بحثت كثيرا عما أبدأ به اطلالتي عبر هذه النافذة المتميزة " الشباب " التي أحببتها قارئا.. ودعاني إليها كاتبا رئيس تحريرها التنفيذي الصديق محمد عبدالله ، ولما كان هذا العدد هو عدد شهر أكتوبر فقد كان من الطبيعي ان يذكرني هذا بنصر اكتوبر العظيم في عام 1973.. ولكن الأهم انه يحيلني إلي الدور الصعب الذي يقوم به الجيش المصري في هذه المرحلة .. ومنذ ثورة يناير احدي أهم العلامات في تاريخ العالم الحديث .. والتي ستكشف العقود التالية عن حجم تأثيرها علي مصر والعالم العربي والعالم بأكمله .. ولي في هذا الحديث .. مجموعة من النقاط التي ارجو ان يكون رأيي فيها واضحا في ظل هذا الواقع الملتبس .. وربما كان هذا الواقع الملتبس هو مايدعوني للتذكير بأن كل ماأكتبه هنا .. وفي هذا الموضوع .. هو رأيي المنطلق من وطنيتي الخالصة .. ولا ألزم به أحدا آخر .. وانما اسجله .. حتي ارضي ضميري .. ولا اشعر بالذنب يوما ما لسكوتي .. حينما وجب الكلام .. النقطة الأولي : ان الجيش المصري .. ويمثله المجلس العسكري ظل بعيدا عن السياسة .. منذ عقود طويلة وبالتحديد منذ هزيمة 1967 التي اعاد بعدها تقييم موقفه .. فاكتشف ان انخراطه في السياسة أنساه واجباته العسكرية مما ادي إلي الهزيمة المروعة في 1967 . وربما كان أهم دروس حرب اكتوبر .. ان رجوع الجيش إلي مهمته التي خلق من اجلها هي سر انتصاره المدوي في 73 . النقطة الثانية : ان احدا لم يقل للجيش ان هناك ثورة ستحدث في مصر تبدأ في يوم 25 يناير 2011 وان ادارة شئون البلاد ستنتقل إليكم اعتبارا من 11 فبراير 2011 فاستعدوا بخططكم لمواجهة هذا الأمر ! النقطة الثالثة : نتيجة للنقطتين السابقتين فإن الجيش حاليا .. يمارس مهاما ويتحمل أعباء جساما لم يستعد لها .. بل إنها ليست ضمن تكوينه اصلا .. لقد سقطت جميع مسئوليات بلد بحجم مصر فجأة علي كاهل القوات المسلحة .. في وقت من اصعب الاوقات في تاريخ مصر .. عندما قامت الثورة ليعلن الشعب ان هناك خرابا وصل إلي حد فاق تصوره .. أو تحمله أو القبول باستمراره . لم يتسلم الجيش بلدا قويا .. بل انه تسلم مصر في اضعف حالاتها .. بعد ماتقزمت خارجيا .. وضرب الفساد كل ركن من اركانها .. وتبعثرت ثرواتها بيد مجموعة من الفاسدين الخونة .. حتي سقطت مؤسساتها الرئاسية والامنية والتشريعية في ايام قلائل غير مأسوف عليها . النقطة الرابعة : ان تراكم المشاكل والمظالم في جميع انحاء مصر بهذا القدر .. وعبر تراكم سنوات طويلة يرجعها البعض إلي ثلاثين سنة ويرجعها البعض الآخر إلي ستين سنة . ( وأرجعها شخصيا إلي مئات السنين ) .. قد أوجد حالة من استعجال الحلول .. ولكنها حالة غير منطقية بالمرة .. فما تم تخريبه بفعل الاستبداد والفساد عبر عدة عقود .. لايمكن حله في عدة شهور بل انه يحتاج إلي سنوات من العمل المضني الذي تستنهض فيه كافة قوي المصريين الابداعية في العلم والفكر والزراعة والصناعة والانتاج .. واسمحوا لي ان اوضح ان أي تصور لايجاد حلول سريعة لكل مشاكلنا في عدة شهور قليلة هو تصور ساذج وربما كان تصورا غبيا !! النقطة الخامسة : ان صانع القرار في مصر الآن سواء كان المجلس العسكري أو حكومة تسيير الاعمال .. يقف مابين أمرين احلاهما مر .. فإما .. اصدار قرارات متسرعة تلبية لنداءات قطاعات واسعة وقعت عليها مظالم كبيرة .. فتصدر هذه القرارات بلا دراسة وتأتي مشوهة بفعل التسرع .. ويصبح من السهل انتقادها واتهامها .. وقد تأتي بالفعل بمشاكل جديدة دون ان تحل المشاكل التي وضعت من أجل حلها .. وإما .. ان يأخذ كل قرار وقته من الدراسة .. وهو مايحتاج إلي شهور في كل قرار علي حدة .. فيتهم صانع القرار بالبطء الشديد وعدم الحسم .. وعدم الشفافية ( في حالة الحكومة ) أو انه يريد الاستمرار في الحكم ( في حالة المجلس العسكري ) !! النقطة السادسة : ان كل من يتحدث الآن .. أو دعوني اقول : إن الغالبية الكاسحة ممن يتحدثون الآن .. من السياسيين أو الاعلاميين أو نشطاء المجتمع المدني .. أو اصحاب المطالب الفئوية .. يتحدثون فقط عن مطالب يريدون تحقيقها .. ولا يتحدثون عن واجبات عليهم أداؤها !!!! علي المجلس العسكري .. ومن خلفه الحكومة .. تلبية كل مطالبهم السياسية علي تناقضها وجميع مطالبهم الاقتصادية علي استحالة تنفيذها وكل مطالبهم الاجتماعية في العدل والكرامة والحرية برغم انها اشياء لا تتحقق إلا عبر ممارسات افراد الشعب بكل افراده وقواه ومؤسساته .. النقطة السابعة : هناك طبعا ارتباك في أداء المجلس العسكري في بعض الملفات .. ولكنه في رأيي ارتباك صدرناه نحن لهذا المجلس بارتباكنا المريع حينما حانت لنا الفرصة لممارسة الحرية دون ان يدرك الكثير منا .. أن علي الحر واجبات قبل ان تكون له حقوق .. وإليكم بعض ملامح الارتباك الذي نصدره لصاحب القرار .. .. الشعب الذي يشكو تراجع الامن .. يحاول قطاع منه .. اهانة الشرطة علنا وبلا مبرر عندما تحضر لحفظ الامن في مباراة لكرة القدم .. ويحاول اقتحام مديرية أمن الجيزة بلامبرر في احداث اقتحام السفارة الاسرائيلية .. .. السياسيون بكل انتماءاتهم .. باستثناء الاخوان .. يطالبون بالدستور أولا .. وتأجيل الانتخابات حتي تستعد الاحزاب الوليدة لخوضها .. وحتي يتم استقلال القضاء .. وحتي تكتمل المنظومة الامنية التي تحمي عملية الانتخابات .. وكل هذه الطلبات تستدعي وجود الجيش في السلطة لعدة سنوات !! وهم في الوقت نفسه يطالبون وياللعجب .. بسرعة تخلي الجيش عن السلطة .. ويشككون في نواياه ويقولون لك إنه يضعنا في حالة من الضبابية لانه لايعلن عن توقيتات ومواعيد محددة للانتخابات التشريعية والرئاسية لأنه يريد الاستمرار في الحكم !! ( أتذكر الآن مقولة شهيرة في احدي مسرحيات الستينيات : نفتح الشباك .. ولا نقفل الشباك ). .. الاخوان المسلمون يريدون من الجيش تنفيذ اجندتهم أو .. ( سيحدث ما لا يحمد عقباه !! ) .. المدرسون الذين يطالبون بدخل عادل وأجور توفر لهم الحياة الكريمة .. وإلا ( .. عام دراسي بلا معلم !! ) لايلزمون انفسهم في حالة تنفيذ مطالبهم .. بوقف الدروس الخصوصية التي تستنزف دخل الاسرة المصرية .. والتي تدخل المليارات سنويا لجيوب المدرسين ولا يدفعون عنها مليما واحدا للضرائب !! ثم ( عام دراسي بلا معلم ) أليس هذا عقابا للشعب المصري بأكمله .. ؟ ! وأليست هذه هي قمة الانتهازية .. أن تحاول فرض مطالبك في الوقت الذي يعتبر فيه الاقتصاد المصري في أسوأ حالاته ؟ ! النقطة الثامنة : لم اقصد بهذا المقال ارجوكم ان ادافع عن المجلس العسكري .. فأنا بصفة عامة .. ضد الحكم العسكري مهما كان شرف ونزاهة العسكري الذي سيحكم .. وانا مع عودة الجيش إلي مهمته الاساسية في حماية حدود مصر وأمنها القومي في غضون شهور قليلة وليس سنوات مهما كانت قصيرة .. وانا لا أبريء المجلس العسكري من الأخطاء .. أو الارتباك .. في مواجهة من يصر علي انه مرتبك أو متباطئ .. والحقيقة انني من الاصل .. لست بصدد تقييم اداء المجلس العسكري في هذه المرحلة . القضية عندي اكبر من هذا بكثير القضية ياسادة قضية وطن يجب ان نحافظ عليه .. وطن تهدده الاخطار من كل الجوانب .. الاوضاع في ليبيا .. ستظل في اضطراب لفترة .. السودان يتم تقسيمه إلي خمس أو ست دول علي عجل قبل أن تفيق مصر .. النوبة وسيناء .. عناوين لملفات لا تحتاج إلي تفصيل .. الاقتصاد .. الامن .. الديمقراطية .. بناء المؤسسات المنهارة .. الدستور .. الانتخابات .. التعليم .. الصحة .. التطهير .. الانتاج .. العلاقات الدولية .. النيل .. كل هذا يحتاج إلي تضافر الجهود وإلي العمل في جبهة واحدة مع الجيش الذي يمثله المجلس العسكري من أجل ان تعود الحياة الطبيعية إلي مصر في اقصي سرعة .. ومن أجل ان نصل إلي الديمقراطية التي ننشدها جميعا بأقل قدر من الخسائر .. أو التضحيات . ان وضعنا كشعب في مواجهة الجيش حائط الصد الاخير لن ينتج عنه سوي الخراب الشامل .. خراب تقسيم مصر والحرب الاهلية .. ( لم يعد هناك أي سيناريو مستبعد ) فجميع مخابرات الاعداء تعمل داخل مصر .. والاستمرار في إضعاف المؤسسات والاقتصاد عبر المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات الفئوية منها والسياسية يؤدي إلي سهولة تنفيذ أي سيناريو عدائي تجاه مصر ويؤدي إلي سقوط الدولة وليس النظام .. هل ما اقوله الآن كما سيراه البعض ترهيبا للشعب .. حتي يرضي بحكم العسكر ؟ !! لا .. ولكنني اعيد الامر إلي اصحابه الحقيقيين . الشعب هومن يجب ان يقود نفسه إلي الخير والتقدم .. والالتفاف حول الجيش في هذه المرحلة سيقلل من أي ارتباك في قرارت المجلس العسكري .. وسيكون ضمانة لتعديل أي قرار خاطئ قد يصدر عن المجلس .. حتي نعبر جميعا بمصر إلي بر الامان .. إلي الديمقراطية .. التي هي كما يقول الجميع ' حكم الشعب للشعب ' واضيف من عندي ' بشرط ان يكون الشعب واعيا لمسئوليات الديمقراطية ' .. النقطة التاسعة : قد يقول قائل : ذكرت بعض ملامح الارتباك ' الشعبي ' الذي نصدره إلي المجلس العسكري .. فهل صورة ' الشعب ' قاتمة إلي هذا الحد ؟ ! والاجابة : علي العكس إنني اجد الكثير من الايجابيات وفي مقدمتها أنني أري حيوية سياسية .. وأري ان طيبة هذا الشعب جعلت ' الخروقات الامنية ' برغم انهيار الشرطة اقل بآلاف المرات مما لوحدث هذا الانهيار في مجتمع آخر .. اري شبابا .. قرأ المرحلة جيدا ووجد ان ادوات هدم النظام من اعتصامات ومظاهرات لايجب ولايمكن ان تكون هي نفسها ادوات بناء النظام الديمقراطي الجديد فاتجه إلي تكوين احزابه .. التي سيخوض بها صراعا .. حتي لو لم يكن متكافئا في المرحلة الأولي مع القوي التقليدية إلا أنني اري انه سينتصر في النهاية .. واذكر في هذا الصدد الشاب مصطفي النجار الذي اسس مع اصدقائه ' حزب العدل ' والذي أعتبر نفسي واحدا من المعجبين بطرحه السياسي بالرغم من أنني لم أره في حياتي إلا مرات قليلة عبر شاشات التليفزيون . ان تكوين الاحزاب وهو متاح حاليا وتكوين النقابات المستقلة وهو مسموح به حاليا هو الطريق الصحيح للتعبير عن المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. فانتبهوا ياأولي الألباب .. التظاهر والاعتصام والاضراب حقوق أصيلة في النظام المستبد .. لأنه نظام مستبد يسد القنوات الشرعية . التظاهر والاعتصام والاضراب حقوق أصيلة في النظام الديمقراطي ( عندما يقوم النظام الديمقراطي .. ) التظاهر والاعتصام والاضراب اعباء ثقيلة .. في مرحلة انتقالية صعبة مابين نظام مستبد ونظام ديمقراطي . النقطة العاشرة : كلي ثقة بالوعي الجمعي للشعب المصري .. الذي قام بثورة عظيمة .. يستحق بعدها ان يحكم نفسه بنفسه . وكلي ثقة بأن الجيش المصري الممثل في المجلس العسكري سيسلم الحكم لمن يختاره الشعب .. وهذا هو عبوره القادم المنتظر ... النقطة الاخيرة : حكمة .. احبها .. ' نفاق العوام اخطر من نفاق الحكام ' ..