رمضان كريم ياشباب ، هو كريم من رب كريم ، وكريم كل لحظة فيه تساوى عمر إذا اتخذنا قرارا بأن نحياها كاملة بقلوبنا وإخلاصنا ، رمضان كريم .. بما نمنحه من وقت وجهد لله ، رمضان يبدأ قبل أن يهل هلاله ، يطل برائحة طيبة تتمشى فى شوارعنا وحوارينا ، مبهجا .. يعلق لنا هنا سلسلة نور وهنا فانوسا ملونا ، يترك على الأرض السلام ، يهدينا تفاصيل صغيرة لكى نصنع مائدة رحمن أو نجمع ونفرح بشنط نوزعها على محتاجين للبهجة والأمان . أستعيد أياما لم تعد معى ، ومصر الجميلة ( اللى وحشتنى ) ، ليس هناك أغلى من رمضان لأبحث فيه عنها . هذا الحنين إلى رمضان الطفولة ربما ، إلى ذكرياتنا التى أصبحنا نسميها من باب اقتفاء الموضة ( نوستالجيا ) ، أحب هذه الخطوات التى أمشيها فى القاهرة القديمة ، متجها إلى ( باب زويلة ) ، كم الطاقة التى ترسلها الدكاكين فى الزقاق الطويل يبعث على البهجة الممزوجة بشجن ، اعتدت لسنوات طويلة أن أبدأ باستقبال شهر رمضان وروائحه من هنا ، أتفرج على شغل إيد صانع الفوانيس ، أدخل هذه المغارات التى تجمع آلاف الفوانيس المصنوعة فى سنة مضت ، فى صمت ورضاء ، أقتنى فوانيس بكل الأحجام والأشكال ، أضعها فى كل مكان فى البيت ، وأهدى أصدقاء ، أعتبر الفانوس رمزا دافئا لمشاعر طيبة ، ألتقى فى الممر الطويل ببشر ، منحوتة كما قامات البيوت القصيرة القديمة بواجهاتها العتيقة ، لا يمكن أن تتخيل كيف تمضى الحياة هنا ؟ لكنها تمضى ، هنا القاهرة بجذور عميقة أبعد مما يتصور أى إنسان ، لا تذهب عنها رائحة كل رمضان مر عليها ، لا يذهب عنها الناس الطيبة التى اعتادت الحياة بجوار أولياء الله متكئين على جدران مالحة لكنها حلوة . أفتش فى دكان صغير عن أباريق زجاج منفوخة بفم صنايعى ، منح روحه لتراب لكى يحوله إلى أيقونات ، ألمس لا أمسك القطعة المنفوخة بحذر وحرص مبالغ ، فهى تكاد تنكسر من هذه اللمسة ، أو أظن ، لكنها متينة ، أشترى منها للماء بالورد وللعرقسوس والتمر هندى والدوم المنتظر فى رمضان على الإفطار ، أجد برادات الشاى القديمة المدهونة بالأبيض والأزرق ، طعم الشاى الخرز المغلى مع النعناع ، لا تفوت الفرصة ، ( غطيان نحاس ) للقلة القناوى ، لم يخترع التاريخ طعما أحلى من الماء البارد من فم القلة ، لا تسألنى من اخترع الفكرة ؟ ، أشربها رائقة لا تشبع منها ، ليس المطلوب أكثر من ثلاث قلل فى صينية نحاس مشغولة وبلكونة ، فوتنا فى السنين الأخيرة أشياء بسيطة كثيرة رائعة ، مرة باسم التطور ومرات باسم ( دقة قديمة ) ، ما أروع أن نعود ( دقة قديمة ) ، بكل مافيها من معانى جميلة ، بالعادات والتقاليد وشوية الحاجات الصغيرة التى تعمر حياتنا ، دستة من الزجاج المنفوخ الأبيض والملون ، يمكنها أن تؤثث لك رفا من الماضى المزركش فى البيت ، كما .. تفتح بيتا ينفخ ليبيع ليأكل ، ما أروع أن نحقق أهدافا متعددة بحجر واحد ، بين دكانين للفوانيس ، أجد مدخل بيت صاحبه يبيع ( الطبلية البلدى ) ، قرض خشبى وأربعة أرجل منحوتة بصبر ، كلما اقتربنا من الأرض دخلت الطاقة إلى أجسامنا أكثر ، لكن من يفعلها الآن ويأكل على طبلية خشب لم يمس خشبها البكر بشر ؟ دخلت إلى العمق ، وصلت إلى ( الخيامية ) ، دكاكين رفيعة بالطول لمن لم يذهب ، تبيع أثواب قماش الخيامية المنقوش بكل ألوان البهجة ، أصنع من هذه الأثواب كل عام ، خيمة رمضانية فى بيتى ، وأفصل شنطا أضع فيها ماتيسر من خيرات رمضان لنوزعها على محتاجين ، فى بلد كل أربع حيطان فيه محتاج ، تعوز لكى تحتمى بخط الستر ، ما أجمل تلك الساعات التى أقضيها نعد معا شنط البهجة دون أن ننسى وضع فانوس وبعض الياميش فيها ، الحياة ليست كلها كيس مغلق على سكر وزيت وأرز ، من حق طفل أن يجد فانوسا ملونا يشعل به طفولته فرحا وأن يتذوق بعض من ياميش رمضان اللذيذ . إصنعوا رمضان ، البهجة لا تقدر بثمن ، يمكن أن نقتنيها ، نخترعها لكى لا نموت من البرد ، كل رمضان وأنتم طيبين .