استطاع أبي إدخالنا، أنا وأخي، إحدى المدارس الخاصة. كنا أسرة مستورة، ولكن ليس لدرجة الاشتراك في "الباص". لذلك، كان يستيقظ معنا في السابعة صباحًا، ثم ننزل ثلاثتنا. وفي مدخل البيت يرتدي كل منا ذلك "البوت" البلاستيك الضخم فوق حذاء المدرسة، ليحميه من الاتساخ في الوحل العالي الذي يتركه المطر في ذلك الوقت، حيث شوارع الحي الريفي، الذي زحف عليه الحضر فبات شعبيًا بشكل ما، يتحول ترابها بفعل المياه إلى طين عميق.
نمشي حتى الجراج. يفتح أبي الباب الصغير لتانك البنزين، ويمد داخله خرطوم صغير، قبل أن يشفط بعض منه باحتراف، بحيث يستقر البنزين في الخرطوم ولا يدخل فمه، ثم يذهب بالخرطوم ممسكا إياه من طرفيه، ويدليه في فوهة الموتور، ليساعد السيارة القديمة في الدوارة التي لن تحدث في البرد بغير هذه الطريقة، وببعض الحظ ربما لا تحتاج إلى "زقّة"، كان حريصًا دائمًا على أن نذهب إلى المدرسة قبل بدء الطابور.
بانتهاء اليوم الدراسي، تنادي المشرفات على التلاميذ الذين يستقلون الباص أولًا، بعدها بقليل يسمحون لنا بالخروج من الفصول، لينتظر كل منا ولي أمره. لم يكن يتركنا ننتظر كثيرًا، ولو تركنا ليست مشكلة. الوقت لطيف، نقضيه في محاولات الإيقاع بالتوت من الشجرة الكبيرة، عبر إلقاء فروعها بالطوب.
في الذهاب والعودة، لا بد من السير فترة بمحاذاة النهر، في المسافة بين كوبري إمبابة وكوبري الجلاء في الدقي.
في ذلك النهار، أوائل التسعينيات، وفي طريق العودة عند مدخل حي الكيت كات، أوقف أبي السيارة، وقال إنهم "واقفين بيصوروا، تعالوا نبص بصة". نزلنا، ووقف أبي مع أشخاص لا أعرفهم، أخذنا أحدهم، أنا وأخي، وأنزلنا إلى قارب يقف عند شاطئ النيل، حتى ينتهي أبي من الوقوف مع أصحابه. كان أحدهم نائمًا على أريكة صغيرة في القارب.
رأيت أبي يشير لي من بعيد محاولًا لفت انتباهي إلى النائم وهو يضحك، لكنني لم أفهم ماذا يقول من بعيد. بعد لحظات، استدار الشخص وقام من نومه، وخلع غطاء العين، عرفت فورًا أنه شريف منير. ابتسم وسأل "إنتوا مين؟"، قلت: "أنا هشام أصلان وده شادي أصلان". سلم علينا ونزل من القارب، ورأيت بنات كثيرات يقفن على الشاطئ ويندهن عليه بفرح.
بعد قليل نادى أبي علينا، وأخذنا أحدهم إلى الشاطئ، قال أبي: سلم على عمك محمود. في تلك السن كان مبهرًا أن أرى محمود عبد العزيز في الحقيقة. كان يرتدي جلباب الشيخ حسني، ويتعامل كأعمى. سلم علينا وقبلّلنا. بعدما مشينا، سألت أبي "هو ليه عامل أعمى في الحقيقة"، قال إن العدسات التي في عينيه تجبره على هذا.
في العرض الخاص لفيلم الكيت كات، رأيت كل نجوم هذا الزمن، ورأيت شاشة السينما لأول مرة في حياتي. وحفظت أغنية المشهد الأخير في الفيلم من أول مرة. عندما اشترينا جهاز الفيديو، ظللنا فترة طويلة لا نضع فيه إلا فيلم الكيت كات قبل أن تعرف قدماي نوادي الفيديو. كانت نسخة كاملة، لم تُحذف منها مشاهد القبلات.
هذه إطالة، أعتذر، ولكن استدعتها رغبتي في كتابة كلمة أدعو فيه، فقط، بالشفاء للساحر محمود عبد العزيز.