تصوير: محمد عبد المجيد - عشت 20 عاما مشردا وسكنت البدرومات وأسطح المنازل فى عز شهرتى - كنت أول ممثل يركب السيارة البورش فى مصر .. لكننى حالياً اتنقل بالتاكسي وأعيش فى جو معقم - صدمت نور الشريف فى "الإخوة الأعداء" وكدت أقتل أحمد رمزى فى فيلم إيطالى - علمت أحمد زكى فن التقليد وتركت له بطولة "الباطنية" فأصبح نجما - الإنسان الآلى سينقل العدوى للإنسان.. والحرارة ستدمر العالم والبشرية فى مرحلة الانتهاء ! - "المخبول" توقع ثورة يناير و"القذافي" متعثر فى ليبيا ولدى 10 دواوين لم تر النور - جيلنا وضع بصمات وجيوبه فارغة لأننا فى زمن عبثى يأخذ فيه من لا يستحق - قررت الابتعاد منذ 45 عاما حتى أكتسب وقتاً للتركيز -الفريق الجمسي سألني بعدما شاهد فيلم "الرصاصة لا تزال فى جيبى" : إنت إزاي قلبت وشك؟ - لم أنطق على مدار تاريخ عملى الفني كلمة واحدة تخدش الحس البشري - عمري ما خسرت شيئا في حياتي لأنني أصلاً جئت إلى هذه الدنيا خاسرا .. وسوف أرحل كذلك لهذا الحوار مجموعة من الكواليس، بدأت حينما تلقيت اتصالا من رقم غريب، وحينما أجبت اكتشفت أن الذي يحدثني هو الفنان محيي إسماعيل والذي لم تربطني به سابق معرفة على الإطلاق، جاءت مكالمته ودودة أراد أن يخبرني من خلالها بعض أخباره التي بدأت من إصدار النسخة الإنجليزية من روايته "المخبول "بالولايات المتحدةالأمريكية، حتى تلقيبه ب "ملك السيكو دراما" بإحدى المحافل الفنية بكندا، وكان ظهور إسماعيل بعد فترة من التغيب عن الساحتين الإعلامية والفنية في حد ذاته أمرا مثير للاهتمام، فقررت أن أقتنص من إسماعيل وعدا بعزومة على فنجان قهوة في شقته في يوم ما وهو ما تم بالفعل.. 45 دقيقة لم يسمح لي خلالها مصدري بالتسجيل، بل ولم يسمح حتى بخروج الكاميرا، كلها كانت علامات على أن ما خططت له منذ البداية قد ينتهي بخيبة الأمل، فتركته ينتهي من كافة حيله لاستهلاك الوقت، حتى تمكنت من إنهاء كافة الحجج لتأجيل البدء بالتسجيل، ذهبت له بوثيقة تخصه، وكانت عبارة عن ست ورقات كان قد أعد أسئلتها الراحل لبيب السباعي- رئيس تحرير مجلة الشباب الأسبق- حينما كان يعمل محررا بجريدة الشرق الأوسط ، وتركها إرثا ثمينا لنا من بعده، وكان أجمل ما فيها أن إجابات محيي إسماعيل على تلك الأسئلة بخط يده، ولذلك كانت مواجهته بما كتبه منذ 34 عاما أمرا- في حد ذاته- مثيرا للاهتمام، وأضفى على الحوار مفاجأة لم تكن الوحيدة من نوعها، خصوصا بعدما سمح لنا أن نتجول في شقته التي لا تختلف غرابتها كثيرا عن غرابة فلسفته في الحياة، بل عبر كل جدار من جداران هذه الشقة عن زاوية مختلفة من زوايا تلك الشخصية التي لا نعلم عنها الكثير حتى الآن، الكثير من الصور التي ترصد الشخصيات الفنية والسياسية، علاقاته العاطفية وأصدقائه المعروفين والمغمورين، بعض الأبيات الشعرية التي ألفها وكتبها بخط يده على الجدران حتى لم يعد هناك مكان فارغ، فكتب على المرايا وعلق شهاداته العلمية على الأسقف، دولابه الذي قال في حديث تليفزيوني منذ سنوات أنه كان ينام فيه، والذي تم تنظيمه بعناية مكتظ بملابس جاهزة للارتداء ومجموعة من قبعاته التي اشتهر بارتدائها، أدراج مكتبه الممتلئة عن آخرها بملخصات الكتب وسيناريوهات مؤجل تنفيذها وأعمال لم تر النور بأمر صاحبها، وتفاصيل كثيرة لا تكفي هذه المساحة لحصرها كانت ضمن كواليس لقاء مختلف بعيدا عن الصورة النمطية المعتادة لمحيي إسماعيل تابعوها من خلال الحوار التالي.. ما الذي تغير في محيي إسماعيل منذ كتابته هذه الإجابات منذ 34 عاما وحتى الآن؟ لم يتغير أي شىء على الإطلاق، لأنني أعيش في جو معقم طيلة عمري، بمعنى أنني اخترت أن أبتعد عن الأجواء الملوثة، حيث إنني أعتبر أن هناك جوا ممتلئا بالفيروسات، من فن سيئ وأشخاص غارقين في النميمة، فأنا ابن عالم، وعلمتني الحياة كيف أعيش على نحو صحيح مع أشخاص يتسمون بالنظافة إلى حد ما، وهنا أعني نظافة المخ، وهم قلة على مستوى العالم كله، وهم من خارج الوسط. هل كان هذا سبب غيابك عن الأضواء خلال الأعوام الماضية؟ بالطبع، فلقد قررت الابتعاد منذ 45 عاما، وهو شىء غريب وغير مسبوق، ولكني سعيد بذلك لأنني استطعت أن أكتسب وقتا للتركيز في البحث وتنمية ثقافتي، فاخترت عزلتي لكي أتمكن من تقديم أدوار جيدة لها قيمة، ولكي أجسد الشخصيات التي قدمتها في أفلامي بمستوى التلبس بالشخصية وليس مجرد الأداء مثلما يفعل الكثيرون، ففي إحدى المرات كان يرى الفريق الجمسي فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" وكنت أجلس بجواره، فوجدته يسأل: "مين الواد اليهودي ده؟" فقال له رمسيس نجيب: إنه من يجلس بجوارك ولكنه حلق شعره، فوجدته يسألني: "أنت إزاي قلبت وشك؟" وهذا هو الفرق بين التجسيد والأداء. ذكرت في الاستمارة أنك الابن رقم 6 في أسرة مكونة من ثمانية أبناء.. فكيف كانت تلك النشأة؟ لقد تربيت في بيت صحي، تربية جيدة وبها توازن، من أب فاضل وأم طيبة، وكان والدنا عادلا وحكيما وعالما ومتدينا، فكان والدي يحمل شهادة هى أكبر شهادة في عصره وهي "العالمية مع إجازة التدريس"، وتعلمت منذ نشأتي اختيار الكلمات التي ينطق بها لساني دون حماس زائد أو انفعال، ولذلك لم أنطق على مدار تاريخ عملي الفني كلمة واحدة تخدش الحس البشري، لأنني لو أقدمت على ذلك أشعر بأنني أهين شعبا بأكمله، ولا أعلم كيف يجرؤ الفنانون على أن يلقوا مثل هذه الألفاظ السوقية على الشاشة وهم في كامل سعادتهم، فالممثل هو المسئول الأول والأخير عما يقوله أمام الكاميرا وليس للمخرج أو المؤلف أو المنتج دخل في ذلك حتى وإن دفعوه، لأن الممثل هو من يوصل هذا الكلام للمتلقي. لم تكن متزوجا وقت كتابة تلك السطور، ولكنك قررت ألا تكون زوجتك من داخل الوسط وألا يعمل أبناؤك به.. فلماذا؟ لقد تزوجت منذ 12 سنة، وتوفيت زوجتي منذ عامين، وكانت زوجة طيبة وعلى قدر كبير من التدين وليس لها أي صلة بالوسط الفني، ولم أنجب منها أبناء، ولكنها كانت مثل أمي، وكنت حريصاً منذ زمن طويل ألا تكون زوجتي أو يدخل أبنائي الوسط الفني؛ لأنه وسط ملىء بالملوثات والإغراءات، والشهرة- بشكل عام- تهز الإنسان، ولذلك كنت بعيدا عن صخب هذا الوسط لتأمين نفسي. ما الذي خسرته بسبب هذا البعد؟ عمري ما خسرت شيئا في حياتي، فأنا أتيت إلى هذه الدنيا خاسرا وسوف أرحل كذلك، فالحياة قصيرة ولا يوجد لدى الإنسان من الأساس شىء لكي يخسره، كثيرا ما تركت أدوارا صنعت نجوما، فلقد جلست أربعة أعوام في البيت بعد "الأخوة الأعداء"، وإذا سألت أي منتج سوف يقول لك: إنني أكثر من أتت له أعمال ورفضها. مثل ماذا؟ كان من المفترض أن أقدم الدور الذي لعبه أحمد زكي في فيلم "الباطنية" وهو الفيلم الذي كان البداية الحقيقية لنجوميته، ولكني اختلفت مع المنتج على ألف جنيه، ولكني أقول "رب ضارة نافعة"، وهذا الأمر لم يؤثر على علاقتي به فأنا من علمت أحمد زكي التقليد، فكان يجلس مكانك لأعلمه كيف يقلد الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات ومحمود المليجي، فأخذ جملة المليجي وانطلق بها، ولكني أكتفي أنني كنت الممثل الوحيد الذي بدأ حياته في التمثيل من السينما العالمية. وكيف كانت تلك البداية؟ كنت في المسرح القومي، وكنت متمردا على الأوضاع فيه بسبب ضعف المرتب، وكنت أتحايل على عدم تقديم الأدوار التي أترشح لها، وتشهد على ذلك الفنانة العظيمة سميحة أيوب، حتى أتى مخرج إيطالي في زيارة إلى مصر لاختيار ممثل لدور في فيلم "الدورية الانتحارية"، وعشت على فريق العمل حياة النجوم برغم أني كنت تافها، وكنت أصطنع ذلك حتى لا يشعرون أنني أقل منهم موهبة، ولكن بسبب طول مدة التصوير أصبت بالملل وقمت بحلاقة شعري بالرغم من أنه كان "راكور" فاكتشفوا أنني كومبارس ولا أفهم شيئا، ولكن كان هذا الفيلم بمثابة البداية التي استفدت منها كثيرا وانطلقت بعدها لعدة أفلام عالمية، منها فيلم إيطالي أيضا شاركني فيه الفنان الراحل أحمد رمزي، وكانت أمنية حياتي أن أقابله، وكان حينما يأتي إلى المعهد كنت أقف بجوار سيارته "الرولز" وكان ينهرني فألوح له بيدي وأرحل مسرعا. إذن كيف كانت تلك المقابلة التي شاء القدر أن تكون أمام الكاميرا؟ حدثت كارثة لم أستطع أن أستوعبها وقت حدوثها، فكان من المفترض أنه يلعب دور السائق الخاص بي، وقد أعطاني متخصص الذخيرة مدفعا به 12 طلقة دون أن يؤمن السلاح، فكنت أصعد إلى السيارة وأخبط بالسلاح عليها فخرجت ست طلقات أمام أنف أحمد رمزي فسقط على الأرض من هول الموقف وصوت الطلقات ونقلوه إلى الفندق، وجلست أنا في حالة ذهول لأنني كنت سأقتل النجم الذي عشت عمري معجبا به حتى قبل دخولي مجال التمثيل. لعبت دور "عمران" في فيلم "خللي بالك من زوزو" وكان سببا في أن تنال شهرة كبيرة، ويقال إن نجاح الدور جعلك تعيش بقية حياتك بإيحاءات من تلك الشخصية.. فما ردك على ذلك؟ هذا الكلام غير صحيح، فعمران شخصية سيئة ومتطرفة، وأنا رجل متوازن وواعٍ، ولكني أعلم أن هناك الكثير من اللغط وسوء الفهم لدى الناس حولي، ولذلك فدور الفنان هو أن يعلم الناس، لأن الفنان المحترم هو مفسر للحياة، خصوصا أننا نعيش على ثقافة سمعية واستهلاكية، ولذلك أردت أن أواجه ذلك بالثقافة البحثية، ولذلك تجد بيتي ممتلئا بالكتب، وسوف أصطحبك في جولة ستكتشف خلالها أنني قد لخصت 1000 كتاب لأرجع إلى تلك الملخصات في أي وقت. هذا المنزل الذي نجلس وتقيم فيه كنت قد طلبته من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.. كيف كانت كواليس هذا الطلب؟ كان ذلك بعد تقديمي لفيلم "الأخوة الأعداء" وكنت أقدم دور شخص مصاب بالصرع، وكان الرئيس السادات يعتقد أن المخرج حسام الدين مصطفى قد أتى بشخص مصاب بالصرع ليقدم الدور وطلب منه أن تتم معالجتي، وحينما قابلني سألني "خفيت؟" فقلت له "أنا عايز شقة" فكاد يعود للتحدث عن الفيلم فكررت عليه قائلا: "يا ريس أنا عايز شقة"، فقال: "أعطوه شقة" وقد كان، ولذلك أعلق قرار منحي تلك الشقة على أحد الجدران داخل غرفة مكتبي حتى الآن. أليس من الغريب أن تكون نجما وتطلب مثل هذا الطلب من رئيس الجمهورية؟ مفهوم النجومية في ذلك التوقيت كان مختلفا، فلم يكن هناك تلك الأرقام الفلكية في الأجور التي نسمع عنها الآن، فلقد عشت 20 عاما من حياتي مشردا بين الإقامة في البدرومات وفي غرف فوق أسطح المنازل برغم أني ممثل مشهور، وبالرغم من ذلك كنت "مش لاقي آكل"، وهذه المعاناة التي عشتها هي التي صنعتني، فلقد عانيت معاناة مادية ونفسية وعملية، جعلتني أمر بحالات اكتئاب، ولكني أعتقد أن الله ابتلاني بذلك لكي أشعر بأحاسيس لم يشعر بها أحد، وهو ما ساعدني في عملي بعد ذلك، مثل كل الفنانين الكبار الذين صنعتهم معاناتهم، عبد الحليم حافظ وشارلي شابلن وسيد درويش وتوماس أديسون صنعتهم معاناتهم.