لو حبينا نعمل مقارنة بين المعاكسات أيام زمان والمعاكسات دلوقتي، تفتكر شكلها هيكون عامل إزاي؟!، والمقارنة دي هتكون بناء علي إيه؟، تخيل كده، أقصد عناصرها.. شكل المعاكسة.. الأسلوب.. الألفاظ المستخدمة، وهكذا. بص سيبك من كل ده وتعالي ارجع بيك بالزمن لورا شوية عشان أعيشك معايا مشهد حي في إحدي الحارات الشعبية. - عندما تداعب شمس الصباح باب منزلها الخشبي فتظهر نقشاته بشكل أجمل من المعتاد يبعث التفاؤل في نفس كل من ينظر إليه.. تخرج بخطوات متراقصه، تحث خلخالها الذهبي علي إصدار أنين ضحكاته معبرا لها عن سعادته الغامرة لاصطفائها له عن باقي نظائره كي يحظي بتزيين قدميها، فتمر من أمام دكانه قديمه يعلوها لوحه مكتوب عليها بخط مزرقش "جزارة الجمهورية" تحتها يقف صاحبها ذا الكرش المنتفخ الذي يبدو وكأنه قد بلع بطيخة كاملة للتو، فيعلو بصوته محاولا تقليد توفيق الدقن في فيلم "ابن حميدو" (صلاة النبي أحسن) فيصل صوته ليسمعه المارون أقصي الميدان، حينها كانت تشعر الفتاه بالآمان طالما هذا الصنف من الرجال موجود في الحاره. تمر الفتاه أمام المقهي الصادر من مذياعه ذو الصندوق الخشبي صوت محمد الحلو وهو يدنن متفائلا "يا حلو صبح، يا حلو طل" فيداعبها صبي القهوجي الذي يتراقص مع نغمات الأغنيه وهو ينثر المياه أمام المقهي ويقول لها: "أنا عبدك ومحسوبك والنبي"، ثم يهمس شاب ثانوي لصديقه الجالس أمامه "أنا خلاص دبت ومت في حبك" فيرد صديقه "مافيش كده أبد لطف وجمال وانسانيه". ترفع عينيها لاستراق النظر إلي الشاب القادم نحوها حاملا حقيبته الجلدية، المهندس عبد القادر ابن الجيران فيبتسم في وجهها وهو يقول "صباح الورد يا أحلي ورده" وهكذا يظل يتعدد أمامها من قصائد الغزل في جمالها إلي أن تصل إلي أحد المصالح الحكومية، فيقوم باستقبالها محسن افندي مرتديا بدلته التي يغطي ياقتها بمنديله الابيض فيبتسم لها قائلا "بونجور يا هانم". كانت الفتاه حينها لا تستمع إلي مجرد معاكسات، بل كانت تستمع إلي شعر كتب فيها للتو، ولا شئ يثير اندهاشي أكثر من المعاكسات التي كنا نشاهدها في أفلامنا القديمة، عندما تمر ساميه جمال وهي تتلوي في مشيتها أمام عبد الفتاح القصري في وسط الحاره، فيقول لها: "يا صفايح الزبده السايح.. يا براميل القشطة النايحه" و"يا أرض احفظي ما عليكي" فكان هذا بالنسبه للفتاة مدح أكثر من كونه معاكسة، حتي أغاني الغزل القديمة، فكانت تشعر الفتاه بنوع من الذوق والدفئ.. فلا أروع من المطرب الشعبي حجازي متقال وهو يقول بكل بساطة: "وأنا أعمل إيه.. البت بيضة بيضة بيضة". تطور بنا الحال جيلا عقب جيل، وكل جيل مستوي أخلاقه وثقافته وتحضره ينعكس علي شكل معاكسته وطريقة تعبيره عن اعجابه بالفتاة، إلي أن وصلنا الي مرحلة ما قبل الخطر.. جيل التمانينات والتسعينات، وأقل ما يقال في حق هذا الجيل إنه كان عامل دماغ رباني، لأن كان ليهم طقوس غريبة جدا في موضوع المعاكسة ده بالذات، فكانت البنت عندهم تصنف من حيث الشكل والحجم والشكل والمستوي الثقافي والإجتماعي، واستايل اللبس والماكياج، فكانو يحاولون بكل جهدهم علي أن ينتقوا كلامهم المناسب لحالة الفتاه التي أمامهم، وكان الأغرب عندهم التصنيف حسب مجال الدراسة، فتلاقي الشباب وقتها لما يجي يعاكس طالبة في كلية الطب، فتعابيره لا يجب أن تخرج عن مجال دراستها فيقول لها "شرحتي قلبي، عيونك جابولي قرحه، اااه يا نبضات قلبي". ولما يجي يعاكس طالبه في كلية الحقوق، فأفضل ما يقال لها "خطواتك دستور، حبك دخلني السجن، انتي جناية عمري، وجنحة حياتي". أما طالبة كلية جولوجيا "انتي زلزال هز كياني، بركان في قلبي، مشيتك إعصار ضربني". جيل يستحق لقب فنان بكل ما يحمل هذا اللقب من معان، لابس تي شيرت عمرو دياب، وقميص إيهاب توفيق، ورافع بنطلونه، وضارب شعره أصفر أكسيد، وماشي يتبع البنت لحد باب بيتها عشان يحسسها بالأمان.. حونين حضرته. أما في وقتنا هذا فأعتذر لعدم قدرة قلمي علي توضيح الصورة التي أردت أن اوضحها من خلاله، ولكن دعونا لنري هذا المشهد سويا، عل وسعي أن يكون أقرب إلي واقعنا اليومي. - تخرج من باب بيتها بخطوات تشبه عسكري الدورية أثناء أدائه خدمته اليومية، لتري صديقتها التي كانت تنتظرها تحت باب المنزل، جالسه تبكي علي أحد الأرصفه المقابله لمنزلها، فتجري نحوها مسرعة، لتسألها عن سبب بكائها لتفاجئ بأن ضايقها أحد شبان الحي، فتواسيها ليكملا طريقهما معا مارين بجزارة الجمهورية، بعد أن تغير اسم هذا المكان وكل تفاصيله، لنري لافته جديده كتب عليها "جزارة سيف النصر" وتحتها يقف حفيد المعلم رافعا أرجل بنطاله، فاتحا لقميص صدره، وبصوته الأجش يقول لهم: "كنتوا فين يا خرفان لما كنا جزارين". تبتلع الفتاتان هذا الكلام وتمران كأن لم يسمعن شيئا، فقد تعودن علي مثل هذه الإهانات اليومية. يكملن طريقهما مارين بنفس القهوه الصادر من داخلها صوت الثنائي أوكا وأورتيجا "مش هرووووح" يعلوها ضحكات أحد الشباب الجالس مع صديقه يتحادثان في أوضاع البلد الحالية وهو يقول لها: "أخبار المجلس العسكري إيه يا مدرعة"؟. ترفع الفتاه عينيها وتفتحهما علي اتساعهما في اندهاش، لتري من صاحبي اليد الذي تطاول ولمس جسدها من الخلف، لتخلع حذائها وتهوي بكعبه علي دماغ هذا المتحرش وهي تلعن سنسفيل أبائه. بعدها يأخذان طريق العودة إلي منازلهما بعدما اتخذا قرارهن بعدم قضاء مشوارهما لتفادي الكثير والكثير من التحرش والمعاكسات. زمان كانت المعاكسة تسعد الفتاه فهي لا تزيد عن كونها مجاملة أو إعجابا من الطرف الاخر، أما الآن وصلت المعاكسات إلي حد يصيب بالدهشه لما وصلت إليه الاخلاق من تدني، لدرجة أن المعاكسة بقت تنتهي إلي التحرش وأحيانا الإغتصاب. زمان يتدخل الساده المحترمون المارون بالشارع ممن لديهم ما يسمي "بالشهامة" للدفاع عن أي بنت بتتعاكس، أما دلوقتي يطنش الساده المحترمون المارون بالشارع ممن لا يعرفون شيئا عن الشهامة تجنبا للمشاكل والخناقات. زمان كانت المعاكسة ذات اتجاه واحد فقط، وهو معاكسة الشباب للبنات، دلوقتي أصبحت البنات أكثر تطورا، وبدأن بمعاكسة الشباب تطبيقا لمبدأ المساواه في المجتمع.