"من فات قديمه تاه" فالقديم دائما له رونق خاص وترتبط به الكثير من الذكريات والمعانى الأصيله، ومن المهن التى تمتهن كل ماه و قديم مهنة بيع التحف والأنتيكات، وهى ليست كغيرها من المهن فهى تحتاج إلى تمتع صاحبها بذوق رفيع كجزء لايتجزأ من شخصيته، وكذلك إرتكازه على رأس مال كبير كى يستطيع الإقدام على العمل بها. وفي واحد من أقدم محلات التحف بشارع المعز التقينا عم محمد بملامحه المصرية الأصيلة، وجسده النحيل وحكى لنا قصته مع التحف والأنتيكات..
قال عم محمد "ورثت هذه المهنة عن أجدادي، وكان والدي يصطحبني معه وهو ذاهب لمساعدة جدي في الدكان منذ أكثر من عشرين سنة، حيث كان جدي مولعا بجمع التحف والأنتيكات وكان خبيرا يدرك ما هو قيم وما هو غير قيم من النظرة الأولى، فقد جمع كل قطعة في محله بعناية شديدة من أماكن شتى، فهناك بضائع كانت من لوازم الحياة في حينها ولكن تحولت مع الوقت إلى روبابيكيا حتى أصبحت تحفة لها عشاقها كالجرامافون والراديو الفيليبس، وقد حصل عليها جدى من خلال المزادات وأخرى من الأسواق القديمة وبعضها من المواطنين الذين يأتون إليه بأشياء قديمة مما تحمله بيوتهم وفي حاجة للتخلص منها ببيعها له، وقد تعلمت منه هذه الخبرة".
أما عن التحف الموجودة بالمحل وأسعارها فأوضح عم محمد أن أسعار التحف لديه متفاوتة، وجودتها وقدمها أيضا يساهم في ارتفاع سعرها، وكذلك لو صناعة مصرية، فسعر بعض التحف يصل إلى 25 ألف جنية، ومعدل ربح بطئ، وأبرز ما يوجد في محله هو تمثال نصفي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر حصل عليه من مدرسة ابتدائي بصعيد مصر كان معروضا في حوشها، وإلى جواره في المحل آخر لأبو الصناعة المصرية طلعت حرب وآخر وتمثال ثالث لأتاتورك، وبراد الشاي الصاج، وكنكة القهوة النحاس بالإضافة إلى كاميرات التصوير القديمة، وآلالات الكتابة القديمة، بل الأمر قد يصل في بعض الأحيان للعب للأطفال التي مر عليها من الوقت ما يكفي لتدخل عالم الأنتيك.
وأكد عم محمد أن المهنة إختلفت الآن كثيرا عن أيام جده ووالده قائلا :" في الماضي كان معظم زبائن المحل زبائن من طبقة الباشاوات وصفوة المجتمع، إذ كان أكثر الأنتيكات التي يأتي إليها زبائن هي (الراديو) و(الجرامافون) فقد كانت لها شأن كبير آنذاك، ولا يستغني عنهما أي بيت، حيث كانت أجهزة (الراديو) و(الجرامافون) في تلك الفترة تصنع بتصاميم وأحجام وأشكال مختلفة، وبعضها يصمم حسب الطلب ورغبة الزبائن وقدراتهم المالية، وكلما علا شأن المشتري ازدادت الإضافات إلى الشكل العام للجهاز، فثمة من كان يطلب أن يكون الصندوق الخشبي للغرامافون مصنوعا من خشب الورد أو الأبنوس ومطعما بالصدف، أو مطعما برسوم ونقوش وتدخيلات من الذهب الخالص أو الفضة، بالإضافة إلى طلي البوق بالذهب أو الفضة لكي يحافظ على بريقه طوال الوقت، فقد كان يعد من أثمن ممتلكاتهم وأحد مكملات ملامح الثراء والأبهة، كذلك كان عدد الأسطوانات، وبالأخص النادر منها، التي تضمها المكتبة السمعية الخاصة بالشخص دليلا ملموسا على ذوقه الراقي وثقافته"
أضاف :"لكن اليوم، مع تقدم التكنولوجيا أصبح كل من الراديو و(الجرامافون) من قطع الأنتيكات أو الديكور، وعلى هذا الأساس يقتني أصحاب الكافيتريات هذه الأجهزة، ومثلهم بعض هواة التحف والأنتيكات الذين يشترونها لإكمال ديكور بيوتهم".
وأعرب عم محمد عن حزنه اليوم عندما ينظر إلى الأرفف ويرى البضاعة مكدسة ولا أحد يشتري موضحا أن "الزمن الجميل الذي ما عاد الناس يريدون أن يتذكروا ولو شيئا من مفرداته".
وبنبرة شجن ختم عم محمد كلامه قائلا "سنة وأكثر والحال لا يتغير والسوق من سيء إلى أسوأ ومع هذا لا أستطيع إغلاق المحل ولا حتى تغيير النشاط، فهذه هي المهنة التي أعرفها وأجيدها، ولا أعرف غيرها.. ولن أجلس في البيت".