تواجه جماعة الإخوان المسلمون خطر التصدع والانهيار فى أعقاب إلقاء القبض على قادتها بدءا من المرشد وانتهاء بقادة الشعب ومسئولو المكاتب الإدارية بالمحافظات .. وكانت موجة 30 يونيو قد جاءت محملة برياح عاصفة اقتلعت جذور الجماعة لتبقيها معلقة فى الهواء فى انتظار قرار تاريخى "مكرر" بحل التنظيم ووضعه على قوائم الجماعات المارقة التى تمارس الإرهاب .. هذه المشاهد تكررت قبل نحو 60 عاما ففى أعقاب صدور قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عام 1954 صدرت أوامر باعتقال ومطاردة المئات من أنصارها وقادتها وجرت محاكمات سياسية وجنائية لهم وتعرض الكثير من رموز التنظيم للسجن سنوات طويلة ومع ذلك بقيت الجماعة ولم تمت .. هذا السؤال يطرح نفسه الآن : ما مصير جماعة الإخوان بعد كل هذه الأحداث؟ وهل سيكتمل سيناريو 54 بكتابة شهادة الوفاة لهذه الجماعة؟ . دارسو التاريخ يؤكدون ان الإخوان لا يستفيدون أبدا من أخطاءهم التاريخية وأنهم بأنفسهم يقودون التنظيم نحو الهلاك بالعناد والإصرار .. حيث يقول الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بآداب حلوان والمؤرخ المعروف : تكرار سيناريو 1954 أمر غير مستبعد والأحداث التى تلت 30 يونيو دليل على ذلك وربما تدفعنا هذه الموجة لصدر حكم نهائى بحل هذه الجماعة تماما كما حدث عندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا تاريخيا بحل جماعة الإخوان فى 14 يناير 1954، نتيجة توتر العلاقت بينهم وبين جمال عبد الناصر، فعندما قامت الثورة عرض عليهم عبد الناصر المشاركة فى وزارة محمد نجيب فى 8سبتبمر 1952، وشاركوا بالفعل بثلاثة وزراء ولكن الهضيبى المرشد العام فى تلك الفترة ذهب لجمال عبد الناصر وطلب منه مراجعة الكثير من القرارات الرسمية فى مكتب الإرشاد فقال له عبد الناصر ان هذه وصاية مرفوضة وبدأت الجماعة توثق علاقاتها بالرئيس محمد نجيب وانتهزوا فرصة ان نجيب كان مهمشا وتحالفوا معه، لإقصاء عبد الناصر الذى كان مشغولا فى هذه الفترة بتوقيع إتفاقية الجلاء مع الإنجليز واعترف أيدن رئيس وزراء بريطانيا فى مذكراته أن الإخوان ساهموا بشكل كبير فى عرقلة إتفاقية الجلاء وأن بريطانيا كانت تعتمد عليهم فى إثارة القلاقل فى البلاد لشغل مجلس قيادة الثورة عن المطالبة برحيل الإنجليز، إذاً دخلت الجماعة فى صراع عنيف على السلطة وظل هذا الصراع بين مؤسسة ثورة يوليو التى يمثلها الجيش وبين مكتب الإرشاد ممثل الجماعة حتى اليوم، ولم يكن ذلك أبدا صراعا بين الدين والدنيا وإنما صراع على الكرسى وفى 2013 عندما أتيحت لهم الفرصة للحكم حنثوا بوعودهم ولم يقدموا شيئا لهذا الشعب حتى جاء موعد 30 يونيو الذى يعد بداية حقيقة لتكرار سيناريو 54 ومعلوم أن مرسى رفض عرض القوات المسلحة بإجراء استفتاء على بقاءه وبات معلوما أيضا أنه سعى لأن يتخلص من قيادات الجيش وعلى رأسهم الفريق عبد الفتاح السيسي ومن هنا عجلت القوات المسلحة بخارطة الطريق. ويضيف المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى أنه حتى إذا صدر قرار أو حكم بحل الجماعة فسوف تبقى نشطة كما هى وهذا تكرار لسيناريو 54 أيضا بأن الجماعة تعرضت للحل وتعرض قاداتها للاعتقال والمطاردة ورغم ذلك بقيت كما هى وذلك دفاعا مستميتا منهم لتطبيق لائحة الإمام حسن البنا التى أصدرها فى مايو 1948، بإقامة الفرد المسلم والمرأة المسلمة والمجتمع المسلم وأخيرا إقامة الحكومة الإسلامية، ومن هنا بدأ الصراع لإقامة الحكومة الإسلامية فى وجهة نظرهم وسيظل هذا الصراع قائما لا محالة حيث لن تبرأ هذه الجماعة مما هى عليه ولن تتخلى عن حياتها فهى ستظل أسيرة لمنهج حسن البنا وهذا المنهج نفسه أسير لزمن كانت الخلافة فيه قائمة قبل أن تسقط فى تركيا وبالتالى هم يريدون العودة بعقارب الساعة للخلف وسوف يظلون مرابطون على هذه العقيدة مها حدث. ويذكر الكاتب والسياسي الكبير الأستاذ حسين عبد الرازق القيادى بحزب التجمع أنه لا توجد وقائع تاريخية تتكرر بنفس التفاصيل والمقدمات لكن المشترك بين ما حدث عام 1954 وبين عام 2013 هو إصرار الجماعة على تكرار نفس الخطأ الجوهرى وهو التحالف مع قادة الثورة أو قادة الانقلاب أيا كان التوصيف ثم ينقلب هذا التحالف لنوع من أنواع الصراع العنيف وينتهى هذا الصراع عادة بخروج الإخوان من المشهد خاسرين .. فعندما استولى الضباط الأحرار على السلطة تحالف معهم الإخوان وعندما تولى المجلس العسكرى الحكم عقب تنحى مبارك تحالف معهم الإخوان وكان المجلس العسكرى فى ذلك الوقت يبحث عن ظهير شعبى تصور أنه مع الإخوان .. وعندما وصل الإخوان إلى السلطة فى 2012 و 2013 تصوروا أنهم فوق القوات المسلحة وأنهم الأقوى فى الشارع وأنهم قادرون على أن يحلوا محل القوات المسلحة كما ظنوا قبل عام 1954 أنهم يستطيعون فرض وصايتهم على الضباط الأحرار .. هكذا نجد أن الإخوان لديهم إصرار عجيب على السقوط فى نفس الخطأ وتكرار نفس السيناريو.