يبدو أن جائزة نوبل للآداب ستظل بعيدة عن طموحات الأدب العربي رغم مرور سنوات طويلة على فوز الأديب العالمي نجيب محفوظ بالجائزة عام 1988، وفي كل عام في التوقيت الذي تُمنح فيه الجائزة يتجدد الشجن لدى الكتاب المصريين والعرب ممن قدموا إنتاجا أدبيا كبيرا ولكن دون جدوى، حيث تثار الشكوك حول عدم موضوعية المؤسسة المانحة للجائزة وتحيزها ضد الأدب العربى، لكن البحث فى أصول هذه المشكلة يكشف عن جوانب كثيرة غائبة خاصة عندما نقارن بين ما قدمه الأديب الفرنسى باتريك موديانو الفائز بالجائزة هذا العام وبين ما قدمه الأدباء العرب الذين سعوا للمنافسة .. فى البداية نجد أن باتريك موديانو كتب حتى الآن حوالي أربعين رواية طويلة وقصة، وهو إنتاج ضخم يضاهم ما قدمه الأديب العالمى نجيب محفوظ ، واستطاع منذ الرواية الأولى التي نشرت له عام 1968 أن يثير انتباه النقاد الذين صاروا يتابعونه بشغف، وتجاوز حجم النسخ المطبوعة من كل رواية أكثر من ثمانين ألف نسخة وفي كثير من الأحيان يتجاوز المائة ألف. وكان من مواقفه الشهيرة أنه رفض التعيين في الأكاديمية الفرنسية أو ما تعرف ب (الأكاديمي فرانسيز) والتي شغل عضويتها معظم كبار مفكرى فرنسا وعلى رأسهم فيكتور هوجو وأندريه جيد وغيرهما، وذلك نظراً لعدم شعوره بالارتياح تجاه الشهرة .. وسبق أن فاز عام 1978 بجائزة جونكور الفرنسية المرموقة عن كتابه "Missing Person" أو "شخص مفقود". ومما يذكر أنه استوحى أعماله من فترة الاحتلال النازي لفرنسا وكتب الكثير من الأعمال التى جسدت فترة الحرب العالمية الثانية. ويصف بعض النقاد العرب، تعليقا على فوز موديانو، أنه شخص قليل الشهرة والنجومية ولكنه سعيد الحظ للغاية، حيث كان يستحق الجائزة العشرات من الكتاب الذين تم ترشيحهم هذا العام لكن الجائزة أخطأتهم . ومما يذكر أن العشرات أيضا من الكتاب المصريين قد تم ترشيحهم مرات عديدة للجائزة وكان على رأس المرشحين عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والشاعر أحمد شوقي، ولكن الجائزة لم تتوقف عندهما، وسبق أن ترشح لها أيضا توفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهم من عظماء الأدب والفكر والثقافة العربية فى القرن العشرين.. فى هذا الشأن يقول الناقد الأدبى محمد عبد الحليم: إن نوبل يمكن أن توصف ب "الكذبة الكبيرة" حيث تجاوزت كبار الكتاب والمفكرين وذهبت فى كثير من الأحيان لمغمورين، فالمشكلة أن هناك دائما من يستحق الجائزة عن جدراة ومع ذلك يظل حتى وفاته يتوق إليها، وفى هذا العام رٌشِح للجائزة إثنان من الأدباء العرب وهما الشاعر السورى الذى يكتب بالفرنسية "أدونيس" وهو المرشح الأزلى لنوبل وأديبة أخرى تدعى آسيا جبار وهى روائية جزائرية تتصدى أعمالها لمناقشة قضايا المرأة وتكتب بالفرنسية أيضا، وغابت عن الترشح أسماء ذات ثقل أدبى وفكرى عربي كبير مثل الروائي السوري حنا مينا، والشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف، وليس من الانصاف أن نتهم الإكاديمية السويدية المانحة للجائزة بالتحيز خاصة أن لدينا عدة نماذج مصرية حصلت على نوبل فى السلام والأداب والكيمياء، ولكن الجائزة لها متطلبات أخرى منها مثلا كثافة الأعمال ووجود عالم خاص للأديب يخلق من خلاله نماذج وشخصيات كأنها تعيش بيننا إلى جانب وجود رؤية ورسالة وتأثير وحضور محلى وعالمى، وهذا لا يتوافر فى عدد كبير من الأدباء المصريين المعاصرين فهناك من توقف إنتاجه عند روايتين أو ثلاث فقط ، ويلاحظ أحيانا أن النجومية تحجب التأثير أو الموهبة الحقيقية لصاحبها ولذلك لا نندهش من غياب نوبل عن الساحة الأدبية العربية بعد نجيب محفوظ. ومن جانبه يشير محمود حامد عبد الله- كاتب وناقد-إلى أن نوبل لم تمنح للكاتب الروسى العظيم تولستوى صاحب ملحمة الحرب والسلام، وأنا كارنينا، والبعث.. والذي يُقرأ حتى يومنا هذا، فى حين رفض تسلم الجائزة الأديب الإنجليزى الأشهر جورج برنارد شو والفيلسوف الفرنسى سارتر، وأغفلت الجائزة عن مفكرين وكتاب عظماء شديدي الموهبة والتأثير والحضور، إذن هى مشكلة عالمية وليست محلية ولا أعتقد أن هناك تحيزا ضد الأدب العربى، وحاليا فى مصر نجد ان هناك بعض الأدباء ممن قد يستحقون نوبل ولكن المنافسة ليست فى صالحهم دائما عندما نقارن حجم ما قدموه بحجم ما قدمه الأدباء من دول أخرى على رأسها امريكا والصين والهند وإنجلترا وأمريكا اللاتينية، أما جيل الشباب فيلاحظ دائما غياب الرؤية والعالم الخاص للكاتب، فنجد مثلا أن كاتبا شابا أبدع عدة روايات متفرقة عن بعضها فلا توجد رسالة او رؤية واضحة، أيضا هناك غياب كامل لعنصر اللغة فى الكتابة الأدبية المعاصرة، فاللغة غير مبتكرة وتقليدية، والمعانى المنقولة بعيدة عن التجديد والابداع، ولذلك كان جيل نجيب محفوظ هو الأقرب للفوز بجائزة نوبل وأخطأت الجائزة كتابا كبارا كانوا على مستوى المنافسة العالمية.