مستحيل أن تتعامل دولة مع كنوزها وثرواتها بكل هذا القدر من الغباء والفساد وسوء الاستغلال .. ففى مصر يوجد عاشر أكبر منجم ذهب يضم ثانى أكبر إحتياطى من المعدن الأصفر على مستوى العالم .. المنجم يحمل اسم السكرى وينتج سنوياً ما يقرب من دخل قناة السويس ورغم ذلك فإن الحكومة المصرية تستفيد فقط بنسبة 3% من المليارات التى يتحصلها رجل الأعمال الذى يسيطر على هذا المنجم وفق إتفاقية فريدة من نوعها تمت فى عهد النظام السابق. الحكاية أنه يوجد فى صحراء النوبة منجم السكرى الذى يقع على مساحة 160 كيلومتر مربع بالقرب من مرسى علم ويحتوى على أكبر مخزون عالمى من الذهب وكان أول من اكتشفه هم الفراعنة القدماء وقاموا بأعمال الحفر والتنقيب فيه ووتشير بعض الدلائل ان كنوز مقابرهم كانت من ذهب هذا المنجم النادر جدا وفى العصر الحديث كان المنجم حتى ثلاثينيات القرن الماضى يحمل اسم المنجم الحكومى لإنه الحكومة المصرية كانت تتولى بنفسها عمليات التنقيب وتمتلك حقوق الاستغلال لصالح الشعب المصرى فكانت موارد مصر من الذهب تساهم فى حل ازمة العجز الداخلية .. لكن مع تطور الزمن واستشراء الفساد خاصة فى السنوات العشر الأخيرة فقد تنازلت حكومة نظيف فى عام 2004 بتوقيع إتفاقية ذات شروط مجحفة أضاعت حقوق المصريين فى استغلال ثرواتهم وكنوزهم وقد نصت هذه الاتفاقية على منح شركة سنتامين مصر المملوكة لرجل الأعمال المذدوج الجنسية " مصرى أسترالى" حقوق الحفر والتنقيب والاستغلال فى المنجم مقابل على أن تحصل الحكومة المصرية على 3% فقط من الذهب المستخرج حتى عام 2030 حيث تحصل بعد هذا العام على 50% بل ويتم إعفاء الشركة المستثمرة من الضرائب حتى تقوم بجمع تكلفة استثمارتها فى المنجم
ولم يتوقف الفساد عند هذا الحد بل أنه فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة يناير فقد أفصح عمال المنجم عن عملية تهريب مريبة لمايزيد عن 1500 كيلو من السبائك الذهبية على متن طائرة خدمات بترولية لمكان غير معلوم حتى الآن. وهو ما دعا القوات المسلحة والشرطة للتواجد بالمنجم لتأمينه من عمليات النهب التى تقودها مافيا منظمة تواطأت مع النظام السابق وهو الامر الذى لم يلتفت إليه احد حتى الآن. وهو ما دعى المحامى حمدى الفخرانى لإقامة دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى لإلغاء عقد الشركة المذكورة مع الحكومة المصرية لما يضمه هذا التعاقد من نهب لثروات البلاد. يذكر أن حجم الذهب المستخرج يصل إلى 16 مليون أوقية، في حين يبلغ إجمالي الاحتياطى إلى حوالى 20 مليون أوقية وتتم عمليات الصب والسبك فى حضور لجنة تضم ممثلين من مصلحة الدمغة وهيئة الثروة المعدنية وشركة السكرى القائمة بالعمليات بالموقع ويتم نقل الذهب بالتنسيق مع شركة أمانكو التابعة للقوات المسلحة وكذلك الجهات المعنية بمحافظة البحر الأحمر وسلطات المطار. ومن الطريف أيضا ورداً على من يقولون أن مصر دولة بلا موراد أن الحكومة المصرية طرحت 100 منطقة أخرى تضم مناجم ذهب للاستثمار الأجنبى العالمى ربما بنفس شروط الاتفاقية المذكورة وهو شىء يظل مثارا للسخرية وعلامات استفهام عديدة خاصة وان عمليات التنقيب على الذهب وفق آراء الخبراء لا تطلب عبقرية أو مجهود فائق وأن الحكومة المصرية تستطيع أن تستثمر بنفسها وتستغل الذهب المستخرج لصالح الدولة خاصة وأننا أصحاب تجربة تاريخية منذ أيام الفراعنة فى الحفر والتنقيب على هذا المعدن الأصفر.