لماذا أصبح العنف جزء من تكوين الشارع المصري ؟ و ما هي الأسباب التي وصلت بنا الي ذلك ؟ وهل يقتصر العنف و التعامل به علي فئة أو طبقة معينة؟ أم أنه تحول لجزء من السلوك العام ؟ .. كل هذه الأسئلة و أكثر طرحناها علي الدكتور أحمد عكاشة استشاري الطب النفسي لنعرف منه أسباب زيادة العنف عند المصريين والتي سبق وتعرض لها في أكثر من كتاب له . كتبت : رانيا نور هل أصبح العنف ظاهرة مؤكدة عند المصريين ؟ للأسف نعم ومن يقول أن تلك الظاهرة ليست جديدة علينا و أنها موجودة من زمان مخطيء لأن ما كان موجوداً هو مجرد سلوك فردي بسيط ليس أكثر ، أما ما يحدث الأن فهو يندرج تحت بند الظاهرة .. خاصة وان التعامل باليد أصبح أمراً عادياً ليس في الشارع فقط وإنما في المدراس سواء بين التلاميذ و بعضهم أو بينهم و بين المدرسين و كذلك في المنزل ، فهل كان يمكن أن نصدق من 10 سنوات مثلاً أن هناك أب يقتل أولاده أو ابن يقتل أمه ؟! طبعا لا .. وكون الأمر الآن تحول إلى مجرد حادثة نقرأها في الجرائد بدون أن نقف عندها كثيرا فمعني ذلك أن الحكاية تحولت إلي ظاهرة حقيقية أعتدنا عليها . وما السبب في ذلك ؟ للأسف النظرية السائدة فى المجتمع الآن تقوم علي قهر الناس و قمعهم ، وهذا في حد ذاته لا يمكن أن يولد إلا العنف لأن الناس أصبح لديها يقين بغياب العدالة وأنه لا يوجد قانون او ضوابط تحكم الأمور ، و بالتالي قرر البعض أن يأخذ حقه بيده خاصة انه عندما حاول يتظاهر او يحتج علي الأوضاع السائدة بطريقة سلمية وجد أن البعض يمارس العنف ضده و بالتالي قرر أن يرد بنفس الأسلوب . هل يميل المزاج العام عند المصريين الي العنف ؟ لا بالعكس ، المصري بطبيعته و موروثه النفسي شخص مسالم و متفاءل و لكن طرأت أشياء كثيرة علي المجتمع الأن غيرت في هذا المزاج العام للمصريين و الذي اصبح يميل إلي فقدان الأمل و العجز .. و هي بالنسبة له الطريق المختصر الي حالة السلبية و اللامبالاة التي تنعكس علي العمل فتؤثر علي الإنتاج و علي الإقتصاد بشكل عام ، و هناك دراسة اقتصادية تؤكد ان المصري لا يعمل أكثر من نصف ساعة في اليوم بعد أن اقتنع بأنه يمكن أن يصل إلي ما يريد بدون عمل . معني ذلك اننا فقدنا القدرة علي المواجهة ؟ تقريبا ، و الدليل علي ذلك احجام نسبة كبيرة جدا عن المشاركة في الإنتخابات لأن بداخلهم يقين بأن الأمر محسوم بالفعل ومشاركتهم هذه ليست سوي تحصيل حاصل ، و حتي الطبقة البسيطة التي تشارك في الإنتخابات .. مشاركتها هذه ليست سوي رد فعل لما قدمه لهم الناخب من مساعدات عينية أو مادية خاصة انهم يعلمون تماما انه سيختفي بمجرد دخوله المجلس ، و مع الوقت طبيعي ان تتأثر الصحة النفسية للمصريين . ماذا يعني مصطلح الصحة النفسية ؟ الصحة النفسية تعني جودة الحياة النفسية و الحسدية و الإجتماعية و الروحية للإنسان ، وتوافر الصحة النفسية يجعل لدي الفرد القدرة و الصمود علي مواجهة كروبات الحياة اذا مر بصدمة شديدة فيقوم منها نشطاً و أكثر قوة من قبل لأنه تعلم من تجربته فيها . و هل يمكننا ان نقول أن غياب الصحة النفسية هو سبب انتشار ظاهرة العنف ؟ انزلي الشارع و انت تعرفين .. ستجدين الناس لم يعد لديها أي قدرة علي مواجهة اخطاءها أو التسامح مع أخطاء الغير ، وبالتالي أصبح العنف هو الحل الأسهل للتعامل مع أي مشكلة أو العكس و هي اللامبالاة ، فما تفسيرك لحالة التبلد عندما يطلق قائد سيارة كلاكس لمواطن اخر يسير أمامه علي راحته و لا يبالي بتعريض حياته للخطر ، أليست هذه صورة من السلبية التي أثرت علينا في كل شيء حتي في الحفاظ علي حياتنا ؟! فضلا عن البطالة .. وهي السبب الأساسي في انتشار ظاهرة العنف ، فهناك دراسة تؤكد أن أكثر من 30% من الجرائم بسبب البطالة و 75% من جرائم هتك العرض مرتكبيها من العاطلين ..أي أن هذا العنف لم يولد من فراغ . و لكن العالم كله الأن يعاني من انتشار البطالة ؟ و لكن لا يعاني من غياب العدل ، فمثلا الدستور الأمريكي لا توجد به كلمة ديمقراطية و انما يوجد به مصطلح العدل ، فهناك عدالة في كل شيء و من يخطيء يعلم تماما انه سيعاقب بالقانون الذي يمشي علي الجميع ، و بالتالي فإنه يفكر ألف مرة قبل أن يرتكب أي خطأ ، و بالطبيعة النفسية من يفكر قبل الخطأ لن يرتكبه ، بالأضافة إلي أن الناس في الخارج تعلم أن انسانيتها و كرامتها و صوتها له أحترامه .. و من هنا فهم ليسوا في حاجة الي اللجوء الي العنف لأخذ حقوقهم طالما هناك قانون يعاقب المخطيء مهما كان . و كيف يأتي الحل لهذه المشكلة ؟ بأن يصبح المسئولين في مصر مثل لاعبي كرة القدم ، أو علي الأقل يتعلمون منها ..وأنا عن نفسي اتمني ذلك ، فلماذا يعشق الناس في مصر كرة القدم ؟ ، لأنها الشيء الوحيد لدينا الذي يتمتع بالشفافية و الوضوح و مساءلة المخطيء بدون كذب أو خداع ، فكل شيء يحدث امام الجميع و اللاعب الذي يخطيء أو لا يصيب في موقعه يخرج منه .