لا أبالى إن كنت فى جانب والجميع فى جانب آخر.. ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم ولمعت سيوفهم.. ولا أجزع أن خذلنى من يؤمن بما أقول، إنما يؤرقنى أشد الأرق أن لا تصل هذه الرسالة إلى ماقصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأى لا أرباب المصالح، أخاطب أنصار المبدأ لا محترفى المزايدة، وقصاد الحق لا طالبى السلطان وأنصار الحكمة لا محبى الحكم.. تلك الكلمات للمفكر الكبير الدكتور فرج فودة الذى اغتالته قوى الغدر قبل نحو ربع قرن، وهو أحد مفكرى التيار العلمانى فى مصر والوطن العربى، حمل على عاتقه هموم الوطن وقضاياه، نادى بحرية الإبداع الثقافى والفنى، طالب بفصل الدين عن الدولة، رأى أنه لا مستقبل بلا تنوير.. وكرس حياته وكتاباته للدفاع عن حرية الفكر والمعتقد، التى مازلنا نحلم بها وننشدها فى ذكراه. بهذه المناسبة أقام المجلس الأعلى للثقافة احتفالية جاءت تحت عنوان"فرج فودة حضور رغم الغياب"، شارك فيها الدكتور حاتم ربيع أمين عام المجلس، الدكتور أحمد الشوكى رئيس دار الكتب والوثائق القومية والدكتورجابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، وعدد كبير من المفكرين والمثقفين ومحبى الراحل. مدنية الدولة فى البداية قال الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة "إننا نحتفل بمناسبة عزيزة على الثقافة المصرية، ذكرى مرور 25 عاما على اغتيال الشهيد فرج فودة، وهى المناسبة التى خُطط لها من بداية العام ضمن المناسبات المهمة التى لابد أن تحتفل بها وزارة الثقافة، وأضاف أن فرج فودة يحتاج منا أن نقف أمامه كثيرا لأنه حالة مميزة فى الثقافة المصرية والعربية، موضحا أن جماعة الإخوان حاولت إغتيال العقاد عام 1949 وفشلوا، كذلك حاولوا اغتيال الدكتور طه حسين معنويا ونجحوا فى بعض الحالات، مشيرا إلى أن الوسط الثقافى لم يكن مدركا لقيمة فرج فودة آنذاك، فقد كنت حاضرا لمناظرة معرض الكتاب عام 1992، بينه وبين مأمون الهضيبي ومحمد الغزالي اللذين لم يكن على ملامحهما الغل والحقد فقط من فرج، ولكن كانت ملامحهما تحمل الموت له، لأنه نجح بأسلوبه فى أن ينتزع على لسان الهضيبى اعترافات بجرائم التنظيم السرى. وأضاف وزير الثقافة، أن فرج فودة سقط شهيدا، وإلى الآن أفكاره تؤكد صحتها، وأكد أن طوال القرن العشرين وحتى فى نهاية القرن التاسع عشر، كان على الكتاب أن يقدموا ضريبة الدفاع عن الدولة المدنية الديمقراطية، وفى هذا المعني يأتى على عبد الرازق والدكتور طه حسين والدكتور نصر حامد أبو زيد والدكتور خلف الله، وفى كل جيل كان هناك من كان يتقدم بنفسه دفاعا عن مدنية وديمقراطية الدولة. فصل الدين عن الدولة من جانبه أكد الدكتور حاتم ربيع، أن المجلس حرص على إحياء ذكرى إستشهاد المفكر الكبير الدكتور فرج فودة، فهو شخصية مميزة، طالب بفصل الدين عن الدولة وليس بفصل الدين عن المجتمع، كانت له أراؤه المميزة عن حرب 1967، كما كان يرفض فكرة العنف حتى ضد الجماعات المتأسلمة والمختلفين معه فى الرأي. شهيد الرأى وأوضح الدكتور أحمد الشوكى، أننا نحي ذكرى فارس وشهيد الرأى فى مصر، الذى كان لا يشق له غبار فى كل فروع المعرفة، وناقش العديد من المظاهر كأنه بيننا الأن، وأضاف أن دار الكتب والوثائق قد نظمت معرضا للدوريات يتضمن بعض من مقالات الكاتب الراحل فى الفترة من 1990 و 1992 وكذلك ما كتب حول حادثة اغتياله فى الصحف والمجلات المصرية. ليبراليا أصيلا وقال الدكتور جابر عصفور، إنه يشعر بالفخر بأن يكون فى هذه الاحتفالية، وأكد أن فودة لم يكن يساريا بالمعنى الحرفى الذى يعرفه اليساريون، ولكنه كان ليبراليا أصيلا، كان يدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة متحضرة معتمدة على الدستور والقانون، ولم يتردد يوما فى المطالبة بهذه الدولة والدفاع عنها، لذا دخل فى صراع مع الدولة ومع من يدعوننا إلى الوراء، ومن هنا كان لابد أن يختلف معهم فكريا، وأضاف عصفور، أن الراحل كان فارسا يدافع عن مدنية الدولة، وألف العديد من الكتب المهمة فى ذلك الاتجاه.