آثار فرعونية أصبحت مقالب زبالة وجراجاً للميكروباصات والتكاتك مافيا الأراضى والبلطجية يسيطرون علي " أرض المعابد " .. وبقايا التوابيت والسراديب والتماثيل في الشوارع كتب - خالد جلال عباس- رضوى خالد- وشيماء دهب: على أطراف العاصمة، تحديدا منطقة شرق القاهرة، تعاني منطقة "عرب الحصن" أو كما يطلق عليها أهلها "الست فايقة" - التى تقع بحى المطرية- من إهمال الدولة والنسيان منذ سنوات طويلة، فبدلاً من أن نحافظ على تراثنا وحضارتنا وآثارنا بوضعها وحمايتها في المتاحف نراها محفورة في مداخل المنازل يحيطها الأشجار من كل مكان كأنها موجودة للديكور أمام المنزل، فمن المؤلم أن تتواجد آثار في هذة المنطقة الشعبية وأن يتم التعامل معها كأنها أحد الأحجار التى تفصل بين المنازل أو جراج لسيارت وتكاتك المنطقة ..وكل هذا اكتشفناه بالصدفة، فبدأت الرحلة من محطة المطرية فى طريقنا لزيارة مسلة "سونسرت الأول" لنكشف عن حقيقة عدم ترميمها حتى الآن وعدم افتتاحها والاستفادة منها حتى للسياحة الداخلية فقط، فقد تم منعنا من دخولها، فأبلغنا المسئول عنها بعدم السماح بزيارتها حتى يأمر الوزير بذلك ويتم افتتاحها، وفوجئنا بانتشار القمامة في محيط المسلة إلى جانب بواقى البناء وتحويل المنطقة المحاطة بالمسلة الى موقف ميكروباصات، وأردنا رصد وتصوير ذلك فنبهنا أحد المارة إلى طريق نستطيع من خلاله التصوير بشكل جيد المسلة والمنطقة المحيطة بها، وبالفعل اتجهنا لهذه المنطقة وهى خلف المسلة وتسلقنا الجبل وهو عبارة عن بواقي لبناء العمارات واستطعنا التصوير وإيضاح مدى الإهمال وعدم الاهتمام بمنطقة أثرية مثل هذه. وكشف لنا "عتال" بالمنطقة يدعى سيد الدغيدى بأن المسلة ليست فقط هى التى تعرضت للإهمال فهناك مناطق منذ قديم الأزل يستولى عليها البلطجية والخارجين عن القانون زى منطقة "الست فايقة" فعلمنا أن هذة المنطقة تبعد عن المسلة بحوالى 55 مترا تقريبا، وفى الطريق للذهاب إلى المنطقة المذكورة سألنا "ماسح أحذية" عن المكان، فتنهد وقال لنا إنه كان يلعب فيها منذ الصغر متجولاً حول الآثار هو وأصدقاؤه، ووضح قوله بذكره "كنا مش واعيين طبعا أنها آثار وذات قيمة لما كبرنا عرفنا" وتابع "بتمنى من الحكومة أنها تهتم بالموضوع وتحافظ على آثارنا، عشان تدينا فلوس ونبقى أحسن"، ونبهنا بعدم الذهاب إلى هناك نظراً لسوء المنطقة بما فيها من بلطجية . ولكن لم نعط اهتماماً لتحذيرات ماسح الأحذية وقمنا بالذهاب إلى منطقة "عرب الحصن" أو كما يسميه أهالى المنطقة "الست فايقة " وفى صحبتنا سيدة صممت ألا تتركنا حتى نخرج من المنطقة بسلام، وصلنا إلى المكان، وصدمنا الواقع بما فيه من قبور أثرية محاطة بتكاتك أهالى البلدة، وحاولنا أن نلتقط صورا لهذا ولكن سرعان ماوقع نظر رجل من أقصى اليمين علينا، وتقدم تجاهنا وحاول أن ينظر إلى ما قمنا بالتقاطه من صور، فحولنا تعتيمه وأغلقنا الكاميرا تماما، ثم سارعنا بسؤاله عن المكان وتاريخه لكى نلفت انتباهه لموضوع آخر غير موضوع الصور، فأجاب سريعاً " هنا لا توجد أى آثار، إنها مبان مهدمة وتلك بقاياها " ، فأخذنا كاميراتنا وذهبنا من الجانب الآخر لمحاولة التقاط صور أخرى للمكان ولكن كانت دائما هناك نظرات تترقب قيامنا بأى فعل غير مألوف مثل التصوير ليقوموا بالرد عليه. فاتجهنا إلى سائق توك توك يدعى أحمد ويبلغ من العمر 24 سنة، قال لنا عكس ماذكره الشخص الذى سارع لنا عندما وجدنا نقوم بالتصوير "هناك الكثير من الآثار الظاهرة والمدفونة فى منطقة الست فايقة، فهذه المنطقة عندما تسير فيها كأنك تتجول داخل متحف مفتوح، حيث تجد التوابيت والسراديب والتماثيل الفرعونية ولكن للأسف أصبحت منطقة أثرية منسية وسط منطقة شعبية، فرغم السور المحيط بها إلا أن (هوس) البحث عن الكنوز الأثرية يمتد خلف الأسوار، فتعددت عمليات البحث للعثور على قطع أثرية أو أى شىء له ثمن يعجل بتحقيق حلم الثراء الذى يراه البعض مشروعا". ثم حاولنا مقابلة بعض أهالى المنطقة للحديث معهم ولكن كان الغريب أن الغالبية رفض الحديث معنا، خاصة عن آثار عرب الحصن وكأنهم استشعروا الخطر منا، وأنكروا وجود آثار من الأساس، مؤكدين أن المنطقة خالية من الآثار تمام، باستثناء شخص آخر يدعى صابر السرياقوسى 45 سنة صاحب جراح بالمنطقة الذى قال" لن يتحدثوا معك وخاصة بعد أن زادت بالمنطقة نسبة التعديات نتيجة لعدم وجود حراسة بها، فقد قام الأهالى بالتعدى علي هذه المنطقة، فبعضهم قام ببناء غرفة بدائية (عشة) من البوص داخل السور الأثرى، وبعضهم قام بكسر السور الأثرى تمهيدا لعمل جراج سيارات و البعض الآخر قام بغرس أشجار داخل حفائر هيئة الآثار والبعض الآخر قام بفتح البوابة الحديدية الخاصة بسور حفائر هيئة الآثار وعمل تشوينات من بقايا مواد البناء أدت لطمس معالم الحفائر الأثرية". وأضاف صابر:" تجار المخدرات والبلطجية يستحوذون على المنطقة لترويج منتجاتهم، ومافيا الأراضى يفعلون ما يشاءون من أجل طمس المعبد الأثرى، حتى يتسنى لهم البناء على المنطقة فى ظل غياب كافة أجهزة الدولة، هذا مايجعلهم يفتعلون المشاكل مع أى شخص يأتى ليسألهم عن المنطقة". ثم لفت نظرنا "شاب عشريني" يجلس داخل معسكر فى وسط كمية آثار كبيرة، ذهبنا إليه لنتحدث معه فقال لنا إن كل هذه الأرض الواسعة تسمى أرض المعابد لما فيها من آثار مهملة ويتخللها المياه الجوفيه مما يتسبب فى تشويه هذه الآثار، وبالفعل حكى لنا عن واقع تلك المنطقة، بعد أن أقنعناه بأننا من كلية الآثار ومكلفين بعمل بحث عن المنطقة فقال إنها منطقة أثرية من التراث العتيق حيث تضم بقايا معبد من الدولة الحديثة يعود إلى عهد ملوك الرعامسة، حيث أعاد بناؤه الملك رمسيس الثانى من الأسر19، وأضاف إليه كل من رمسيس الثالث والرابع والتاسع حتى رمسيس الحادى عشر. واستطرد قائلا :" لم يتبق سوى تلك البقايا من أعمدة بردى، وجدران من الطوب اللبن و بوابة كان يحاكم فيها الفراعنه رهائنهم"، وعند مطالبته بالتقاط أي صورة كمستند للبحث الذى سنقدمه رفض رفضاً شديداً، منوها أن أخذ أى صورة ستعرضه للخطر" فتركنا المكان حتى اختفينا عن نظره، ثم تسلقنا جبلاً من القمامة وعوادم المنطقة لالتقاط عدة صور تعبر عن مدى مأساة المنطقة بما تمتلكها من كنوز أثرية تستحوذ عليها مافيا الأراضى وبلطجية حى المطرية، ونجحنا فعلا فى التقاط هذه الصوره. 0 0