الارياف فقط.