بالرغم من أنه بدأ مشواره مع التمثيل فى المسرح منذ سنوات طويلة، إلا أن السينما والدراما كانا بوابة مروره الى الشارع ، وعيه الكبير بإمكانياته وما يناسبه جعله يختار أدواراً تضعه فى منطقه خاصة به وحده، لا ينافسه فيها أحد حتى أصبح جوكر الدراما المصرية، الذى يعرف كيف يخطف الكاميرا وأنظار الجمهور من أول طلة له، قربه من الناس ومن طبيعتهم وطريقة كلامهم وملامحهم جعلهم يمنحونه جائزة الأوسكار فى أداء السهل الممتنع.. إنه النجم الكبير المبدع سيد رجب فتوة حارة اليهود الذى استطاع أن يحصل على لقب أفضل ممثل دور ثان فى كل الاستفتاءات الفنية التى أقيمت منذ نهاية شهر رمضان وحتى الآن.. عن شعوره بما وصل إليه وتصوراته لكل ما هو آت كان لنا معه هذا الحوار . أولا وقبل أن نتحدث عن أى شىء هل كنت تتوقع تتويج الجمهور لك هذا العام كأحسن ممثل دور ثان ؟ طبعا لا، فأنا أصلا عندما أقدم أى دور لا أنتظر سوى حب الجمهور وإعجابهم واقتناعهم به، أما قصة الجوائز والتكريمات والتتويجات لاتشغلنى كثيرا، وإنما كل ما أسعى إليه هو توحد الجمهور والناس فى الشارع معى، وإحساسهم أننى واحد منهم لأنى هكذا بالفعل . بدأت مشوارك الفنى منذ سنوات طويلة فى المسرح ومع ذلك فالجمهور لم يعرفك إلا من التليفزيون فهل ترى أن المسرح أخَّر نجوميتك ؟ العكس هو الصحيح؛ فأنا أرى أن بدايتى المسرحية ساعدتنى وأفادتنى كثيرا، والممثل الحقيقى لايستطيع أن يختبر نفسه جيدا إلا عندما يقف على المسرح الذى يعد أكبر وأهم مدرسة يتعلم فيها كيف يمسك ويتوحد مع أبعاد الشخصية التى يقدمها، وأظن أننى لو لم تكن بدايتى فى المسرح ما كنت وصلت لما أنا فيه الآن، وأنا حتى قبل أن أظهر فى الدراما قدمت أدوارا صغيرة مع الأستاذ خالد الحجر فى أفلام "أحلام مسروقة وحب البنات" ولكن يبقى الفضل للدور الذى قدمته فى فيلم "إبراهيم الأبيض" فى معرفة الناس بى أما على مستوى الدراما فجاء دورى فى مسلسل الحارة هو جواز مرورى للجمهور فى الشارع . هل أنت معى فى أن جزءا كبيرا من نجاحك سببه أنك تلعب فى منطقة خاصة بك وحدك لاينافسك فيها أحد ؟ يضحك وهو يقول: " طيب ده أنا كده عايز ونس "، الأمر ليس هكذا بالضبط، ولكنى أحاول أن أختار أدواراً شبه الناس فى الشارع؛ لأنى أنا نفسى شبه كل المصريين اللى بيقعدوا على القهوة، ومن ثم كان طبيعياً أن أختار ما يمثلنى ويمثلهم، حتى عندما أقدم أدوار الشر أقرأ الدور أكثر من مرة، وأحاول أن أبحث فى الشخصية على أى ملمح إنسانى؛ لأنى أرى أنه لايوجد شخص شرير شر مطلق، فبداخل كل إنسان مهما كانت درجة شره لمحة ساخرة أو طيبة أو ضعيفة والعكس صحيح ، فقد يوجد شخص طيب جدا ولكن بداخله طاقة شر مخيفة، هو نفسه لايعلم عنها شيئا، وقد يمارسه أحيانا دون أن يدرى، فالنفس الإنسانية معقدة جدا، وهذا ما أحاول أن ألعب عليه، فأنا لاأحب أن ألعب الشخصيات كما هى مكتوبة على الورق بالضبط، وإنما أحاول أن أبحث لها عن نقاط ضعف، حتى أبتعد بها عن التقليدية والنمطية ، لذا فحتى عندما قدمت أكثر الشخصيات شرا وقسوة، وهى شخصية الإرهابى فى مسلسل " عد تنازلى " حاولت تقديم الدور من خلال وجهة نظر وفكر تلك الشخصية التى لديها قناعة تامة أن ما تقوم به ليس شرا، وإنما هى تفجر كل ما هو مختلف عنها ومؤمنة تماما بما تفعله، وقد أفادنى فى هذا عملى فى المسرح؛ حيث أصبح من السهل على أن أرسم خطوط الشخصية التى ألعبها وألبس روحها، وهذا طبعا يأتى بالتعاون مع المخرج والمؤلف؛ لأن العمل الدرامى فى النهاية عمل جماعى . لم تجبنى على سؤالى فيما يتعلق بأنك تلعب فى منطقة بلا منافس ؟ أختلف معك؛ لأنى أرى أن مصر مليئة بالنجوم الكبار والموهوبين، ومع ذلك فحتى لو كان كلامك صحيحا فهذا الأمر ليس فى مصلحتى؛ لأن الممثل الجيد لايظهر إلا عندما يقف أمام نجم موهوب، وهنا تخرج مباراة عظيمة فى الأداء بين اثنين . لماذا أشعر أن هناك كيمياء خاصة تجمعك بباسم سمرة وأن أداءك أمامه يختلف عنه أمام أى ممثل آخر ؟ إحساسك فى محله تماما؛ فأنا فعلا تجمعنى بباسم سمرة كيمياء خاصة جدا، ونحن نعرف بعضنا من زمان، وطالما جمعتنا معا ورش تمثيل، فهو ممثل موهوب بدرجة غير طبيعية، ولكنى أيضا أشعر بنفس الإحساس عندما أقف أمام أى نجم فاهم أبعاد الشخصية التى يقدمها وملم بكل تفاصيلها . يبدو أنك لاتتعامل مع التمثيل على أنه مهنة واحتراف ؟ هذا حقيقى فعلا، فالتمثيل بالنسبة لى متعة، والفضل فى هذا لكونى بدأت على المسرح أيضا ، فأنا إذا لم أكن مصدق الدور الذى أقدمه ومقتنع تماما بالشخصية التى ألعبها مستحيل أن أقدمها؛ لأنى لن أستطيع أن أقنع الناس بها؛ ومن ثم سأفقد مصداقيتى عندهم والتى تعد أهم ما وصلت إليه معهم . بالرغم من كونك قدمت أدوارا كثيرة ومختلفة فى الثلاث سنوات الماضية، إلا أن دور الرجل الشعبى البسيط هو الأكثر سيطرة على ما تقدمه .. ألا تخشى أن تبقى فى هذا القالب لفترة طويلة ؟ أبدا، لأنى فى كل مرة قدمت فيها الرجل الشعبى لعبته بشكل مختلف يعنى مثلا فتحى العسال فى حارة اليهود ليس له أى علاقة بالمعلم سالم فى بين السرايات، والاثنان مختلفان تماما عن حمادة غزلان فى موجة حارة ، وفى رأيى ما يجعل أى ممثل أسير للنمط الواحد هو تكرار الأداء وشكل الأدوار، وهذا الأمر أنا- الحمدلله- بعيد عنه كل البعدح لأنى فى النهاية لا أقدم إلا ما أكون مقتنعا به يعنى مثلا لو عرض على دور رائد فضاء وشعرت أنى مؤمن بالشخصية سأقدمها بلا تردد . هل يسعدك تشبيه الجمهور والنقاد لك بنجوم كبار، أمثال: زكى رستم ومحمود المليجى وعادل أدهم ؟ الحقيقة هذا يشرفنى جدا ويسعدنى بالتأكيد، وإن كنت أرى أن تلك الأسماء لنجوم كبار لن يتكرروا مرة أخرى، فأين أنا من هؤلاء؟ وفى النهاية الممثل هو نفسه لابد ألا يقلد أحدا أو يكون امتداداً له ، أما لو كان الجمهور والنقاد يضعوننى فى نفس مستوى أداء هؤلاء العمالقة فتلك مسئولية مخيفة . شاركت فى عدة أفلام من إنتاج السبكى، فهل يمكن أن تكرر التجربة بعد المكانة التى وصلت إليها ؟ أولا علينا أن نعترف أن السبكى كما يقدم أعمالا تجارية يقدم أيضا أفلاما جيدة، ولكن فى النهاية لو كان لدينا إنتاج سينمائى غزير وجاد لاستطاع الجمهور أن يجد فرصته كاملة فى الإختيار بين الجيد والسيئ، ولاستطاع الجيد أن يلفظ السيئ من تلقاء نفسه، ومع ذلك فأنا لاأرى أى مشكلة فى مشاركتى فى أفلام من إنتاج السبكى طالما كانت تلك المشاركة من خلال أدوار جيدة أنا مقتنع بها، فأنا فى النهاية ممثل، وعندما يستفزنى دور من خلال عمل جيد أوافق عليه فورا . من المفترض أن يشارك فيلم "الليلة الكبيرة " فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى .. فماذا عن دورك فيه ؟ لا أستطيع أن أحدثك عن دورى بشكل منفصل؛ لأن أحداث الفيلم كله تدور فى ليلة واحدة؛ ومن ثم تتحرك الأمور من خلال عدة شخصيات معقدة ومتشابكة جدا، ولكن كل ما أستطيع قوله أن هذا الدور يعد واحدا من أقرب الأدوار إلى قلبى . كانت لك تجربة مع الاعتقال السياسى .. فكيف أثرت فيك وكيف استثمرتها فى حياتك بعد ذلك ؟ الحقيقة هما تجربتان، وليست تجربة واحدة، فالأولى كانت سنة 1986 ، والثانية سنة 1989 ، وكانت هناك هوجة وقتها لاعتقال كل الشباب وخاصة طلبة الجامعة المرتبط بالسياسة والثقافة، وقد كنت من هؤلاء خاصة أننى كنت عضوا فى فرقة مسرحية تقدم أعمالا فنية فى الشارع، تتحدث فيها عن السياسة والمعارضة، ولكن بعد تجربتى الاعتقال قررت أن أمارس السياسة عن طريق الفن؛ لأنى أرى أن الفنان أخطر من تاجر المخدرات فهو الوحيد القادر على تغييب وعى الناس أو لفت نظرهم لما لهم وما عليهم؛ فالفن كما أنه جزء كبير من دوره تجميل الواقع إلا أن هناك دورا أهم وهو نقل الواقع كما هو عليه وعرض المشاكل واقتراح الحلول، والمسئولون عليهم تنفيذ تلك الحلول أو إيجاد البديل .