تفهنا الأشراف ليست مجرد قرية صغيرة تابعة لمركز ومدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وإنما هى قرية مثالية، جسدت نموذجا حقيقيا للتنمية المحلية عندما نجحت الجهود الذاتية بها فى إنشاء فرع لجامعة الأزهر يضم 4 كليات وعددا من المدارس والمعاهد والمصانع التى قضت تماما عن البطالة بالقرية، لكن هذه القرية التى كانت هادئة فى الماضى أصبحت الآن واحدة من أكثر القرى التى تشهد أحداث عنف وشغب طلابى .. حيث استغل طلاب جماعة الإخوان الإرهابية حرم القرية والأماكن الخضراء المحيطة بالجامعة فى تنظيم مظاهرات يومية وعادة ما تشتبك مع قوات الأمن أو مع الأهالى .. ومن هنا أصبحت هذه القرية المنتجة على صفيح ساخن الآن .. مما دفع الأهالى للتذمر والشكوى والدخول فى مشاحنات يومية مع الطلاب. فقد شكل طلاب جماعة الإخوان الإرهابية عددا من التكتلات مثل طلاب ضد الانقلاب بتفهنا وطالبات ضد الانقلاب بتفهنا ومجموعات أخرى لا تتوقف عن التظاهر بشكل يومى.. وفى نهاية التيرم الماضى أحالت إدارة كلية الدراسات الإنسانية بفرع الأزهر بتفهنا 16 طالبة ينتمين للإخوان للتأديب، وفصلهن عن الدراسة لمدة عام كامل، وقبل 6 أيام تقريبا نشبت اشتباكات بين طلاب الأزهر فرع تفهنا وأهالي القرية عقب تنظيمهم مظاهرة، حيث ردد طلاب الإخوان هتافات ضد القوات المسلحة والشرطة، واستفزوا الأهالي بمحاولة قطع الطريق مع إطلاق الشماريخ والألعاب النارية، وقام الأهالي بمطاردتهم حتى عادوا إلى الحرم الجامعى. .. وهكذا وجد فلاحو تفهنا أنهم مضطرون للتعايش مع أسلوب حياة جديد عليهم .. وأصبح هواء القرية الهادئ مختلطا دائما بالغازات المسيلة للدموع، إلى جانب أصوات طلقات الخرطوش التى لا تتوقف فى محاولة لردع نشاط طلاب الإرهابية ولكن دون جدوى.. وقد تعرضت القرية لخسائر هائلة نتيجة غياب الأمن.. وكانت تفهنا الأشراف تمثل نموذجا مختلفا للقرية المصرية، فقد انتشرت الكافيهات الشبابية بالقرية وراعى أصحاب هذه الكافيهات الطابع الريفى والعادات والتقاليد الأزهرية فقاموا بفصل كافيهات البنات عن البنين حيث تضم القرية ثلاثة كافيهات للطالبات بجوار كليتى الدراسات الإسلامية والتجارة أما كافيهات الشباب فتقع فى على أطراف القرية بالقرب من الزراعة مع العلم أنه ممنوع منعا باتا الشيشة أو تدخين السجائر داخل هذه الكافيهات .. .. ويذكر صالح محمد صالح أحد أهالى القرية وصاحب أحد الكافيهات أن الشيخ صلاح منصور مهندس تجربة تفهنا تم منع أمسياته الدينية التى كان ينظمها بأمر من الأمن، والحكومة ضيقت عليه لأنه كان ينتشر فى البلاد ويقيم سرادقات ويشجع الأهالى على التبرع لإنشاء المعاهد الدينية والمشروعات التنموية ولهذا ساهم فى بناء أكثر من ألف معهد دينى وكانت له طريقة تجعلك تخلع ملابسك وتتبرع بها. والحكومة لم تفعل شىء فى هذه القرية لدرجة أننا لو احجنا شىء أو طالبنا بشىء يقولون لنا " عندكو الشيخ صلاح " أيضا الطرق المسفلتة والمشروعات الخدمية كلها بالجهود الذاتية ومع ذلك تقوم الحكومة أحيانا بأن تنسب لنفسها هذه الجهود ويحاسب المسئولون فى المجلس المحلى الدولة على تكاليف إنشاءها. .. هذه القرية الآمنة التى سقطت فى قبضة طلاب الجماعة الإرهابية كانت تجربة عبقرية تتمتع منذ بدايتها باستقلالية كبيرة عن بيروقراطية الحكومة .. وكان المجلس الوزارى المصغر الذى شكله أهالى القرية لإدارة التجربة متكفلا بإدارة كل التحولات فى القرية .. وفى زيارتنا الأولى قبل أربعة أعوام كان فى استقبالنا من قاموا بتدشين المشروع التنموى بالقرية وذلك بالمركز الإسلامى .. لكن هذه المرة كان فى استقبالنا موظف المجلس المحلى .. لكن الحاج صلاح منصور أحد مؤسسى تجربة تفهنا والمتحدث الرسمى باسمها أكد لنا فى لقاءنا معه أن القرية قامت بالجهود الذاتية لكنها لم تكن منفصلة أبدا عن الإطار الحكومى لكن الفكرة باختصار أننا رفعنا شعار من الحضانة إلى الجامعة وقمنا بجمع التبرعات من الأهالى، كان ذلك عام 1982 وكان المشروع له صدى وحماس كبير منذ بدايته وكانت الفكرة تعتمد على أننا نقوم ببناء المعهد او الكلية ثم نقوم بتسليمه للأزهر لإدارته والإشراف عليه حتى أصبح فى القرية 6 معاهد بنين وبنات إبتدائى وإعدادى وثانوى ثم أإربع كليات وهذا يعنى أننا اكتفينا ذاتيا فمثلا ابنى لم ينتقل خارج القرية وإنما حصل على الشهادة الجامعية فى القرية من خلال فرع جامعة الأزهر فى تفهنا .. لكن الذى اختلف أن الجيل الذى قام بهذه التجربة مجهوده تراجع بحكم السن أما الجيل الجديد فلا يمتلك الحماس الكافى. ويؤكد الحاج صلاح أن القرية تخلو من البطالة ولا يوجد احد يجلس بلا عمل لأن عدد الوافدين على القرية يبلغ عددهم 25 ألف طالب وطالبة يدرسون بالجامعة بكلياتها الأربعة إلى جانب المعاهد الأزهرية وهؤلاء خلقوا حاجة من الطلب لوجود مواصلات فدخل التوكوك إلى القرية ودخلت خدمة الأتوبيس إلى القرية أيضا قام الكثير من الأهالى بإنشاء كافيهات شبابية للبنات والبنين وقام الأهالى بفتح مكتبات تصوير ومكتبات لبيع الكتب والأدوات المكتبية والدراسية هذا إلى جانب تسكين الطلاب فى الشقق المفروشة بالقرية هذا بخلاف عمل الكثير من الشباب فى مصنع الأعلاف الكبير فى القرية لكن الكثير من الشباب هجروا الأراضى الزراعية للمشاركة فى هذه الأعمال . لكن كل هذه الملامح باتت معرضة للمخاطر نتيجة غياب الأمن والاشتباكات المتكررة بين الطلاب والأمن بالإضافة إلى الشجار المستمر بين الأهالى والطلاب.. فمتى تعود تفهنا لسيرتها الأولى؟