منذ أن حاز الكاتب الكبير نجيب محفوظ لقباً عالمياً بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988، اتجهت أنظار الكتاب العرب لهذه الجائزة بعدما شعروا أن الحلم بها لم يعد مستحيلاً وأنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى وأصبح اقتراب موعد إعلان الجائزة كل عام موعداً للتكهنات التى تجلب الإثارة للمثقفين وعشاق الأدب في العالم العربي، والذين كثيرا ما رشحوا الشاعر السوري أدونيس والكاتبة الجزائرية آسيا جبار للجائزة، ومرت السنون وكل مرشحينا نحن العرب ما زالوا مرشحين، فهم مرشحون دائمون على طاولة نوبل لكنهم فقط مرشحون ولا يفوزون أبداً. تأكد هذا بعدما أعلنت الأكاديمية السويدية في بيان لها فوز الكاتب الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب هذا العام، وذكرت أن موديانو كرم بفضل «فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر عصيانا على الفهم وكشف عالم الاحتلال». موديانو مولود في 30 يوليو عام 1945، من أب ذي جذور إيطالية وأم بلجيكية، كتب العديد من الروايات، حمل بعضها مأساة طفولته ومراهقاته، كما نقل مشاهد العديد من المصائر الإنسانية وحاز على العديد من الجوائز الأوروبية في مجال الرواية، أصدر أولى رواياته عام 1968، بعد لقائه الكاتب كينو الذي شكل مفصلاً مهماً في مسيرته الأدبية، ومنذ ذلك التاريخ تفرغ موديانو للكتابة، ولم يترجم العديد من رواياته إلى الإنجليزية او العربية، بسبب ما اعتبر اتسامها ب «إشكاليات سياسية» وتمحورت معظم أعماله حول باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مع وصف لتداعيات أحداث مأساوية على مصائر أشخاص عاديين، وكان موديانو البالغ من العمر 69 عاما تركزت معظم أعماله على حقبة الحرب العالمية الثانية وأربعينيات القرن الماضي، وحازت روايته «شخص مفقود» جائزة غونكور الفرنسية عام 1978، وفاز عام 2012 بجائزة الدولة النمساوية للأدب الأجنبي، واكد القائمون على الجائزة أن شهرة موديانو تتركز في فرنسا، وأنه ليس معروفا في أوساط القراء الناطقين بالإنجليزية بسبب قلة كتبه التي ترجمت إلى الإنجليزية. وتبلغ قيمة الجائزة التي يحصل عليها في العادة كاتب على قيد الحياة 1.1 مليون دولار أمريكي، وكان ممن حصلوا على الجائزة في سنوات سابقة الروائي المصري نجيب محفوظ والأمريكي إرنست هيمينغواي والإفريقية الأمريكية توني موريسون والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، بينما رفضها الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر. توجهنا للكاتب و المترجم الكبير الدكتور بدرالدين عرودكي نسأله رأيه فى فوز الكاتب الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب لهذا العام باعتباره من أهم المترجمين عن الأدب الفرنسى وأحد المتابعين الجيدين له، فقال عرودكي: كان يمكن لعدد كبير من الأدباء الفرنسيين وغير الفرنسيين أن ينالوا جائزة نوبل. ومعظم الأسماء التي قيل إنها كانت مرشحة لنيل الجائزة هذا العام كانت جديرة بها. لكن هناك اعتبارات عديدة أظنها تلعب دوراً حاسماً في اختيار الكاتب كل عام بصرف النظر بالطبع عن الاعتبارات السياسية التي يمكن أن يكون لها دور ما لكن ذلك لا يعني أن معايير الحكم يمكن أن تتجاوز الاعتبارات الفنية والأدبية والثقافية. ولو أننا أمعنا النظر ملياً في الميزات التي توافرت في مبدعات باتريك موديانو الروائية حتى ينال هذه الجائزة لوجدنا أنها يمكن أن تنطبق على مبدعات كافة من سبقه ممن نالوها قبله منذ أن بدأت في الوجود عام 1901. و يضيف عرودكي: كتب باتريك موديانو حتى الآن حوالي أربعين رواية. واستطاع منذ الرواية الأولى التي نشرت له عام 1968 أن يثير انتباه لا النقاد فحسب بل الجمهور العريض الذي صار يتابعه رواية بعد رواية إلى درجة أن عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب له لا يقل عن ثمانين ألف نسخة وفي كثير من الأحيان يتجاوز المائة ألف. بعد أربع سنوات من نشره أول رواية له، أي في عام 1972، نال جائزة الأكاديمية الفرنسية. ثم نال في عام 1978 جائزة جونكور. ثم منح عام 1996 الجائزة القومية الكبرى للآداب عن مجموع أعماله حتى ذلك الحين. لا تحصى الكتابات النقدية التي تناولت رواياته بالتحليل والدراسة والتي تُجمِعُ جميعها على أصالة أسلوب الكاتب وعلى الإعجاب بصياغاته وبعالمه الروائي وبطريقة نسج خيوط وبنى هذا العالم الذي استمده من طفولته وتاريخه الشخصي الحميمي ومن خياله الخصب بالكيفية التي مزج بها ذلك كله بطريقة مبتكرة ومثيرة. ذلك كله جعل من باتريك موديانو أحد أهم الروائيين الفرنسيين في وقتنا الحاضر. يتلقاه جمهوره كما لو كان على موعد دوري معه لا باللغة الفرنسية فحسب بل في ستة وثلاثين لغة حول العالم.. ومن ثم فإذا اعتبرنا أن عناصر نجاح كاتب ما تتجسد أولاً في أهميته كمبدع على صعيد التخييل وثانياً في جدة العالم الذي يبدعه وفي اللغة المبتكرة التي يستخدمها للتعبير عنه، وثالثاً في أهميته وشهرته لدى جمهور واسع من القراء في بلده، ورابعاً في اعتراف المؤسسات الثقافية الأهلية خصوصاً به كاتباً ومبدعاً، وهي عناصر متوفرة كلها في باتريك موديانو، مثلما هي متوفرة في جميع من حمل جائزة نوبل قبله من الأدباء، أدركنا سبب منح الجائزة هذا العام لباتريك موديانو. لكني أود أن أسترعي الانتباه إلى أن علينا ألا نعتبر جائزة نوبل اعترافاً لا بد منه كي يتم تكريم الكاتب عالمياً. ما أكثر الكتاب الكبار الذين لم يحظوا بهذه الجائزة ولم ينل ذلك لا من أهميتهم ولا من أهمية مبدعاتهم. ولكن يظل السؤال، لماذا تغفل المحافل الثقافية الدولية الإبداع العربى وفى هذا قال الشاعر الكبير فريد أبو سعدة أن دونيس قامة كبيرة فى الشعر العربى، وهو قامة وقيمة لأنه استأنس بعض جماليات الشعر الاوربى، ونقل الينا كثيرا من الروئ والوعى الجمالى، مما ساهم فى الحداثة والحساسية الجديدة فى الشعر العربى، لكن كل ذلك تم بنكهة فرنسية، ولم يدخل ثقافة ومخيلة الشرق الى قصيدته، اى انه ظل الى حد كبير شاعرا غربيا، ولذا أظن أنه لم يكن فاتكا أو فائقا لمن قرأه فى الغرب، ولم يقدم عالمه كما فعل نجيب محفوظ، كنت أرى أن نزار أو درويش أحق، فقد فعلا بالشعر ما لم يفعله أحد خلال قرن، تماما كما أن تقلب الجورب!! الروائية والكاتبة منى الشيمى كان لها رأى لا تنقصه الجرأة التى عرفت عنها فتقول: كلما فازت شخصية غربية بجائزة نوبل تتعالى أصوات متسائلة؛ لم لا يفوز عربي بها، وأصوات أخرى تخوّن من فاز بها وتصفه بصفات العمالة وازدراء الأديان.. وإلخ، كما وصموا نجيب محفوظ عندما فاز بها وقالوا: «ما فاز بها إلا لأنه كتب روايته أولاد حارتنا» متغافلين عن المنجز الإبداعي الآخر الذي عكف على كتابته سنوات، والذي شهد بنبوغه القاصي والداني. لا أتصور أن مؤسسة «نوبل» تسخر نفسها لمكافأة المعادين للعرب والمسلمين، لأننا ببساطة أكثر من عادينا أنفسنا، وخلقنا من قام بتدميرنا من الداخل، بل وساعدناه بحالة اللاوعي والجهل التي فطرنا عليها، ووصلنا إلى حالة لا تخيف أحدا، وصار الإسلام بتصرفاتنا وفتاوى شيوخنا وهمجيتنا في نظر العالم كله شيئا بغيضا مرتبطا بكل ما هو إرهابي وإجرامي.. فلماذا لم تنصرف المؤسسة عنا ونحن مجرد جيفة تنهشها الغربان؟ المشكلة التي قد لا ينتبه إليها المشككون أن الجائزة عالمية، وهي لا تمنح لجنسية، بل لمنجز شخصي، والمرشحون لنيلها متفرقون على كل البسيطة، اختيار شخص واحد يعني استبعاد الآخرين، لماذا لا نتعامل مع الأمر بموضوعية أكثر ونعترف أن الفائز تفوق إبداعيا على مرشحينا العرب، لقد ظهرت أمس أصوات تؤكد أن الكاتب الفرنسي باتريك موديانو الفائز بالجائزة كاتب تافه لا تستحق كتابته الجائزة، قبل أن تقيم هذه الأصوات إنتاجه، خاصة أنه غير معروف في عالمنا العربي، ولم تترجم أعماله بعد. نحن عادة نهاجم الشخص قبل معرفته، ونصدر أحكاما في المطلق، ونرسخ لنزعة تريحنا من الداخل « نحن متفوقون جدا لكن الغرب الكافر يهاجمنا.. لا يريد تفوقنا.. يخاف منا» ولا نفكر أبدا في الاشتغال على فكرنا واستبعاد ما بلي منه وما تعفن وما جار عليه الزمن. وتضيف الشيمى: بالنظر لتجارب من فازوا في نوبل في الأدب، جونتر جراس، جارثيا ماركيز، أليس مونرو، نجيب محفوظ، هي جائزة تمنح لمن كتب تجربة تعبر عن واقعه وبيئته بصدق فنى عال تكاد معه لا تشعر بأن المكتوب مجرد مكتوب، بل حياة وشخوص تتحرك وتجربة يستفاد منها، دون التقيد بمسلمات أو مقدسات، إطلاق الفكر من عقاله، ترك حصان الخيال الجامع لينطلق، الاشتغال على اللغة البكر، دون إغفال المتعة المرجوة، وهذه هي رسالة الأدب من وجهة نظري، وكما قلت كثيرا الأدب لا يتم الحكم عليه من منظور أخلاقي أو ديني كما بات يتم تقييمه في العالم العربي، وظهور مصطلح « الأدب الملتزم» ثم تضحك الشيمى مسترسلة، نحن العرب مشغولون منذ البدء وحتى الآن بالدقة في وضع أسماء الخراء، وتفصيل أنواعها تبعا لصاحب الخرية، خمسة عشر اسما للخراء عكف «الثعالبي» على دراستها. الخراء إذا كان صاحبها إنسانا والروث والبعر والثلط والجعفر والصموم، حتى الذباب أطلقوا اسم النيم على إخراجه، والآن عدنا لتكريس ما كان مكرسا من فتاوى، واستنباط فتاوى جديدة أكثر إدهاشا. مشغولون بفتح أسواق للجواري، ونكاح الجهاد. والتفنن في ذبح البني آدم بطرق جديدة! أما الروائية الدكتورة رشا سمير فلها وجهة نظر مختلفة فى الأمر، فهى ترى أنه على مر سنوات طويلة ومنذ أن تم استحداث فرع نوبل للأدب عام 1901 ليكون ضمن الجوائز الممنوحة فى نوبل.. أصبحت أعين الكتاب على تلك الجائزة الأكثر شهرة والأقوى بين الجوائز الأدبية.. والتى لم يفز بها عربيا سوى الأديب المصرى نجيب محفوظ عام 1988.. ولكن ظلت الجائزة مقصورة على الأدباء والكتاب الغربيين خلال النصف الأول من القرن العشرين، حتى كان الروائي النيجيري وليه سوينكا أول أديب إفريقي يفوز بها وقد كان ذلك عام 1986. وعلى الرغم من تجاهل الكثيرين من أعظم أدباء العصر فى حيثيات لم يفهمها سوى العاملين على تقييم الأعمال، فقد ظلت جائزة نوبل للأدب مطمح غالبية أدباء العالم حتى اليوم، ولكن لم يفز بها سوى الأدباء المرموقين مثل جابرييل جارسيا ماركيز وارنست هيمنجواي والكسندر صولجنيتسن وصامويل بيكيت ونجيب محفوظ. وتضيف سمير: في الأعوام ال 15 الماضية، رُشح عدد من الأدباء العرب الذين يكتبون بغير العربية لجائزة نوبل، كالشاعر السوري أدونيس الذي يكتب بالفرنسية، والكاتب الصومالي نور الدين فرح الذي يكتب بالإنجليزية، والروائية الجزائرية آسيا جبار التي تكتب باللغة الفرنسية، إلا أن حصول هؤلاء المثقفين على الجائزة لا يعتبر تكريمًا للأدب العربي لأنهم لا يكتبون باللغة العربية ولكنهم يحملون الجنسيات العربية فقط..مما يشير إلى مؤامرة بحق ضد لغة الضاد..لغة القرآن.. الحقيقة أن الأدب العربي سواء أدب رجالى أو نسائي كان ولازال زاخرا بالنماذج الأدبية الرائعة التى تستحق الترشيح بل والفوز بتلك الجائزة ولكن الحقيقة العارية أن تلك الجائزة تخضع لمحاولات التسيس الدائمة. وهناك على ما يبدو دائما من الغرب محاولات لتشويه صورة الشرق، أو دعونا نكون أكثر إنصافا فنقول أنها محاولات للتقليل من شأن ظهور العرب وتميزهم على الساحة الأدبية، أو الإصرار على اختيارهم وفقا لمقاييس غربية بحتة غير منصفة. فالغرب بكل أسف لازال يتعامل مع الشرق الأوسط من منطلق المستعمر الغازى الذى يجب أن تكون له اليد العليا فى كل شىء. لاشك أننا نمتلك نماذج مشرفة من الأدباء تستطيع بكل إنصاف أن تقف على قدم المساواة مع الكثيرين من الأدباء الغربيين الذين نالوا تلك الجائزة. بالطبع كان فوز أديبنا العظيم نجيب محفوظ بتلك الجائزة شرف عظيم لكل مصرى وتكريم رائع لمشوار أديبنا الطويل الذى بدأه من الجمالية وحتى توج بلقب الأديب العالمى، ولكن فى واقع الأمر أن حيثيات فوز نجيب محفوظ بالجائزة كانت عن مُجمل أعماله ومشواره الأدبي الطويل ولكن الحيثيات أخصت بالذكر أربع روايات كانت واحدة منها رواية (أولاد حارتنا)، التى تم الاعتراض عليها من قبل الأزهر الشريف بل والتى أقامت عليه الجماعات الإسلامية بسببها الحد، وانتهى الأمر بمحاولة اغتياله على يد أحد أبنائها. فالرواية تتناول قصة حياة الجبلاوى الذى قيل إنه يشير إلى الله سبحانه وتعالى وتتوالى قصص الأنبياء وكأنهم أولاد الحارة، فى حكاية تروى مدى جبروت الجبلاوى وتسلطه فى التحكم بمصير أبناء تلك الحارة!.. رواية أثارت علامات الاستفهام ولكن أنكر محفوظ ما فسره النقاد، وأصر على أنها رواية أدبية من واقع خيال بحت، لكن على ما يبدو أن فوزه بجائزة نوبل جاء كإصبع اتهام يؤكد على نوايا الغرب المستترة نحو منح أديب عربي تلك الجائزة لأول مرة.. والتى أصبحت فيما بعد مؤكدة بعد فوز توكل كرمان وغيرها. وتؤكد سمير أنه يجب هنا أن تقع على عاتق الجوائز العربية مهمة تكريم الأدباء العرب وتكريم فقط من يستحقون التكريم لأن هناك أعمالا عربية كتبها أدباء موهوبون بحق، وفرق كبير بين الأدب الحقيقي والأكثر مبيعا.. فالأديب الذى يقدم عملا يحمل معنى وقيمة وحبكة قصصية، ذاك هو الأديب بحق.. أما الأدباء الأكثر مبيعا الذين يعيشون على اقتباس الروايات والعمل فى ورشات جماعية، فهؤلاء أتمنى أن يتم استبعادهم من الجوائز الكبيرة مثل جائزة البوكر العربية على سبيل المثال وليس الحصر، ولكن المؤسف، حقا أن هناك جانباً من المجاملات والاعتبارات الشخصية التى تؤخذ اليوم فى الترشح لبعض الجوائز العربية مما قد يفقدها مستقبلا مصداقيتها عند القارئ والناقد معا.