وزارة التعليم حولته لمدرسة تخرج فيها مصطفى وعلى أمين.. والحزب الوطنى جعله مخزن «خردة»!! شامبليون.. الاسم الأشهر الذى خلدته الحملة الفرنسية على مصر بسبب كشفه لغز حجر رشيد.. هذا العالم الفرنسى الذى منح الدنيا مفتاح سر التاريخ بقراءة الحضارة الفرعونية.. لم يبق من هذا العالم إلا شارع يقصده أهل القاهرة لإصلاح سياراتهم أو شراء قطع الغيار اللازمة لها.. وقصر به أطلال حضارة وفخامة تختبئ خلف طبقات من الأتربة وأكوام من القمامة وبصمات إهمال زحف عليها فتحول إلى «خرابة» تنعى زمن «الأبهة والعظمة». وسط ضجيج آلات سمكرة السيارات والشحوم، التى تغطى الحوائط والوجوه يقبع ك«عزيز قوم ذل» قصر شامبليون كأنما يلاحقه سوء الحظ، أو كأنه بلغة أهل مصر الشعبيين «اترصد»، فمنذ أن أهداه الأمير سعيد حليم حفيد محمد على باشا الكبير إلى زوجته وكسرت قلب الزوج العاشق برفضه فكأنما حلت به اللعنة وكتب عليه أن يصير خرابة مزرية وأطلال يتباكى عليها المارة فى الشارع ممن يقدرون فنون العمارة الراقية، ولتكتمل لعنة القصر بمحاولات أحد رجال الأعمال الاستيلاء عليه بعد أن «فرطت فيه الجهات المسئولة كعادتها بإلقاء كل ثمين فى الثرى. وهناك مئات الكنوز الأثرية تشهد بذلك. اقتربنا من قصر شامبليون فخرج علينا حارسه الذى أكد لنا أنه الآن ملك أحد رجال الأعمال السكندريين وحذرنا من الاقتراب منه.. لكننا تمكنا من رصد الحالة التى وصل إليها القصر الذى بناه المهندس انطونيو لاشياك فى عام 1895، بعد أن أوكل إليه الأمير سعيد حليم هذه المهمة ليبنى له قصراً على الطراز الأوروبى وسخر له كل الإمكانات ليخرج له بتحفة على غرار القصور الملكية التى بناها فى منطقتى جاردن سيتى ووسط البلد. و«لاشياك» مهندس مشهور فى عصره بروعة مبانيه الشاهدة على عبقريته إلى الآن فى القاهرة والإسكندرية بل أوروبا أيضاً، كما بنى دار الأوبرا فى روما وغيرها. وعلى مساحة 4781 متراً مربعاً، بنى «لاشياك» الهدية القصر على الطراز الأوروبى بجماله الذى فاق خياله والزخارف النباتية والحيوانية والوجوه الأسطورية البارزة التى زينت سقف وجدران القصر - خاصة وجه الإلهة ميدوسا - وعمدانه الضخمة ورخامه بالغ الروعة والندرة، وزجاجه الملون المعشق، وحديقته الكبرى والنافورة الضخمة والتماثيل القيمة المتراصة حوله، وأبدع «لاشياك» فى حفر الخندق، الذى أقيم تحت الأرض ليصل إلى كوبرى قصر النيل، ليستمتع الأمير وزوجته بأخذ مركبه والتنزه فى النيل وقتما يشاء، والقصر ضخم مكوّن من مبنى رئيسى وجناحين يضمان عدداً كبيراً من الغرف، ويربط بينهما سلم ضخم على كلا الجانبين، وفى أعلى القصر يوجد عدد من الغرف المصممة لإقامة الخدم كما كان شائعاً آنذاك.. وكانت الصدمة الكبرى للزوج الرقيق عندما أبدت الزوجة المتمردة استياءها من القصر ورفضت الإقامة فيه، وما كان من الأمير المصدوم إلا ان انتقل للعيش مع زوجته للإقامة فى قصر «عين الحياة» فى حلوان، ثم أجبرته على العيش معها فى القصر الخاص بهم فى تركيا على مضيق البوسفور، والمدهش أن قصر البوسفور كان نسخة من القصر الذى رفضته بالقاهرة. ورغم مرور السنين لم تحل اللعنة عن القصر وساهمت الحكومات المصرية المتتالية فى وصوله الى حالة يرثى لها حتى وقع فى يد مستثمر كبير يشاع أنه سيشترى الشارع كله ويبيعها لمجموعة من المستثمرين العرب تحت أعين الجهات المسئولة الغافلة عن حماية آثار مصر، وهذا ما أكده لنا أصحاب الورش بالشارع والذين أبدى الكثير منهم استياءهم من الإهمال الذى وصل إليه القصر ومحاولات الاستيلاء على الشارع كله وتفريغه من ساكنيه!!! وحكى لنا شخص يدعى محمد صاحب ورشة فى شامبليون أن الأمير سعيد حليم وهب القصر إلى وزارة المعارف التربية والتعليم حالياً والتى حولته إلى مدرسة «الناصرية» بالإضافة إلى عدة مبانٍ أخرى ملحقة به، ومن المدرسة تخرجت شخصيات شهيرة أمثال على أمين ومصطفى أمين وإسماعيل سراج الدين. وما لا يعرفه الكثير أن شارع شامبليون الواقع بين المدخل الرئيس لدار القضاء العالى بشارع 26 يوليو وبين ميدان التحرير. اسمه الحقيقى شارع «وابور المياه» وكانت الماكينات التى تقوم برفع المياه وصبها فى أحواض التحلية من ترعة الإسماعيلية إلى هذا الشارع وكانت تلك الأحواض تحل محل نقابة الصحفيين ودار القضاء العالى فى شارع 26 يوليو. وفى عام 1923 قرر مجلس تنظيم العاصمة إلغاء هذا الاسم وتسميته بشارع شامبليون وظل القصر محتفظاً باسم قصر سعيد حليم باشا حتى وأن تقرر إلغاء هذا الاسم وتسميته بشارع شامبليون. فعرف بقصر شامبليون الذى جار عليه الزمان، فبرغم التماثيل والزخارف الموجودة على جدران القصر، والتى ما زالت تحتفظ بنقوشها ودقتها حتى الآن، إلا أنّ جزءاً كبيراً من تلك التماثيل والزخارف قد سقط بفعل الإهمال على مرأى ومسمع من الجهات المعنية سواء كانت وزارة الآثار أو الحكومة بجهاتها المختلفة. إلا أن جدرانه ما زالت شاهدة على المراحل التى مر بها وحتى استيلاء الحزب الوطنى الزائل عليه وتحويله إلى مخزن قبل أن ينحل بحكم قضائى إلى أن ظهر رجل أعمال سكندرى مدعياً ملكيته القصر وشرائه من ورثة الأمير سعيد حليم ليجهض حلم تحويل القصر إلى متحف يحكى تاريخ القاهرة. وحكى شخص آخر من سكان شارع شامبليون رفض ذكر اسمه أن القصر عليه نزاعات كثيرة، فالمالك الجديد يقول إن معه حكم محكمة صادراً عام 2009 بينما تؤكد الآثار أن لها حق حمايته حتى لو كان مملوكاً لأحد.. لكن الآثار ليس لديها إمكانات ترميمه ومالك القصر الجديد لا يهتم بإصلاحه حتى انهارت أجزاء منه. والباقى فى طريقه إلى الانهيار.