أين شباب 25 يناير الحقيقيون؟ الشباب الذين كانوا علي استعداد للقتل أو السجن إذا لم تتحقق مطالبهم العادلة, وأين هذه المطالب الآن ؟ الحرية والعدالة والديمقراطية.. ابحث داخل أجندات غالبية الشباب الذين يلقبون أنفسهم بشباب التحرير ويشكلون عشرات الائتلافات والاتحادات والحركات والجماعات فلا أجد هذه المطالب لأنهم يبدون في حالة لهاث وراء قطعة من التورتة السياسية الثورية ولو كان الثمن هدم 25 يناير بكل تجلياتها العظيمة . فبعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك كان من المفترض أن تبدأ عملية البناء لوطن عاني الكثير من الإهمال في شتي المجالات لكن الاندفاع نحو الهدم كان ومازال هو المسيطر فالقضاء علي الفساد ومطاردة المتهمين به من رموز النظام السابق هو الهدف الذي تحول من المحاكمة والمحاسبة في بعض الأحيان إلي التشفي والانتقام . والي جانب هذه المطاردات المستمرة والمستميتة بدأ التركيز في قضية الإقصاء والاستبعاد فعندما جلست معظم القوي السياسية في جلسات الحوار الوطني ثم الوفاق الوطني كان المطلب الرئيسي للشباب هو إقصاء فلول النظام فبعد حل الحزب الوطني صار إقصاء أعضائه من الحياة السياسية مطلبا ملحا , كذلك لابد من إقصاء كل رجال المحليات والكثير من رجال أمن الدولة و الشرطة . ومطلب الإقصاء هنا لم يفرق بين الفاسد والصالح فمجرد الانتماء للنظام القديم أصبح تهمة تستحق الإقصاء حتي ولو لم يرتكب المنتمي أي جريمة - وبالطبع وأنا اكتب هذه السطور لابد أن انوه إلي أنني لم أكن يوما عضوا في الحزب الوطني ولم ادخل مطلقا أحد مقاره لأحصل علي شهادة البراءة من تهمة الفلول بالرغم من أن عملية الإقصاء ستمتد لمن لم يمكن أن يصفوه بفلول النظام حيث إننا في غمار المعركة الدائرة بين المطالبين بإقرار دستور أولا وقبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمتمسكين بضرورة احترام شرعية الاستفتاء الذي أيد فيه الملايين إقامة الانتخابات أولا ثم تقوم مؤسسات الدولة البرلمانية الممثلة للشعب بتولي مسئولية وضع الدستور وجدنا مطالبات بإقصاء الأميين من الانتخابات لأنهم لا يملكون الوعي السياسي ووجدنا من يقول إن الأغلبية ليست دائما علي حق . فإذا كانت عمليات الإقصاء تمتد لتشمل أعضاء الحزب الوطني ورجال المحليات ثم الأميين ويبدو أن الأغلبية ستلحق بهم فلا املك إزاء كل هذا إلا القول إننا يا عزيزي سنتحول جميعا إلي فلول .. مادام ظل شق الهدم في أجندة شباب 25 يناير له الأولوية المطلقة وأنا أتحدث عن شباب يناير لأنهم الطليعة التي قادت عملية الإصلاح السياسي في مصر وهم القادرون وحدهم علي تغيير مسار تدفق النهر السياسي المصري الآن وتحويله لجانب البناء والا ستكون المأساة . أبحث عن شباب يناير فأجد معظمهم الأعلي صوتا في المؤتمرات والندوات التي تعقد لبحث شئون البلاد والأكثر سخطا علي الأجيال السابقة وكأنهم يرفضون التعلم وأخذ الخبرة من جيل قد تكون طحنته رحايا الحاجة والخوف فاستسلم للكثير من الظلم الذي عاشه لكن يبقي الظلم من الأبناء هو الأقسي عليه . وأبحث في أجنداتهم فلا أجد اهتماما يليق حتي بمشاكلهم الخاصة كجيل أخرجت معظمه البطالة والمشاكل الأقتصادية للميدان لم ارصد حلولا واقعية للازمة الاقتصادية الطاحنة التي نعيشها ولم أجد حلولا مبتكرة للتغلب علي البطالة أو العشوائيات أو ارتفاع الأسعار أو الهجرة غير الشرعية التي مازالت محاولاتها مستمرة من شباب لم يلمس تغييرا ملحوظا في واقع بلده فقرر الاستمرار في رحلة الهروب المميت لدول أوروبية . في الأجندة الخاصة لشباب يناير بحثت كثيرا عن أفكار نتجاوز بها الفتنة الطائفية فلم أعثر علي جديد , كله بيانات ومؤتمرات صحفية وشجب وإدانة أو إنكار مضحك لوجود احتقان بين أبناء الوطن . شباب يناير كانت وسيلة تواصلهم مع بعضهم البعض الفيس بوك وتويتر وهي وسيلة رائعة وناجحة جدا لمخاطبة 17% من أبناء الشعب المصري هم مستخدمو الانترنت في مصر - وفقا لأحدث الإحصائيات - لكن ما هي وسائلهم لمخاطبة ال 83% المتبقيين والتواصل مع الشارع الذي أرهقته التصريحات البراقة لرجال حكومة الدكتور عصام شرف والتي تشبه كثيرا تصريحات مسئولي النظام السابق حيث لا أساس لمعظمها علي ارض الواقع .. وأنهكته متابعة وسائل إعلامية أصابها السعار الثوري حيث صارت تتكالب علي الأخبار المفبركة والمضللة بنهم مقلق ومريب .. إعلام لا يعرف إلا النفاق للأعلي صوتا فمثلما كان ينافق النظام السابق ويضلله عن واقع الناس وشكل حياتهم وطبيعة مشاكلهم يقوم بنفس الدور الآن مع شباب 25 يناير لكن بحرفية أعلي إذ توحي له هذه الوسائل - اللهم إلا قليلا - بأنهم فرسان الساحة ورجالها القادمون والواقع يقول غير ذلك لان الثورة بكل طهارتها وبكارتها يتم اختطافها واغتصابها من قوي سياسية أكثر خبرة وحنكة بالعمل السياسي . وهذه القوي تعمل علي الأرض بجد وتتواصل مع الكتلة الأعرض من الجماهير بصورة مدروسة لذا نجدهم بجوارها لحل مشاكل أنابيب البوتاجاز ومساعدتهم للحصول علي حقهم في أخذ شقة ليعيشوا فيها في أمان سواء كانوا سكانا في الدويقة أو دار السلام أو أي منطقة عشوائية .. نجدهم يوفرون لأسر كريمة طحنتها الأزمة الاقتصادية وسائل مساعدة لا تجرحهم .. في كل مشكلة يومية بسيطة سنجد قوي سياسية واعية لما تفعله تتدخل لحلها فيكسبون مزيدا من الأرض ويضمنون مزيدا من المساندة في أي انتخابات قادمة فمن يشعر بالناس يشعروا به ومن يكتف بمخاطبتهم عبر وسائل إعلام موتورة ومتعالية علي العامة أو من خلال النت فعليه أن يراجع نفسه . الشباب الذين غيروا وجه مصر آن لهم أن يرسموا لنا ملامح هذا التغيير سياسيا واقتصاديا بشكل واع قد يساعده فيه مزيد من التواصل مع الشارع المصري الحقيقي ومزيد من الاستماع لأصوات أهل الخبرة أصحاب الضمير والتاريخ الناصع حتي لو كانوا من أعضاء النظام السابق بدلا من أن نفاجأ بميلاد مسخ مشوه .. تاريخ مصر قبل 25 يناير لا يمكن أن يمحي أو يمسح بممحاة كما أستشعر هذه الرغبة لدي بعض الشباب المندفعين بل يكفي أن ننقيه مما التصق به من فساد وبيروقراطية وترهل ونبني عليه لان استمرار الهدم سيفقدكم الشارع والمستقبل الذي نطمح إلي أن تقودونا فيه لا أن تنقادوا وراء الماضي والفلول إلي ما لا نهاية .