"يا أرض احفظي ما عليكي" .. "ما تيجي ونجيب مليجي" .. عبارتان تلخصان الموقف كله، وتبرزان الفرق الشاسع بين زمنين، الأول كانت فيه المعاكسات مرفوضة اجتماعيا رغم أنها لا تتعدي " الغزل العفيف"، أو كما كان يقول توفيق الدقن في فيلم "ابن حميدو" زمان (صلاة النبي أحسن)، ومجرد نظرة ولهانة وعبارات من شاكلة "أنا عبدك ومحسوبك والنبي"، "أنا خلاص دبت ومت في حبك"، "مافيش كده أبدا لطف وجمال وانسانية"، وإذا كان اللقاء في حفل خاص يقترب منها بذوق ويبتسم قائلا:"بونجور يا هانم" ، أو حتى إذا كان من منطقة شعبية .. فإن أقصي ما يمكنه ترديد عبارة عبد الفتاح القصري في وسط الحارة "يا صفايح الزبدة السايحة.. يا براميل القشطة النايحة" ، ووسط كل ذلك كان هناك مارة محترمون معروفين ب "الشهامة" للدفاع عن أي بنت إذا ضايقتها المعاكسة، لكن الآن .. العبارات تفوح منها رائحة التحرش اللفظي والألفاظ البذيئة وإيحاءات "قلة الأدب"، بل وامتد الأمر إلى التحرش الجسدي أحيانا، وقديما كان المجتمع ينهر من يقوم بتلك المضايقات للفتيات ويقول له "شوفلك شغلانة تعملها يا بتاع البنات.. تقبل كده على أختك؟"، أما اليوم فإن الوقوف أمام الخطأ يحتاج لمبادرات وقوانين .. وغالباً يرمون بالمسئولية علي الفتاة نفسها وملابسها أو طريقة مشيتها ، ولكي نقترب أكثر تكلمنا مع نموذجين لجيلين مختلفين تماماً بينهما 60 عاماً .. في البداية يقول عبد الغفار السماحي موجه لغة عربية 70 سنة :إن المعاكسة قديما كانت تتم في إطار الإعجاب ، وكانت الأحياء الشعبية تقبل "الخفيف" منها فقط، بينما الناس "الهاي كلاس" يرفضونها ويعتبرونها خروجا على اللياقة ، أما التحرش الآن فيعبر عن رغبات مكبوتة وانحرافات مجتمعية، والفتى والفتاة والمجتمع ككل مسئولون عن ضياع الأخلاق، خاصة أننا حالياً نسمع ايضاً عن تحرش الفتيات بالأولاد ، ولابد من تفعيل أدوار القوى الناعمة للتربية الأسرية والمؤسسات التعليمية والدعوة الدينية والإعلام لعلاج هذه المشكلة، ثم اللجوء إلى القوى العقابية والحلول الأمنية. ومن جانبها تشير سارة فوزي -22 سنة- إلى أن أسوأ الصفات الأخلاقية التي طرأت على مجتمعنا هي التحرش الجنسي واللفظي، وأكدت أن المعاكسة والتحرش يختلفان عن المجاملة التي تقوم على ألفاظ وأسلوب معين محترم وغير خادش للحياء، أما التحرش فيقوم على ألفاظ وإيحاءات جنسية مرفوضة، وعموما ترفض البنات مجرد المجاملة من شاب لا تعرفه، وعلى كل فتاة تتعرض لذلك أن تتجاهله تماما، وللأسف لا تجد الفتيات من يدافع عنهن ويتصدى للمتحرش، وتضيف :أرى أن التحرش من الفتى أو الفتاة "قلة أدب" وفعل إيذاء أكثر منه تسالي أو مزاح ، وهو مسئولية المجتمع ككل، وليست ملابس الفتاة هي السبب الوحيد، لأن هناك فتيات منتقبات يتعرضن للتحرش، فالسبب الحقيقي لذلك هو سوء التربية، وتصوير الفتاة على أنها أداة جنسية، وأنها أضعف من الفتى وأنه من حقه أن يفعل ما يحلو له بها، وكذلك بسبب غياب القانون في مكافحة هذه الظاهرة، والتربية لابد من أن تقوم على المساواة بين الفتى والفتاة، وأن يتعلم كل فتى أن أي فتاة "زي أخته".