قصر الأمير سعيد حليم باشا تم تشييده منذ 114 سنة ثم تحول إلي مدرسة من خريجيها مصطفى أمين وحسين فهمي ! منذ 10 سنوات تحول إلي " أثر " .. ثم أصبح وكراً لتجارة المخدرات !
على مسافة أمتار قليلة من القنصلية الإيطالية وميدان التحرير، تحديدا في 11 شارع شامبليون بوسط البلد .. يقع أحد أبرز وأجمل التحف الأثرية والتاريخية في مصر ، قصر الأمير سعيد حليم باشا الذي يقف شامخا يئن من إهمال الدولة منذ سنوات طويلة ، تحوطه حديقة متسعة أصبحت "مقلب قمامة " وسور أبلاه الزمن ، ويحده شمالا شارع النبراوي .."الشباب" زارت هذا الكنز المهمل الذي أصبح " خرابة " ! بداية الحكاية الأمير سعيد حليم هو ابن الأمير محمد عبد الحليم ابن محمد علي باشا ، ولد ودرس بالقاهرة قبل أن يسافر إلى سويسرا لاستكمال تعليمه العالي، ومكث بها 5 سنوات، حتى حصل على شهادة فى العلوم السياسية، ثم انتقل إلى إسطنبول سنة 1888 وكان عضوا فى مجلس الدولة، وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز ، ثم عين واليا لمدينة روملي ، وفى نفس السنة تم القبض عليه بتهم لم تثبت عليه فأفرج عنه وعاد إلى مصر، ولكنه سرعان ما انعزل عن الحياة السياسية التركية منذ عام 1890 إلى 1893 ، حتى استدعاه السلطان التركي ليتولى منصب وزير الخارجية ، ثم الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء)، ليحصل على وسام التميز من السلطان العثماني بسبب نجاحاته العسكرية والسياسية والدبلوماسية، وقد كان الأمير يتقن الفارسية والإنجليزية والفرنسية، وله 8 مؤلفات جمعت فى مجلد واحد، يعتبر من أهم المراجع فى دراسة الفكر الإسلامي وتحليل أسباب تفكك الإمبراطورية العثمانية, وقد كان سعيد حلمي من أشد المعارضين لدخول تركيا الحرب العالمية الأولى، وكان صاحب مواقف متشددة ضد الإنجليز؛ مما أدى إلى تقليص سلطاته خلال الحرب العالمية الأولى، وصادرت السلطات الإنجليزية أملاكه في مصر عام 1914 ،باعتباره من رعايا دولة معادية، وكان من بينها قصره في شارع شامبليون، والذي تحول إلى مدرسة في ذلك الحين، وفى سنة 1917 عزل سعيد حليم من منصبه كرئيس لوزراء تركيا، حتى اغتيل في روما عام1921 ، ويعتبر القصر الذي تعود أرضه إلى زينب هانم أخت الخديو إسماعيل ، من القصور الملكية المهمة في القاهرة، وقد بناه الأمير سعيد حليم لتسكنه زوجته عام 1904 ، إلا أنها رفضته واختارت قصراً آخر ، واستغرق البناء 6 سنوات كاملة على يد المهندس الإيطالي انطونيو لاشياك، الذي صمم قصر المنتزه والعمارات الخديوية بشارع عماد الدين والمبني الرئيسي لبنك مصر في شارع محمد فريد .. ومنذ مصادرة الدولة للقصر تم بيعه إلي وزارة المعارف العمومية، ليتحول بعد ذلك إلي مدرسة منذ عام 1934 إلي 2004, أطلق عليها المدرسة الناصرية الابتدائية للبنين، والتي تعد إحدى أعرق المدارس في القاهرة، وكان من خريجيها الصحفيان الشهيران مصطفى أمين وعلي أمين، إضافة إلى الفنان حسين فهمي, والدكتور إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية، ثم آلت ملكيته إلي شاؤول د. مديانو الذي باعه بدوره إلي شركة مساهمة توارثتها أجيال , وحين تم إدراج القصر كأثر منذ عدة سنوات، وبعد إخلاء المدرسة من القصر ظل مغلقا، ونقلت ملكيته إلى رشاد عثمان تاجر الأخشاب والتصدير بالإسكندرية . معمار فريد .. ولكن ! غرف القصر مازالت تحتفظ بجمالها وأصالتها، وقوة بنائها، لكن هذا الجمال تشوهه النوافذ المهشمة نتيجة الإهمال، بينما تفوح رائحة المياه الراكدة والرطوبة بالقبو الموجود أسفل القصر، المصمم على شكل حرف “U” على مساحة 4781 مترا مربعا، وتبلغ مساحة مبانيه فقط 1445مترا، ويتكون القصرمن مبنى رئيسى وجناحين متصلين من خلال شرفات، ويتألف من طابقين، وتحوط القصر حديقة مهملة على مساحة شاسعة بها بعض الحشائش والأشجار التى كانت تزين حديقة القصر، قد انتزعت من جذورها أو قطعت سيقانها ، والأهالي الذين يسكنون بمحيط القصر، لا يعرفون عنه أي معلومات، سوي أنه مكان قديم مهجور ملىء بالقمامة، فيقول " شريف " وهو أحد سكان المنطقة : أتعمد المرور من أمام هذا القصر يوميا، وأنا مهتم جدا بهذا القصر، وخسارة كبيرة هذا الإهمال الذي يتعرض له قصر يعد ثروة قومية ، أما " أم محمود " بائعة في كشك يستند على سور القصر الخلفي فتقول: هو قصر شامبليون الفرنساوي، وهو أثر كان به تحف تم نهبها ! أما " أبو بشير " حارس القصر الأسمر الضخم الجثة فقال لنا : رشاد عثمان هو صاحب القصر، وينوي تحويله إلى مزار سياحي أو متحف، ولا أعرف متي تحديدا، وغير مسموح بدخوله أو تصويره لأنه ملكية خاصة ، إلا أن "الشباب" علمت من أم محمود ومحمد وردة أن حارس القصر يسمح بدخول القصر مقابل مبالغ مالية.
"شيشة" و"ورشة ميكانيكا" في حضرة التاريخ! رغم أن القصر مسجل كأثر بالقرار الوزاري121لسنة2002والموقّع من الوزير السابق فاروق حسني إلا أن ذلك لم يشفع له ، ولم يقو على مقاومة يد الإهمال والتشويه، فقد تحولت جدران القصر من الاتجاهات الأربع إلى حالة من الفوضى، عشرات السيارات "الخردة" تقف أمام أحد أسوار القصر، وكراسي مقهى احتلت أحد الأسوار الأخرى، وعدة "أكشاك" منتشرة على أسواره، وورشة ميكانيكا لصيانة السيارات تحتل جانبا من أحد أسواره، وأكوام من القمامة تحاصر أبوابه المتعددة وتكاد تغلقها تماما، عدا باب واحد يستخدمه حارس القصر للدخول والخروج ، ويستغل زبائن المقهى وسكان المنطقة القصر في لصق الإعلانات والكتابة على جدرانه الخارجية، فضلا عن انتشار العشوائيات حول القصر، وهو ما أفقده بريقه التراثي والمعمارى الكبير ، ومن الداخل طغت رائحة الأتربة على عبق التاريخ، ووجدت فيه الحشرات ملاذا آمنا لها، والأخطر أن القصر في هذه الحال المزرية قد يكون وكرا للخارجين على القانون وتجار المخدرات خصوصاً مع قلة الحراسة واتساع مساحة القصر، الأمر الذى ييسر أن تكون عملية البيع بجواره سهلة وبسيطة خلال فترة الليل ، والغريب وأنت تتجول داخل القصر أنك تجد آثار المدرسة الناصرية متواجدة حتى ذلك الحين، حيث تجد السبورة معلقة على جدارن الحائط فى كل غرفة من غرف القصر، وعليها آثار الطباشير، فضلا عن تدهور حالة الجدران والأسقف والشبابيك والأبواب من الداخل.
عفوا أيها القانون! يشير القانون إلى أن ترك المبنى على الحالة التى أصبح عليها يعد مخالفة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، حيث تنص المادة الأولى من القانون على أنه: "يعد أثرا كل عقار أو منقول متى توافرت فيه الشروط الآتية: أن يكون نتاجا للحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة أو نتاجا للفنون أو العلوم أو الآداب أو الأديان التي قامت على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل مائة عام، أن يكون ذا قيمة أثرية أو فنية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارة المصرية أو غيرها من الحضارات الأخرى التي قامت على أرض مصر، أن يكون الأثر قد أنتج أو نشأ على أرض مصر أو له صلة تاريخية بها" ، كما نصت المادة الرابعة من القانون على أن: "المباني الأثرية، هي تلك التي سجلت بمقتضى قرارات أو أوامر سابقة على العمل بهذا القانون أو التي يصدربتسجيلها قرار باعتبارها أثرا وفقا لأحكام هذا القانون .