بعد وفاة الرئيس عبد الناصر كانت ترتيبات نقل الخلافة فى مصر تمر بصعوبة .. فقد سعى الضباط الأحرار من رجال عبد الناصر للتحرك واستعادة الدور القديم ولإحياء دور مجلس قيادة الثورة لاختيار خليفة الزعيم الراحل لكن السادات أخبرهم أن نظام ثورة يوليو انتهى فحسب شهادة سامى شرف فى كتابه سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر أنه مع مغادرة الوفود وانفضاض مراسم توديع الزعيم جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخير فقد بدأت ترتيبات الخلافة وانتقال السلطة فى مصر .. خلال الجنازة كانت وسائل الإعلام وكاميرات التليفزيون تركز بشكل ظ واجتمع قادة الثورة القدامى بعد يومين من وفاة الرئيس وضم الاجتماع كل من عبد اللطيف البغدادى وزكريا محيى الدين وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم وآخرين وذلك لبحث ترتيبات انتقال السلطة فاتفقوا فيما بينهم على ضرورة مقابلة السادات لكن السادات رفض المقابلة وذكر لهم أن مجلس قيادة الثورة تم حله منذ نحو 10 سنوات وبالتالى فإن هذا الاجتماع كان يعد إحياء لفكرة قديمة أنهاها عبد الناصر بنفسه ولهذا قام قادة ثورة يوليو المجتمعون بإرسال رسالة إلى السادات جاء فيها: " السيد الأخ أنور السادات الرئيس المؤقت للجمهورية .. فى هذا الوقت العصيب الخطر وفى هذه المحنة القاسية لم يكن ضميرنا الوطنى نحن الباقون من أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو الذين اشتركوا فى تسليم أمانة قيادة الثورة فى شكل دستورى عام 1956 إلى الزعيم الراحل لم يكن ضميرنا الوطنى يسمح لنا أن نقف متفرجين فى لامبالاة لما يحدث أو ما ينتظر أن يحدث للوطن فى محنته وأنتم تعلمون أنه لم يكن لأى واحد منا فى أى وقت من الأوقات مطمع فى سلطة أو تمسك بسلطان .. لذلك نرى أن نضرب مثلاً لشعبنا أن تتوحد كلمتنا وأن تتكاتف جهودنا فى تحمل مسئولية قيادة جماعية وهذه هى الوظيفة الأولى لهذه القيادة أن تهيىء الفرصة لكل مواطن لكى يتحمل مسئولية معركة الحياة وأن ينتخب انتخابا حراً جمعية وطنية تمثل سيادة الشعب بسلطاته الدستورية والشرعية المختلفة وأن تقوم هذه الجمعية الوطنية بعمل الدستور الدائم وأن تقيم المؤسسات الدستورية اللازمة لحياة دستورية وديمقراطية سليمة ومستقرة وتضمن كفالة الحرية للفرد والمجتمع على أن يكون نصف أعضاء هذه الجمعية من الفلاحين والعمال وأن يشرف على انتخابها جهاز قضائى مستقل وأن يتم تشكيل هذه الجمعية الوطنية فى ظرف ستة شهور على الأكثر وأن تكون سلطة السيادة فى هذه الفترة للقيادة الجماعية التى يرأس جلساتها الرئيس المؤقت للجمهورية وتكون قراراتها بأغلبية أعضائها وأن تتولى هذه الجمعية المنتخبة تنفيذ أهداف الثورة حتى يتم الاستقرار على الرئيس الدائم للجمهورية". وقرأ السادات الرسالة ولم تعجبه وقال لعبد اللطيف البغدادى أن التاريخ تجاوز أعضاء مجلس قيادة الثورة لكن هؤلاء أكدوا أنه محكوم عليهم بالالتزام بالشرعية الدستورية وضرورة استمرار نظام ثورة 23 يوليو 1952 على يد واحد من قيادتها والذى أصبح شرعيا نائب الرئيس .. وتوالت التحركات لتنظيم البيت من الدخل وكان أول إجراء فى هذا الصدد هو عقد اجتماع للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى فى الثالث من أكتوبر 1970 وتواصلت الاجتماعات حتى أصدرت اللجنة قرارها بإجماع الآراء على تزكية أنور السادات مرشحا لشغل منصب رئيس الجمهورية واعترض حسين الشافعى على القرار وقال أن السادات صاحب تاريخ مشبوه وتصرفاته قد تضعنا فى مواقف حرجة امام العالم . لكن اللجنة لم تلتفت لرؤية حسين الشافعى وأصدرت بيانا حظرت فيه من عودة أعداء الثورة وفلول الفساد والمؤمرات الخارجية والداخلية وقال البيان " استكمالا للثورة الاشتراكية التى قادها عبد الناصر والتحذير من أن القوى التى أضيرت من الاشتراكية سوف تتحرك وأنه كما تدلنا تجارب الثورات الكبرى فى العالم فلابد ان نتوقع ان بعض بقايا هذه الفئة سوف يحاولون الخروج من زاوية النسيان الذى وضعهم فيه التقدم ليعيدوا التاريخ إلى الوراء .. إن مثل هذه التحركات من جانب البقايا يلتقى فى نغمته وفى سبيله وفى نتائجه مع ما يسعى أعداؤنا من إسرائيل والامبريالية العالمية إليه لأن تفتيت صفوف الشعب وتمزيق صمود جبهته هو هدف إسرائيل والإمبريالية .. إن أى بلبلة أو اضطراب نفسى سوف تعنى انشغال الشعب عن أرضه المحتلة وانشغاله بالخلافات والتمزقات. واستقر قرار اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى على ان يكون اختيار رئيس الجمهورية يجب أن يتم عن طريق الاستفتاء الشعبى باعتباره الطريق الوحيد الذى حدده الدستور وذلك لمواصلة الثورة الذى يقتضى بالضرورة استمرار الحكم الثورى واستقراره . وحسم السادات الموقف وألقى بيانا قاطعا أمام مجلس الأمة وقال" إننى سوف أعتبر ذلك أمرا بالسير على طريق جمال عبد الناصر الذى أعلن أمامكم بشرف أننى سأواصل السير فيه على أية حال" .. وهكذا انتهت ترتيبات انتقال الخلافة فى مصر..