تشخيص حالة الرئيس الأمريكى السابق بايدن بسرطان البروستاتا    "بدلاً من متعب".. الكشف عن ممثل الأهلي في مجلس إدارة رابطة الأندية الموسم المقبل    بحضور نجوم الفن والإعلام.. 25 صورة من العرض الخاص لفيلم "المشروع X"    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    وزير الخزانة الأمريكي: العقوبات ضد روسيا في عهد بايدن كانت "غير فعالة"    استطلاعات الرأى عقب الانتخابات تشير إلى أن الناخبين في بولندا يتجهون لجولة إعادة لاختيار رئيسهم المقبل    يوفنتوس يحافظ على المركز الرابع في الدوري الإيطالي بثنائية أودينيزي.. فيديو    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    بعد فيرمبونج.. ليفربول يقترب من صفقة ثانية    مصرع شابين غرقًا في ترعة الدهسة بقنا    إزالة 3 أدوار مخالفة في عقار بالعجوزة    المستشار القانوني للمستأجرين: هناك 3.5 ملايين أسرة معرضة للخروج من منازلهم    نجل شقيق عبدالحليم حافظ: العندليب وجد سعاد حسني مغرورة بعد نجاح "خلي بالك من زوزو"    كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    هل الرضاعة الطبيعية تنقص الوزن؟- خبيرة تغذية تجيب    دراسة تقليل التكدس في العيادات الخارجية بالقليوبية    بطريقة طبيعية ..تناول هذه المشروبات لتنظيم سكر الدم    استعدادًا للامتحانات.. تناول هذه الأطعمة والمشروبات    محافظ الدقهلية يستعرض مستجدات إنشاء موقف جديلة الحضاري    «احذر الاقتراب منهم».. 4 أبراج تفتعل المشاكل باستمرار    بتول عرفة: كارول سماحة نموذج استثنائى للاحتراف وتحمل المسئولية على المسرح    صناع الأفلام العرب الصاعدون يجتمعون في جلسة نقاشية بالجناح المصري بمهرجان كان    أمين الفتوى يحسم حكم سفر المرأة وأداء الحج دون محرم: جائز بشرط    "تعليم القاهرة" تكرم الطلاب الأوائل في المسابقة الدينية للعام الدراسي الحالي    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    الدفع أو الحبس.. صالح جمعة يواجه مصيرا غامضا بسبب النفقة    سعيد العويران: الزمالك مظلوم والكرة المصرية تتراجع    الدورى الإيطالى.. تعرف على تشكيل روما لمواجهة ميلان    المركز القومي للمسرح ينظم مؤتمرًا علميًا واحتفالية فنية بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي    خبير روسي: انقسام بين العسكريين والاقتصاديين حول إنهاء حرب أوكرانيا    إزالة 9 مخالفات بناء في حملة بالعريش    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    كيف نعالج السهو في الصلاة ؟.. عالم أزهري يوضح    «رابطة المستأجرين» ترد على الملاك: دفعنا ما يعادل كيلو ذهب «خِلِو»    موقع تحميل النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025 (الرابط)    الرئيس الإيراني: الغرب تجاهل رسائل السلام التي بعثناها    وزير التموين يناقش رسالة دكتوراه عن القيادة والولاء الوظيفي بجامعة حلوان    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب في سيارة تحمل كرتون مضغوط بالمنوفية    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    تعليم الشيوخ تستكمل مناقشة مقترح تطوير التعليم الإلكتروني في مصر    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    الهلال الأحمر الفلسطيني: الاحتلال يستهدف بشكل متعمد المراكز الطبية في غزة    فصل التيار الكهربائي عن 5 مناطق بالعريش غدًا.. تعرف عليها    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    أشرف العربي: رغم التحسن الملموس في أداء التنمية في مصر إلا أنه لازال أقل من المأمول    «تعليم بني سويف» تتابع انتظام الدراسة.. و«الهواري» توجه بتوفير مناخ آمن للامتحانات    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين القرية والمدينة كُتاب القرية
نشر في بوابة الشباب يوم 27 - 08 - 2015

بقلم-جيهان شعراوى: كانت وسيلة التعليم الوحيدة في صيف القرية هي "الكتاب" الذي كان يتولى فيه شيخ المسجد مهمة تحفيظ القرآن لأبناء القرية، ويتولى مهمة تعليم الصغار حفظ الحروف والكتابة قبل سن المدرسة، كان الاعتماد على "اللوح والبوص" للكتابة، فكان اللوح عبارة لوحة معدنية صغيرة "السبورة حاليا" يجب على كل طفل امتلاكها، وتتم الكتابة عليه بأقلام منحوتة من البوص تغمس في الحبر، أو بأقلام "الكوبيا" في مرحلة متقدمة، ويتم محوها أو غسلها بالماء من أجل كتابة " الواجب" الجديد.
كان الكتّاب هو مدرسة القرية التي خرجت عظماء أبهروا العالم بفكرهم وعلمهم، مثل عباس العقاد وطه حسين وغيرهما، وأخرج ملايين الأطفال ممن أكملوا رحلة التعليم، وآخرين اكتفوا بقدر بسيط منه بعد أن ألقت الحياة على عواتقهم بأعباء جسام، كان الكُتاب هو الخطوة الأولى لأطفال القرى نحو الالتحاق بالمدارس، وخاصة الأزهر الشريف، وكان أفضل وأسهل وسيلة لمحو الأمية، وكان المقابل الذي يحصل عليه الشيخ زهيدا، ونادرا ما يكون في شكل أموال شهرية بل كان عادة "بالموسم" فيكون للشيخ جزء من حصاد المحصول في مواسم الحصاد، ربما يكون في شكل "شوال غلة أو مقطف ذرة أو قفص من الموالح أو الخضراوات، ولا مانع في الأيام العادية من بعض الهدايا التي ترسل من طعام الدار العادي للشيخ كالألبان والجبن والبيض والفطير، حيث يعلم جميع أهل القرية أن الشيخ لا يملك مصدرا آخر للدخل إلا بعض جنيهات، ربما يقبضها من وزارة الأوقاف نظير إمامته وخطبته للمسجد لو كان معينا به، وكنوع من تقدير جهوده لتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم وتعليمهم القراءة والكتابة، إلا أنه مع التطور وزحف مظهر المدنية على القرية، اختفى الكتاب، وعم الجهل وهجر الأطفال حفظ القرآن، وانتشرت في المقابل المدارس والحضانات التي يعد حفظ القرآن فيها مجرد مادة هامشية لا تضاف- أحيانا- للمجموع الكلي، فتراجع التدين الحقيقي في مقابل انتشار التدنى الحقيقي.. وسار المجتمع بالكامل نحو ما نحن عليه.
ورغم أني لم أجد في ذاكرتي صورة لي وأنا في الكتاب، حيث كان وقت الأجازات الذي كنا نستغله في اللعب أقصر من أن أنتظم فيه، ولكني كنت شديدة الفضول للذهاب مع أصدقاء الطفولة للكتاب حتى أتعرف على هذا العالم، لأشاهد الشيخ سيد وهو يمسك بالخرزانة لتهويش الأطفال وتخويفهم، وكان يستخدمها من حين لآخر، فقط إثباتاً لهيبته وفرض بعض الرهبة على بعض "العفاريت" الذين يتقنون فن المقالب والشيطنة، ولكن مهما بلغ بهم الاندفاع يقفون في النهاية كالأسرى أمام الشيخ تحت تهديد الخرزانة، يعلنون الندم والأسف، حتى لا تصل الشكوى للأهل في البيت، فينالون عقابا أشد.
كانت الفسحة بضعة دقائق، يسرع فيها الأطفال إلى بيوتهم القريبة لالتهام ما يتيسر لهم من الطعام، ويعودون مرة أخرى لاستكمال اليوم "الكُتابي" الذي يبدأ من الصباح الباكر وينتهي مع صلاة الظهر، كان الشيخ سيد معلما من معالم القرية، ومقصدا لكل أطفالها الذين لم يدركوا قيمته، ولم يقدروه حق قدره إلا بعد وفاته، فخلت القرية كلها من شيخ الجامع، وأصبح رفع الأذان إرثا لابنه الذي لم يبق كثيرا في القرية وتركها، لا أذكر هل سافر أم أقام في قرية أخرى بعد ترك الإمامة، واختار أن يصبح تاجرا للمواشي، ولكن ما أذكره أن كل أطفال القرية أصبحوا يعانون من مشقة الذهاب للقرية المجاورة سائرين على أقدامهم قرابة كيلو مترا كل صباح حاملين الشنطة القماش، وفيها لوح الكتابة وقلم الكوبية، ومعهم ما تيسر من خبز وجبن ليتناولوه في أوقات الراحة، فلم يعد بإمكانهم الذهاب للمنزل والعودة مرة أخرى للكتاب، فهي نعمة لم يدركوها إلا بعد رحيل الشيخ السيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.