يمتلك دكتور أحمد عكاشة خبرة طبيب و احساس كاتب وأديب فى قراءة واقع المصريين خاصة فيما يتعلق بحالة الإكتئاب التى أصبحت المرض الأول عند الغالبية العظمى من الشعب المصرى بسبب الأحداث المتوترة التى تمر بها البلاد منذ قيام ثورة يناير .. فهل أصبح الشعب المصرى يعانى من إكتئابا قوميا ؟ وما هو الحل لإسقاط الإكتئاب ؟ هذا ما سنعرفه من دكتور عكاشة أستاذ الطب النفسى ورئيس جمعية أطباء نفس العالم هل مازال هناك أمل فى أن يشعر المصريين بالسعادة فى الأجواء الحزينة التى تمربها البلد ؟ أولا دعينى أؤكد ان ما نمر به فى مصر الأن ليست أجواء حزينة ولا إكتئابا قوميا كما يدعى البعض بقدر ما هى حالة من التخبط والمحاولة والخطأ والصبر والتعلم فالتجربة التى نمر بها جديدة علينا وبالتالى فمن الطبيعى ان نبقى لفترة ليست بالقصيرة نتعلم وندفع ثمن أخطائنا حتى نصل الى اليقين ومع هذا فمما لاشك فيه ان تلك الأجواء أثرت علينا جميعا وأصابتنا بالإكتئاب ولكنه حالة مؤقتة ستنتهى بزوال السبب وعلينا جميعا أن نبحث لأنفسنا عن ما يسبب لنا السعادة ولو لفترة قصيرة حتى نستطيع أن نتجاوز تلك المرحلة . هل بالضرورة أن يأتى الشعور بالسعادة من سعادة الجماعة أم انه شعور فردىيختلف من شخص لأخر ؟ السعادة مثل أى شعور إنسانى يعد أحساس فردى بالدرجة الأولى خاصة انه ليس بالضرورة ان ما يسعدنى لابد أن يسعد غيرى ولكن هذا الشعور يتضاعف من خلال الجماعة وكلما زادت دائرة المشاركة زاد الشعور بالسعادة خاصة تلك السعادة الحقيقية التى يطلق عليها المصريون فرحة من القلب . هناك دراسة تؤكد ان الإكتئاب يؤثر على القلب ... فهل هذا حقيقى ؟ ليس الإكتئاب فقط ولكن القلق والتوتر وضغوط الحياة لهم تأثير واضح على القلب والمخ وفى إعتقادى أن الإكتئاب هو السبب الرئيسى لزيادة أمراض القلب الشرايين والمخ وليس العكس ، فالإنسان الذى يعانى من الإكتئاب عرضة خمس مرات أكثر لجلطات القلب من الشخص غير المصاب بالإكتئاب وحتى ان كان لم يصل الى مرحلة المرض بعد ولكنه على اعتاب الإصابة بالإكتئاب يصبح عرضة لجلطة مرتين أكثر من الشخص الذى ليس لديه أعراض إكتئابية وذلك لأن هناك علاقة وثيقة بين مزاج الإنسان و كفاءة جهازه المناعى لأن جهاز المناعة يفرز نفس الموصلات العصبية التى يفرزها المخ وكأنما الله خلق مخين احدهما فى الجمجمة والأخر فى جهاز المناعة والإثنين يتعاملان معا بترابط وهرمونية شديدة . هل السعادة إستعداد نفسى أى ان هناك أشخاص يميلون بطبعهم الى السعادة أوالإكتئاب ؟ بالتأكيد فالسعادة أو الإكتئاب مثل أى شعور نفسى يختلف من شخص لأخر على حسب إستعداده للتعامل مع هذا الشعور والإندماج فيه ، بدليل ان هناك شخصان يتعرضان لنفس المؤثر فنجد ان إحدهما يكتئب والأخر لم يتأثر على الإطلاق ، ولكن تلك الميول سواء كانت إكتئابية أو مبهجة فإنها تختلف من ثقافة لأخرى ومن شعب لشعب . بعد الأحداث التى مرت بها مصر منذ قيام الثورة .. هل أصبح المصريون مرضىنفسيين ؟ لا طبعا وربما كان العكس هو الصحيح فتلك الأحداث فضلا عن الثورة نفسها تجربة جعلتنا نكتشف أشياء كثيرة وجيدة فى أنفسنا وكسرت حاجز الخوف والرهبة من الحاكم والسلطة وبالتالى فالمفروض اننا نصبح أكثر سعادة وليس العكس ولكن هذا لن يحدث إلا إذا أدركنا ان أى ثورة لابد أن تمر بمرحلة من التخبط والتوتر حتى تستقر الأمور وانا أرى ان الذى ينكسر أمام الأحداث هو شخص ضعيف أو هش والمصريين ليسوا كذلك فحقيقى اننا مازلنا رغم تشكيل كيان للدولة نعانى من الخلل الأمنى والحيرة وعدم الإستقرار والفقر حتى وصل الأمر بنا جميعا الى حالة من التوجس والقلق والريبة ولكن هذا لايعنى إننا تحولنا الى مرضى نفسيين ، فالمصريين شعب قوى وصبور وأعتقد ان علاقته بربنا وبالزمن بإعتباره إبن حضارة طويلة وعريقة تجعله قادر على تحمل الصدمات حتى نتجاوز تلك المحنة . بعض الدراسات تقول ان المصريين شعب لايميل للعمل بجدية .. فما تعليقك ؟ حتى لو كان هذا صحيحا فإننا لايمكن أن نطبقه كقاعدة والتعميم هنا به قدر كبير من التجاوز فالمصريين مثل جميع البشر حيث انه هناك شخصيات تكون سماتها انها نشطة فى عملها تحب المنافسة والتفوق حتى على ذاتها وتعمل بحرص وجدية وهؤلاء هم من يكونوا قيادات وزعماء وهناك شخصيات مسترخيه لاتتعجل أى شىء وليس لديها طموح فى العمل وهذا النمط عادة لايحقق أى نجاح يذكر فى حياته ونحن فى مصر لدينا من النموذجين وان كانت النسبة الأكبر للنموذج الثانى فهذا لايعنى اننا شعب لايحب العمل ولايميل للجدية فى حياته ، فضلا عن ان الأجواء العامة لها دور كبير فى مدى الحرص على النجاح بدليل ان المصريين عندما يعملوا خارج مصر يحققون نجاحا كبيرا وهذا يدل على ان الإدارة لها دور كبير فى إستغلال أقصى طاقة إيجابية داخلنا وبشكل عام فإن الإنسان الذى يعمل بكفاءة ويشعر انه منتمى لشىء أكثر شعورا بالسعادة وجودة الحياة من الشخص الذى لديه لامبالاه بكل شىء حوله ولا يشعر بالإنتماء لشىء . وهل هناك خطوات معينة علينا الحفاظ عليها حتى نتمتع بجودة الحياة ؟ لايوجد إنسان يمكن ان يعيش جودة الحياة بنسبة 100 % وكلما كانت توقعات الإنسان معقولة ومناسبة لطاقته وإمكانياته ويتمركز حول الأخر وليس حول نفسه كلما تمتع بحياة أفضل ونسيج إجتماعى صحى ، وجودة الحياة ليست مرتبطة بالفقر والغنى بقدر ما هى مرتبطة بشعور الإنسان بالرضا والرضا هنا ليس رضا الشخص فقط وانما إرضاء من حوله أيضا ، فالقدرة على العطاء للأخر تعطى نوعا من الرضا الذاتى أكثر من أن تأخذ منه ومجرد قبول الأخر العطاء فهذا يستحق الشكر لأنه يسعد العاطى ، فمساعدة شخص مريض أو فقير تعطى جودة حياة وتضع الشخص فى مزاج أفضل . كثرة العنف الذى أصبحنا نشاهده فى الشارع والإعلام يمكن ان يؤثر على الأطفالفى المستقبل بحيث يشبون أكثر عنفا ؟ ليس بالضرورة وان كان هناك احتمال إلا اننا نستطيع ان نجنبهم ذلك بآلا نركز على مشاهدة تلك الأحداث العنيفة أو التحدث عنها أمامهم وعلينا أيضا أن نركز أمامهم على اننا سنعيش مستقبل أفضل به المزيد من الحرية والإحترام لإنسانيتهم وكرامتهم . ما هى العوامل التى قد تساعد المصريين على تجاوز الشعور بالإكتئاب ؟ العمل ثم العمل ثم العمل ثم الإندماج فى حياة إجتماعية سليمة ، فالعمل بجدية من أهم الأشياء التى تجعلنا نتجاوز الشعور بالإكتئاب بل ونشعر بالسعادة أما الإندماج فى حياة اجتماعية سليمة يجعلنا لانتمركز حول أنفسنا فالإندماج مع الأخر من شأنه آلا نرى أى مشكلة نتعرض لها بحجم أكبر من حجمها الحقيقى ، وفيما يتعلق بما تمر به البلاد لابد ان نتجاوز الماضى ونحافظ على ما تعلمناه من ثورة يناير من التعبير عن الرأى بسلمية والحفاظ على حريتنا .