هناك, بعيدا عن القاهرة بحوالي 200 كم, بعيدا عن العصيان المدني والإضرابات والاعتصامات , رفع آلاف المواطنين المصريين شعار ' الشعب يريد تدوير عجلة الانتاج ', هناك رجال وشباب وصبية لا يعرفون إلا العمل , لغتهم الأولي والأخيرة البحث عن ' لقمة العيش '. الكلام عن قرية البصارطة , بمحافظة دمياط , والتي يسكنها ما يقرب من 40 ألف مواطن , لا مكان بينهم للكسالي والباحثين عن الوجاهة والشعارات الرنانة حسبما أخبرنا أهلها , فقط تجد رجالا أيديهم لا تمل العمل وتقديم شيء جديد ومفيد كل يوم . باختصار , البصارطة هي ' معقل صناعة الأثاث في مصر ', هذه القرية يعمل كل أهلها في صناعة الأثاث , حيث تجد نجوم وملوك صناعة الأثاث في مصر , بمجرد دخولك القرية , أول ما تلمح عيناك هي ألواح الخشب , وبالتدقيق أكثر تجد بيوت القرية , وكلها مبنية بالمسلح , ولا تقل عن 3 طوابق , يوجد في الطابق الأول منها ورشة لصناعة الأثاث . شهرة البصارطة لا تتوقف عند حدود محافظة دمياط , أو مصر فقط , بل تخطتها لتصل شهرتها إلي إيطالياوفرنسا وإسبانيا , حيث تغزو منتجاتها من الأثاث , من غرف نوم وأنتريهات وصالونات وغرف سفرة , الأسواق الأوروبية , حيث إنها تنتج وحدها حوالي 30% من إنتاج محافظة دمياط من الأثاث . آلاف الورش تنتشر في بيوت القرية , وتختلف كل ورشة عن الأخري في مكوناتها وإمكانياتها , والآلات المتواجدة بها , والإمكانيات المادية لصاحبها , فهناك ورش تتخصص في تصنيع غرف النوم وثانية للصالونات , وثالثة للأنتريهات , وأخري تتخصص في دهان المنتجات , وهناك ورش تصنع كل أنواع الأثاث وتتم فيها كل عمليات صناعة المنتج حتي يخرج كاملا للمستهلك , فهناك ورش تعتمد علي ' صنايعي ' واحد فقط , وورش يوجد بها 3 و 4 صنايعية , ويزيد العدد مع زيادة إمكانيات الورشة , حتي يصل العدد في بعض الورش إلي 50 ' صنايعي '.## محمد الخليفة , و يعمل مدرسا ومشرفا علي إحدي ورش صناعة الأثاث بالبصارطة , يقول : إن صناعة الأثاث بالبصارطة وليست وليدة اليوم , فتاريخ صناعة الأثاث في القرية يعود إلي الستينيات من القرن الماضي , حيث كان عدد أهالي القرية قليلا جدا , وكان معظمهم يعملون في صناعة الأثاث , في بعض الورش الموجودة في دمياط , ولكن بمرور الوقت وتحديدا في سبعينيات القرن الماضي , تغيرت الصورة والوضع تماما واسس أهل القرية ورش صناعة أثاث خاصة بهم , وتدريجيا انتشرت الورش من بيت لبيت حتي وصل الوضع لما نحن عليه الآن , فمن النادر أن تجد بيتا في البصارطة لا توجد به ورشة , ومن النادر أيضا أن تجد أسرة بها شاب عاطل , فمعظم شباب القرية يتعلمون مهنة النجارة والعمل بصناعة الأثاث منذ صغرهم . وأضاف محمد الخليفة , أن معظم الأهالي في القرية يقومون بتعليم أبنائهم الصنعة منذ السادسة من عمرهم , هذا بالإضافة إلي حرصهم علي الالتحاق بالتعليم , ومن الصعب أن تجد شابا بلا عمل , ' إلا إذا كان واحدا لا يريد العمل '. ويضيف العزبي عياد , صاحب ورشة , قائلا : نحن نقوم بتصدير منتجات القرية من الأثاث إلي عدد من الدول الأروبية , منها فرنساوإيطاليا وألمانيا وإسبانيا , حيث نتواجد هناك من خلال معارض سنوية , تقام في كل من ميلانو وباريس وفالنسيا , كما أنه يوجد وكلاء في هذه الدول يستقبلون منتجاتنا , وهي تلقي رواجا وإقبالا كبيرا عليها , لثقة المستهلك هناك في جودة صناعتنا , وأضاف العزبي عياد أن هناك مشكلات أصبحت تواجه هذه الصناعة , منها ارتفاع الأسعار مؤخرا , وعدم توافر الأيدي العاملة في هذه المهنة , والمهارات المدربة , فمثلا قرية البصارطة بها حوالي 35 ألف شخص تقريبا ثلثاالبلد يعملون في هذه المهنة , بالإضافة إلي وجود 5 آلاف شخص غرباء من محافظات عدة جاءوا إلي البصارطة لأن هناك باب رزق فتح لهم , حيث أصبح هناك نشاط تجاري , فلدينا هنا صعايدة يعملون في مجالات عدة منها مجال التجارة , وهناك عدد كبير من أبناء كفر الشيخ جاءوا وأقاموا في البصارطة وفتحوا محلات للحلاقة , أيضا هناك عدد كبير من ابناء المحلة قاموا بفتح عدد من المطاعم , بالإضافة إلي الدقهلية والتي جاء منها عدد كبير ويعملون ' قهوجية ', أضف لذلك آلاف الأشخاص الذين يأتون يوميا إلي البصارطة من المدن والمحافظات المجاورة للعمل في الورش , وهو ما جعل هناك نوعا من الحركة والنشاط داخل القرية .## أما إبراهيم الشاعر , وهو صاحب ورشة صغيرة , فيقول : إن أهم ما يميز قرية البصارطة بالإضافة إلي صناعة الأثاث , هو طيبة أهلها الذين لا يشغلهم في حياتهم سوي ' لقمة العيش ', ومعظم الشباب الحاصلين علي مؤهلات عليا يعملون في ورش صناعة الأثاث , سواء كانوا يمتلكونها مثل حال أخي الحاصل علي بكالوريوس هندسة , أو لا يملكها مثل حال الآلاف من شباب القرية , وأكد أن الراتب الأسبوعي للصنايعي يصل إلي 600 جنيه , اي ما يعادل 2400 جنيه شهريا , وهو راتب جيد لشاب مقيم في قريته لا ينفق منها مواصلات ولا غيره , ويعمل الصنايعي من الساعة 8 صباحا وحتي 7 مساء , ويمكن أن نقول إن البصارطة تحولت من قرية زراعية إلي قرية صناعية .