مر حفظ القرآن الكريم عدة مراحل من التطور والتغير علي مدي تاريخه منذ نزوله علي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. فبعد أن كان الحفظ مباشرة من صاحب الرسالة. توارثته الأجيال فيما بعد عبر الصحابة والتابعين وتابعيهم بالتلقين المباشر. حتي جاء عهد سيدنا عثمان بن عفان جامع القرآن. ومن يومها تفرّق المسلمون وساحوا في بلاد الله ونقلوا معهم الطريقة التقليدية المتمثلة فيما عرفناه لاحقا ب ¢الكتاتيب¢ وما فيها من لوح وأحبار وأقلام و¢فلكة¢ وشيخ محفّظ وأبناء يرغبون هم أو آباؤهم في الحفظ . ثم جاء العصر الحديث بوسائله التكنولوجية ليضيف الي التحفيظ طرقا حديثة ومبسطة من شرائط كاسيت ثم سي ديهات واسطوانات وكمبيوتر وغيرها. وقد عاشت المجتمعات المسلمة كل هذه الطرق والوسائل تتناقلها للحفاظ علي كتاب الله.. وفي السطور القادمة نتعرف علي تجارب بعض تلك المجتمعات. ففي تشاد مثلا كما يقول ¢أنقاري حسين¢ بالفرقة الثالثة حقوق القاهرة ورئيس اتحاد الطلبة التشاديين. الذي يضم 650 طالباً. وزمليه ¢موسي محمد¢ بالفرقة الرابعة تجارة عين شمس. والأمين المالي للاتحاد-: يحرص المسلم التشادي علي حفظ كتاب الله تعالي منذ الصغر لذا نجد أولياء الأمور يواظبون علي إرسال أبنائهم بل وبناتهم الي الكتاتيب المتيسرة لتلقي العلم وحفظ القرآن الكريم. يضيف: مازلنا في تشاد نحتفظ بطرق وصور تحفيظ القرآن القديمة المعتمدة علي اللوح والكتابة باليد. وهذه الوسيلة أكثر ترسيخا للآيات في ذهن وقلب الطفل لدرجة أنه يظل يردد ما يتعلمه سواء جهرا أو في نفسه. مما يزيد من حفظه وتمكنه من التجويد والتلاوة الصحيحة خاصة أن معظم المحفظين تعلموا علي يد مشايخ وقراء خريجين من الأزهر الشريف. تحدثا عن بلدهما قائلين: عدد السكان 11 مليون نسمة يعيشون علي مساحة مليون و284 ألف كم. 85% منهم مسلمين والنسبة الباقية للمسيحيين واللادينيين. واللغة الرئيسية العربية والفرنسية. ولدينا اهتمام كامل بتحفيظ القرآن الكريم لدرجة أنه لا يُقبل الطفل في المدرسة سواء كانت عربية أو فرنسية قببل أن يختم القرآن كاملا. والحفظ يتم علي الألواح القديمة والمحبرة. والعاصمة السياسية انجمينا والاقتصادية مندو. وتشتهر تشاد بالغابات المفتوحة والصحراء وجبالها وواحاتها ومن أشهرها واحة ¢أونيقا¢ التي حصلت علي وصف أحسن المناطق السياحية من قبل منظمة اليونسكو. فضلا عن الثروة الحيوانية وزراعة القطن وتجارة عاج الفيل. ومؤخرا استخراج البترول الذي يُمثل 90% من الدخل. طرق تقليدية أما في أريتريا فتقول ¢لوام سعيد الجبرتي¢ طالبة بالفرقة الأولي محاسبة بأكاديمية طيبة بالمعادي : إننا كبقية المسلمين في العالم وخاصة القديم نتبع الطرق التقليدية مثل اللوح والفلكة والمحبرة. ونشيد بمثل هذه الموضوعات الصحفية التي تُعرّف المسلمين والعرب ببعضهم البعض لأن كثيرا من أبناء الدول الأخري وللأسف الشديد حتي العربية ومنها مصر أيضا لا يعرفون كثيرا عن أريتريا. التي تشتهر بزراعة البن وتسمي القهوة ¢جبنة¢ - بفتح الحروف- وتربية المواشي والأغنام والإبل التي تصل 10 ملايين رأسا. وهنا يتدخل زميلها ثروت محمد نور- بالفرقة الرابعة كلية علوم عين شمس- مشيرا الي أن الأريتريين لهم اتحاد طلبة منذ الخمسينيات وقد حصل علي ¢دروع¢ وشهادات تقدير من قبل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ويبلغ عدد سكان أريتريا حوالي 5 ملايين نسمة. والمسلمون يمثلون نسبة 45% اما النسبة الباقية فهي للمسيحيين لأننا بعد الاستقلال عن إيطاليا عام 41 ظللنا تحت الحكم الأثيوبي حتي عام 91 والاستقلال التام عام 93 ولدينا 9 قوميات كبري تتشكل منهم سكان البلاد. الطريقة السودانية وعن الطريقة السودانية في التحفيظ يقول عبد الله الزين- بالفرقة الثانية بهندسة عين شمس-: مازلنا نعتمد علي طرق ألواح تحفيظ القرآن الكريم. وإن كانت وسائل التطور الحديث والتكنولوجيا قد ألقت بثقلها علي أوجه الحياة عامة ومنها بالطبع طريقة تحفيظ القرآن حيث ظهرت شرائط الكاسيت ثم اليوم هناك السي ديهات والكمبيوتر وكذا الفضائيات. وهذا دليل حرص المواطن السوداني علي حفظ كتاب الله تعالي. الاحتفاء بالحفظة نظرا لاهتمام ليبيا بحفظ كتاب الله الكريم اصبح خُمس سكانها البالغ عددهم 5 ملايين نسمة من حفظة القرآن الكريم أي أن بها مليون حافظ لكتاب الله تعالي. تخرّجوا في 5 آلاف زاوية وكُتّاب منتشرين في كل أنحاء ليبيا ويحفظون كتاب الله بجميع الروايات وإن كانت الرواية الغالبة هي رواية ¢قالون¢ وليس هذا فحسب بل إن حافظ القرآن الكريم يُساوي وظيفياً بحامل الشهادة الجامعية. ومن العادات المتوارثة في الإحتفاء الليبي بحفظة القرآن الكريم أنه حينما ينجح الطفل في ختم جزء من القرآن يقام له إحتفال. أمّا حينما يُتم ختم القرآن وحفظه كاملاً .فإن الطفل يُوضع علي ظهر دابة ويُطاف به علي جميع بيوت القرية أو المنطقة لإعلام أهلها بهذا الإنجاز. وكانت كل عائلة تُقدّم الهدايا بما يتيسّر لها إلي الطفل وإلي الشيخ تشجيعاً وفرحاً وتقديراً لهذا الطفل علي ما قام به من حفظ كتاب الله. أمّا الأدوات المُستخدمة في الكُتّاب لتحفيظ القرآن الكريم فهي كالآتي : 1- اللوحة : وهي قطعة من خشب الزيتون أو السرو أو النخيل ويتم صقلها بحيث تكون ملساء وهي مربّعة أو مستطيلة الشكل وبها من أعلي يد ¢مقبض¢ حتي يتم التحكم في اللوحة أثناء الكتابة . 2- القصبة : وهي أداة الكتابة وتُصنع من نبات القصب بعد إزالة أوراقه الرقيقة الملتفّة حوله . ويُصنع للقصبة رأس مدبّب مقسوم إلي جزءين مسافة قصيرة بقطع صغيرة دقيقة بحيث يُمكن أخذ كمّية من الحبر ¢الصمغ¢. 3- الدواية ¢المحبرة¢ : وهي إناء صغير يُصنع من الطين علي هيئة جُرّة صغيرة تكون متّسعة من أسفل وتضيق عند قمّتها ويُوضع بداخلها الصمغ¢ سائل الكتابة¢ الذي يُعدّ من لحاء بعض الأشجار وفيها أيضاً بعض الأصواف المأخوذة في الغالب من أصواف الغنم. 4- الطفل¢الطين¢ : وهو سائل من الطين الممزوج بالماء ويُستخدم في طلاء اللوحة بعد أن يتم حفظ الآية أو الآيات المكتوبة عليها وكذلك بعد ما تجف تصبح جاهزة للكتابة عليها. ولمزيد من الحرص والتقديس حتي للحبر المكتوب به الآيات يتم محوها في مكان خاص به ماء ¢كالنافورة¢ لا يلقي علي الأرض بل يظل مكانه حتي يجف. ومن بين هؤلاء الحفظة المُكرّمين بحمل كتاب الله تعالي ذلك القارئ الشاب عبد الفتاح شقرون الذي صال وجال بصوته كثيراً في البلاد العربية والإسلامية بل والأوروبية فكانت له شهرة واسعة. وشهد له القارئ الشهير محمد محمود الطبلاوي بأنه ¢قارئ متميّز¢ وقال له: لو أنك وقفت أمامي للامتحان لأعطيتك اكثر من ممتاز. ختم ¢شقرون¢ القرآن الكريم كاملاً وهو ابن العاشرة ولديه الآن شرائط كاسيت وسيديهات لسور من القرآن الكريم بصوته -برواية حفص- متداولة في الأسواق الليبية وعدد من الدول الأفريقية حيث تتولي توزيعها جمعية الدعوة الإسلامية العالمية علي المهتدين الجُدد. ولد القارئ ¢شقرون¢ بطرابلس عام 1975 والتحق بالكُتّاب في الرابعة من عمره ثم دخل الإبتدائية وأكمل تعليمه حتي حصل علي درجة الليسانس في قسم اللغة الفرنسية عام 97 .ومنذ صغره وهو يحرص علي الصلاة في المسجد حتي أمّ المصلّين في صلاة القيام بمسجد مولاي محمد حيث كانت تُنقل الصلاة مباشرة عبر التليفزيون والإذاعة الليبية وذلك عامي98 . 99. أحرز ¢شقرون¢ الترتيب الأول علي مستوي ليبيا في جانب تجويد القرآن الكريم عام 99 . كما أحرز الترتيب الخامس في المسابقة العالمية التي اُقيمت بمكة المكرّمة في نفس العام 99. وشارك في عضوية العديد من لجان التحكيم في المسابقات المحلية والدولية لحفظ القرآن الكريم من ذلك : عضوية اللجنة المُشكّلة لاختيار المتقدّمين لامتحان تدريس القرآن الكريم عام 2002 . كما شارك في عضوية اللجنة المُشكّلة لاختيار القرّاء الذين أوفدتهم جمعية الدعوة الإسلامية العالمية لإحياء ليالي شهر رمضان المُعظّم خلال السنوات من 2002 - 2007. كما شارك في عضوية لجنة تحكيم مسابقة¢واعتصموا¢ النسائية العالمية الثانية والثالثة عامي 2006 . 2007. هذا علاوة علي أنه أمّ المسلمين في صلاة القيام خلال شهر رمضان المبارك مُوفداً من قبل جمعية الدعوة الإسلامية العالمية للعديد من الدول منها: ألمانيا. البوسنة والهرسك. كندا. المالديف. البرازيل. الأصالة والمعاصرة يتفق معه زميله أبو القاسم الهادي المبروك القماطي من مواليد مدينة طرابلس 1977 حصل علي بكالوريوس هندسة حاسب آلي من جامعة الفاتح. ثم شهادة حفظ القرآن الكريم من الهيئة العامة للأوقاف. وواصل الدراسة بكلية الدعوة والأمامة والخطابة بالجامعة الإسلامية بزليطن. ويعمل بمكتب الدعوة والمراكز الإسلامية بجمعية الدعوة الإسلامية العالمية . ومدرس للقرآن الكريم بمسجد إبراهيم باقي ¢شهداء المنشية¢ بني عاشور بطرابلس. يقول: بدأت حفظ القرآن علي يد والدي في البيت وأكملت جزئي عم وتبارك ثم نقلني إلي مسجد مولاي محمد. فربما رأي أن عاطفة الأبوة ستغلب حزم الشيخ- وهناك درست القرآن علي يد الشيخ الأمين محمد قنيوة وكذلك الشيخ بشير أحمد مالك. وأكملت القرآن كتابة علي يد الشيخ حجال عياد أبو منجل. وكمعظم الطلبة ساعدني شيخي في الكتاب في تدريس الطلبة الآخرين. ثم صليت إماما للتراويح مع شيخي جمال أبو منجل بمسجد سالم مبارك لمدة 3 سنوات. وإماما للتراويح مع الشيخ الدوكالي محمد العالم بمسجد مولاي محمد وكانت الصلاة منقولة عبر إذاعة القرآن الكريم لمدة سنتين وإذاعة الجماهيرية الفضائية. يضيف ¢القماطي¢ : بعثت من قبل جمعية الدعوة الإسلامية العالمية لإمامة المصلين في التراويح ومشاركة المسلمين شعائرهم الرمضانية والقاء دروس الوعظ والارشاد لعدة دول منها: أوغندا. الفلبين. المجر. روسيا البيضاء. غانا. وتم اختياري في لجنة التحكيم لمسابقة ¢واعتصموا¢ العالمية النسائية الرابعة بصفة مقرر. كما تم اختياري عضوا بلجنة تحكيم مسابقة الجماهيرية العظمي التاسعة عشرة لحفظ وتفسير القرآن الكريم وتجويده. وشاركت في عدة دورات لتدريب الائمة والدعاة في أفريقيا علي تقنيات التواصل الاذاعي التي عقدتها الايسيسكو في الخرطوم في يناير 2009. وفي حلقة دراسية حول ¢الاستخدامات الثقافية للأنترنت لفائدة الدعاة والائمة في أفريقيا¢ عقدتها الايسيسكو أيضا. وكل هذا ساعدني لتطبيق هذا علي تحديث وسائل وطرق تحفيظ القرآن الكريم من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة لتيسير حفظ وتحفيظ كتاب الله خصوصا للنشء الصغير. فهذه الوسائل الحديثة مما يسره الله تعالي لنا لخدمة دينه الحنيف وقرآنه العظيم.