لعلك ترى أن العنوان يتركب من مقطعين غير متناغمين، هذه حقيقة تماثل ما يجري حولنا، فالثورة يجب أن نفهمها حتى تكتمل وتصبح ثورة، نفس هذه الثورة تسرق الآن باقتدار، ويتم الإلتفات عليها حتى لا تصبح ثورة، المشكلة أنه لا توجد هناك أنصاف ثورات!! 1. مابين "الهوجة" و " الثورة"!!
"الشعب يريد إسقاط النظام" عبارة تفوهنا بها يوم 28 يناير، فهل كنا نقصد بها إسقاط الرئيس - الذي خلع – مبارك ومحاكمته؟؟ لا أبدا، من يظن ذلك فهو لم يكن يريد القيام بثورة، وإنما مجرد هوجة للقضاء على شخص بدون أن يحدث شيء جديد في الواقع، الشعب قال أنه يريد إسقاط النظام، فما هو تفسير هذه العبارة؟؟ "النظام" هو أداة الحكم، هو النظام الاقتصادي، المنهج السياسي، هو السلطة التشريعية، هو كل ما يدور في مطبخ الدولة، والنظام الحالي أفرزته بالتأكيد ثورة يوليو، فما الذي يفرّق ثورة يوليو عن "هوجة عرابي"؟؟ أن ثورة يوليو أسقطت النظام الملكي واستبدلته بنظام آخر مختلف عنه في كل شيء، من ملكية لجمهورية، من نظام رأسمالي لنظام اشتراكي، من الاقطاع لتوزيع الأراضي على الفلاحين، بينما "هوجة عرابي" اكتفت بتقديم طلبات – جريئة – للخديوي توفيق، طلبوا تغيير وزير الحربية واستجاب الخديوي لطلباتهم، رقاهم في مناصبهم، ثم وفي أول فرصة باعهم للإنجليز ونفاهم لسريلانكا!! ثوار يوليو فهموا الدرس، قاموا بالهوجة ومعهم أهدافهم، طردو الملك، وانتظروا 11 شهر ليتموا فيهم طرد النظام بالكامل ويفرضوا نظاما جديدا جعل ما فعلوه يستحق أن يطلق عليه ثورة، لو كانوا حافظوا على النظام الملكي لكان ما فعلوه لا يتعدى "الهوجة" - حتى مع رحيل الملك عن البلاد- ولكانوا الآن في سيرلانكا أيضا!! الثورة الماضية قضت على الحكم المدني وجائتنا بحكم العسكر، اليوم نحن ثرنا على حكم العسكر، لم نثر على مبارك، حتى يمكن أن نطلق عليها ثورة علينا أن نفهم أنها ثورة على النظام الذي أفرزته ثورة يوليو وتطور ليحيد عن موقفه الحقيقي الداعم للعدالة الاجتماعية ليصبح نظام رأسمالي مستبد أشنع بكثير من النظام الذي قامت ثورة يوليو عليه، نحن في يناير ثرنا على ثورة سابقة. إذن فكيف تكتمل الثورة؟؟، تكتمل الثورة بزلزلة النظام السابق والقضاء عليه تماما، نحن زلزلنا النظام، ولكنه حتى الآن لم يسقط بعد، وللأسف هناك من يظن أن الحل في إصلاحه!! حتى محاكمة مبارك أرى فيها إفسادا للثورة، فمحاكمة مبارك هي في الواقع محاولة لإنقاذ النظام الذي ثرنا عليه، والذي آثر التضحية بمبارك ككبش فداء لبقاءه، ويضحي به مرة أخرى الآن ليلهينا بمحاكمته عن ما يفعله ليستعيد به قواه، النظام أكبر من مبارك بكثير، لو كان هناك صدق مع الثورة لطردنا مبارك وأولاده، كما فعل الضباط مع الملك المخلوع، طردوه – قبل السادسة من مساء نفس اليوم - وصادروا أمواله وأموال أعوانه والتفتوا للقضاء على "ذيوله" وبناء نظام جديد، ما يحدث معنا الآن لا يتعدى مسرحية يقوم بها النظام السابق ليلهينا فيه عن "الفلول" حتى يستطيعوا تغيير جلودهم، كما الثعابين، والعودة لنا بجلود جديدة دون أن يخسروا شيء!! اطردوا مبارك وصادروا أمواله وأموال فلوله، افدوهم بها، ولا تلهيكم على ثورتكم مسرحيات هدفها الحفاظ عن النظام!! المقال القادم فيه الجزء الثاني، من التاريخ نتعلم كيف تسرق الثورة، كما سأدع التاريخ – القريب - يحدثكم عن "الذيول"!! شريف بديع النور