الواحد يحب يفتح عينيه الصبح علي صوت حلو .. علي منظر جميل .. او حتي علي صمت مطبق .. انما من حظي الغريب اني فتحت وداني علي عبارة دخلت في تخانيقها زي السهم الناري .. وفتحت وراها عيني .. و قومتني مفزوعة من أحلي نومة .. وأدفأ فرشة .. ' أصله تربية ست '.. عبارة مستفزة دخلت كده من غير أي تمهيد من شباك أوضة نومي .. زي رصاصة طايشة فلتت من وصلة اقرب ما يكون لردح مشترك .. والمفترض انها كانت حلقة نقاش بين ثلاث من عاملات النظافة العامة استقروا تحت بلكونة أوضتي .. واقاموا محكمة فورية لرئيس الوردية المشرف عليهن .. وعلي ماقومت من سريري مطعوشة .. واتشنكلت في الغطاء .. ووقعت علي بوزي وانا با دور علي الروب . وقعه جت بفايدة .. حيث عثرت علي شبشبي الفرو اللي علي شكل ارنوب مبتسم بجوز القواطع الطويلة اللي تحت ارنبة مناخيره .. كانت قد تكونت عندي فكرة عامة عن القضية المثارة تحت شباكي علي وش الصبح .. فكلام العاملات الثلاث كان متداخلا .. ومكملا لبعضه البعض .. فشر توزيع لحن لحسب الله السادس عشر وهو مستخدم آلات النفخ والضرب .. ما بين نحاسيات وطبول .. التلاتة بيتكلموا في نفس الوقت وكأنهم قاعدين في خلاط .. الأصوات متوزعه ما بين عالي وواطي .. أم صوت عالي هي اللي اعطت اشارة البدء بجملة : أصله تربية ست .. وللعلم الجملة دي عند العامة والبسطاء في مصر هي إهانة قاسية لأي رجل يظن بنفسه هيبة زائفة أو يكون معوج السلوك وظالما .. أو مش اد القول أو الفعل .. ومن باب تنويعات علي نفس اللحن سألت واحدة منهن سؤالا .. يحمل بداخله اتهاما ودفاعا : ومالها الست ياختي .. ؟؟ ما احنا مربيين رجالة زي الورد .. وبعرق جبيننا وشقانا .. ولم يأت الرد من صاحبة العبارة انما جاء من ثالثتهم .. : يابت قصدها علي أبوه .. يعني لو كان راجل بجد .. كان رباه علي ان اللي علي حق الولايا والغلابه مايكسبش ..... وعلي ما أتشمللت أنا وقمطت حزام الروب علي وسطي .. وتوجهت ناحية البلكونة .. وفي ذهني - اللي لسه ما اصطبحش بفنجان قهوتي المعتادة و اللي ما كانش مدرك أصلا إني صحيت - تهديد مناسب لهن ليرحلن عن المكان .. كانت العاملة إياها إديتني تقرير سريع بالواقعه .. من خلال تشهيدها لزميلتها وهي تكاد تبكي من الظلم .. واقسمت عليها أن تقول الحق .. في انها قامت بتنضيف المنطقة المسئوله عن تنضيفها بالشارع علي اكمل وجه ولا لأ .. ؟؟ وفعلا اقسمت زميلتها إن هذا حصل علي أكمل وجه .. هنا بكت المرأة بحرقة حزنا علي الخصم المادي التعسفي الذي اوقعه رئيس ورديتها هذا الصباح عليها .. فقط ليثبت انه ذو سطوة علي كل من يعمل تحت يده ليس إلا ....!!! في اللحظة دي ترددت قبل أن أفتح الشباك وأطلب منهن في حسم وهدوء .. أن يناقشن مشاكل العمل دي بعيدا عن بلكونتي .. وسريري .. وأرنوبي ... ما عرفش ليه صدقتها وأنا لسه ما شوفتهاش .. يمكن الصدق اللي كان في صوتها وهي بتشتكي .. ؟ ويمكن الاحساس بالظلم .. اللي مش محتاج شباك مفتوح علشان يخش القلب ويوجعه .. ؟ المهم اني حسيت انها ثبتتني مكاني .. حا ألومها علي ايه بأة في صباحيتها الغريبة دي ... ؟؟؟ .. وقررت أغير اتجاهي و أرجع من حيث أتيت .. طعنتني زميلتها الثالثة وهي تواسيها بجملة طيبة هادئة : وحياة النبي ما تقهري نفسك .. ده انتي علي وش ولادة .. العيل بييجي برزقه يا بت ما تخافيش .. ربنا ما فيش أحن ولا اكرم منه ... ولتاني مرة خلال ثواني أغير اتجاهي عكس قراراتي المسبقة .. قلت لنفسي ما بدهاش .. لازم أخد بخاطرها حتي من باب التعاطف النسوي .. ما هي الدنيا مش غابة اوي كده .. الا ان العاملة دي أنهت محاولتي البريئة قبل ما تبتدي .. حينما أستجمعت نفسها واقسمت علي الله بصوت ما تعرفش إزاي تحول لمنتهي القوة والصلابه .. بعد الضعف والدموع .. وقالت بمنتهي الجدية :'.. ندرن عليا .. لو ربنا راضاني بواد .. لا أعلمه الأدب .. والمرجلة .. والحقانية .. و أطلعه رئيس وردية أد الدنيا .. و حا أمنه أمانة .. إن عمره ما يستقوي علي ضعيف .. ولا يظلم حد .. ويرحم الحريم والغلابه ويبأة لهم سند .. ويعدل في كل من يحكمه ربنا عليه .. والنبي لا أخليه يفتخر بإن اللي ربته ست .. انما بعشر رجالة ...' هنا .. أنا أتلجمت تماما .. الست دي الشقيانة .. الجاهلة .. الضعيفة .. المظلومة .. المغلوبه علي أمرها ... وضعت نبراسا دوليا انسانيا عالميا .. يعجز أساتذة القانون .. والعلوم الانسانية عن أن يجتمعوا علي وضعه ... أن تربي فردا قويما .. فقد ربيت شعبا عظيما .. فالتاريخ بحقائقه وأساطيره .. يشهد علي أن اكبر مذابحه .. وأسوأ تواريخه الدموية .. كانت بفعل أباطرة مهووسين بالسلطان والنفوذ والسيطرة .. دونما حسبان لأرواح وحياة شعوبهم .. وبدلا من أن يعملوا علي دفع رعيتهم .. عملوا علي دفن رعيتهم .. متخفين وراء شعارات كاذبة خادعه .. وما أرادوا الا مجدهم الشخصي .. لذا تربية ولو شخصا واحدا - رجلا أو امرأة .. تربية نفسية وانسانية صحيحة .. قد تمنع وجود شخصية ديكتاتورية .. قادرة علي ظلم وإذلال آخرين فيما بعد .. سواء علي مستوي الشعوب .. أو المجتمعات .. او المؤسسات .. أو حتي الأسرة الواحدة .. أو كما يقال إن أكبر النيران من مستصغر الشرر ... ومش مهم مين اللي بيربي .. المهم ازاي بيربي يمكن تكون الست دي جاهلة .. انما في الحقيقة .. كانت كلها نظر .