تمر اليوم الأحد، ذكرى اغتيال المفكر الراحل فرج فودة، والذي جرى اغتياله في الثامن من يونيو لعام 1992، بعد خوضه عدة معارك ضد الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وبعد مناظرات عدة ضد أنصار الدولة الدينية. فودة الذي دفع حياته ثمنًا لأفكاره الجادة، وأحلامه بمستقبل يخلو من العنف والقتل والتمييز الديني، نبَّه المتطرفين إلى أن الأجيال القادمة أكثر استنارة وأكثر جرأة من الأجيال السابقة، وأنهم قادرون على كتابة ما يهز ويفكك مقولاتهم وأفكارهم المتناقضة والمحرضة على العنف والدم. أجواء سامة أراد فودة أن تُسهم أفكاره في تمهيد المناخ العام مستقبلا؛ ليكون أكثر حرية وأكثر مساعدة على العطاء والكتابة خلافًا لما عاشه في زمنه من مضايقات تصاعدت حدتها حتى وصلت للقتل والتصفية الجسدية، وفي كتابه "نكون أو لا نكون"، قال فودة: "لعلهم لن يصدقوا أننا كتبناه ونحن غارقون في اتهامات التكفير، ومحاطون بسيوف الإرهاب والتهديد، ويقينا سوف يكتب البعض من الأجيال القادمة ما هو أجرأ وأكثر استنارة، لكنه سوف يصدر في مناخ آخر، أكثر حرية وانطلاقا وتفتحًا، ولعله من حقنا عليهم أن نذكرهم أنهم مدينون لنا بهذا الماخ، وسوف يكتشفون عندما يقلبون أوراقنا ونحن ذكرى أننا دفعنا الثمن". في الوقت نفسه أراد فودة أن تطلع الأجيال اللاحقة على حجم المعاناة التي عاشها جيله، والأجواء السامة التي أحاطت بمفكري عصره، لتقدير ما بذلوه وما صنعوه لأجيال المستقبل. لا أبالي وبالرغم من الأجواء السامة والمرعبة التي أحاطت بالمفكر الراحل، فإنه أصر على عدم الاكتراث وعدم الاهتمام بما يقولونه تخويفًا له، للكف عن مناقشة ألاعيبهم وحيلهم التي يخدعون بها الناس للسيطرة على عقولهم، وفي كتابه "قبل السقوط"، ذكر "فودة": "لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصوتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقُصاد الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة لا محبي الحكم، وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر، والتصق بوجدان مصر لا بأعصابها، ولا ألزم برأيي صديقا يرتبط بي أو حزبا أشارك في تأسيسه، وحسبي إيماني بما أكتب، وبضرورة أن أكتب ما أكتب، ويخطر أن لا أكتب ما أكتب". أحقاد دفينة حاول فودة خلال مسيرته أن يتحدث عن خبرته التي اكتسبها من صراعه مع المتطرفين، وفي كتابه "النذير" وصف فودة أنصار التيارات المتطرفة بأنهم يحملون أحقادًا دفينة لا حدود لها للمجتمع، وكراهية للحضارة، واشمئزازا من الوحدة الوطنية، وازدراء للقومية المصرية، وإنكارًا للتاريخ المصري، يرفضون المستقبل، يعشقون التدمير لسهولته، والرفض لبساطته، ويحبون سفك الدماء لأنه يتناسق مع ما تَهيأ في وجدانهم. وهكذا، ووفقا لما أورده في مؤلفاته، فإن أرقه الشديد نتج عن خوفه من عدم وصول رسالته إلى جمهورها، رسالته التي يحب أن ترتبط بوجدان مصر، وأن تكون دافعة نحو المستقبل، بعيدة عن المصالح والسلطة أو المزايدة.