كنا قبل ساعات من عيد الأضحى المبارك .. ولذلك لم استغرق وقتا طويلا لاختيار موضوع تجربة الجزارة لأعيشها بنفسى ولو ليوم واحد ، خاصة وأن الكل يتكلم حاليا عن الارتفاع الكبير في اسعار اللحوم وأن طعمها تغير ولم تعد كما كانت .. قررت أن أختار أحد محلات الجزارة في حي شعبي حتي يكون الموضوع أكثر متعة وتشويقا في التعامل مع الناس .. ونزلت الي منطقة بولاق واتفقت مع أحد الجزارين للقيام بالتجربة وسألته عن كيفية استخدام أدوات الجزارة حتي لايكتشفني الزبون .. وطلب مني صاحب المحل أن أحضر في الساعة التاسعة صباحا .. لأبدأ المهمة . المشهد الأول التاسعة صباحا كنت أمام محل الجزارة ووجدت المعلم الكبير صاحب المحل في انتظاري , وكنت قد أحضرت بالطو خاص بي فرفض وقال لي " البالطو ده نضيف وكده الناس مش هتقتنع انك جزارة بجد " ولبست البالطو الخاص به ، ولايمكنني أن أقول عليه أبيض لأنه كان شديد الاتساخ من أثر اللحمة والدم .. ولأنه قام بذبح الخراف من الساعة 8 صباحا فطلب من الصبي تعليقه علي الخطاف وقال لي امسكي الخرطوم لكي أقوم بغسل اللحمة بعد تعليقها لتظهر نظيفة أمام الزبون وحتي يتم تنظيف المحل قبل أن تبدأ حركة البيع . المشهد الثاني في الوقت المقتول كما يسميه الجزارون وهو الوقت الضائع مابين آخر ذبيحة الساعة 9 وأول زبون تعلمت الدرس الأول في مهنة الجزارة وهو أن كل سكينة ولها استخدام وعادة أي جزار لايستخدم أقل من 4 سكاكين وتختلف أحجامها مابين الكبيرة والمتوسطة , أما التشفية فلها سكين خاصة بها وتسمي كازيلاك ، بخلاف بروة السلخ وهي عبارة النسخة المصغرة جدا من الساطور ولها يد صغيرة تكاد تمسكها باصبعين علي الأكثر , وبخلاف المسن الذي يقوم بتحمية السكين ويجعل مهمة التقطيع أسهل , ولكن كل سكين كان ملفوفا عليه مثل قطعة القماش وعندما سألته فقال : لأ ده ديل الجاموسة ولامؤاخذه سلخناه وركبناه علي السكينة .. فما كان مني إلا أن رميتها علي الأرض ولكنه غضب وقال لي كده هتعوري نفسك وتعورينا معاكي ، وشرح لى السبب وراء هذا الأختراع وهو أن الدهن بيخلي السكينة تتزحلق من الأيد لكن ذيل الجاموسة بيخليها ماتتزحلقش ، وعلي فكرة الجزار الشاطر بيبان من مسكة السكينة ! المشهد الثالث الساعة اقتربت من 12 ظهرا و هنا جاء أول زبون , وعندما وجدني أقف علي الأورمة الخشبة الدائرية التي يقطع عليها اللحمة وأمسك السكاكين في يدي نظر لي باستغراب شديد وذهب ليطلب من صاحب المحل والذي قال له قولها علي طلبك فرد الرجل بس يعني علشان المزمزيل ماتتعورش .. طبعا هو مش خايف عليا بس خفة دم وتريقة وخلاص فرد صاحب المحل قال له لا ماتخفش دي الجزارة الجديدة اللي هتشتغل معانا وطلب مني كيلو لحمة ضاني دهن خفيف ، فأخبرته بسعرها قبل أن أقطعها كعاده الجزارين فوافق فبدأت التقطيع من اللحمة المعلقة أمامي بمقدار مايقرب من كيلو لأنني اذا قطعت جزءا كبيرا تكون خسارة علي صاحب المحل وبدأت أقلل من حول اللحمة كمية الدهن المحاط بها ووجدت أن الميزان لم يتجاوز ال 800 جرام فقطعت جزء آخر صغيرا وأضفته الي الميزان ليتمم الكيلو ومرت أول بيعة علي خير . المشهد الرابع خلال هذا التوقيت بدأت حركة البيع تنشط وعرفت أن هذا هو الوقت الذهبي في اليوم قبل أذان الظهر بدقائق حتي أذان العصر وذلك لأن الناس في هذا التوقيت بتكون قررت هتطبخ ايه النهاردة !! وبدأت أعرف طلبات الزبائن وأحاول ان احضرها في اسرع وقت ولكن لأنها أول مرة اشتغل جزارة فكنت بطيئة مما جعل صاحب المحل يطلب من الصبي أن يساعدني في البيع للزبائن وطبعا كل ده وسط دهشة منهم خاصة وأننا في منطقة شعبية والناس مش متعودة أنها تشوف واحدة جزارة . المشهد الخامس بعد ساعة ونصف من العمل المتواصل اكتشفت أن تحضير الطلب للزبون يتم في وقت ليس بقصير وأن التقطيع فن لدرجة أن الجزارين يعتبرونها صنعة ومش أي حد يقدر عليها .. وبعد فترة طلبت سيدة كيلو لحمة مفروم وآخر صحيح ولكنه من العرق وبدأت أجهز اللحم المفروم وعرفت أنه علشان يطلع من ماكينة الفرم لازم يضاف له بعض الدهن وبصراحة كانت أسهل حاجة عند الجزار انك تعمل لحمة مفرومة تحط اللحمة من هنا سليمة تطلع من الناحية الثانية مفرومة بدون أي مجهود ولكن لازم اللي واقف يأخذ حذره حتي لايكتشف أنه فقد أحد أصابعه !! المشهد السادس بعد البيع بدأت في غسل اللحمة بالخرطوم مرة أخري خاصة أعقاد السجق المعلق علي باب المحل حتي يصبح نظيفا لأنه معرض لتراب الشارع كما أن صاحب المحل قال لي إن أكثر حاجة تشد الزبون لمحل اللحمة هي النظافة فلازم كل شوية نغسل وننظف المحل .. وغالبا ماتكون فترة العصاري لايوجد بها زبائن ولكن ينشط البيع مرة أخري بعد أذان المغرب خاصة وأن الناس عارفة أن يوم الثلاثاء تكون الذبيحة طازة لأنه يعتبر أول أيام الاسبوع عند الجزارين وبالتالي أكثر الأيام بيعا هي الثلاثاء والخميس لأنه بيكون تاني يوم إجازة والناس ممكن ماتنزلش تشتري وأما السبت أغلب الصنايعية بيحبوا يشتروا لحمة لأن الأحد إجازتهم . المشهد السابع تقريبا الساعة التاسعة مساء وحركة البيع تكاد تكون توقفت .. وبدأت أخلع عني البالطو وشكرت المعلم صاحب المحل علي هذه الفرصة التي لن أكررها مرة أخري خاصة بعد ما تعورت مرتين من السكينة الحامية وقال لي أنتي ليكي عندي أجرة نص يوم لأنك لسه مبتدئة وكمان عيب قوي إن الجزار يتعور من سكينة خايبة , دي سقطة في حق أي جزار وبعد هذه التجربة وقبل أن أغادر المحل سألته عن رأيه في فيلم بوحة فرد قائلا : ده أحسن فيلم شاهدته عن الجزارين وصبح صبح ياعم الحاج !!.