" جعلونى وزيرا "!! هذه هى أول عبارة ينطق بها ذلك الأستاذ الجامعى الذى يفاجأ صباح أحد الأيام بأنه أصبح- دون أى سبب منطقى- وزيرا!! لأن من المنطق أن يخضع اختيار الوزير فى كل الدنيا لأحد سببين الأول أن يكون من أهل الخبرة والكفاءة فى مجال الوزارة التى يختار لها.. والثانى أن يكون له دور سياسى حزبى واضح وملموس يؤهله للعمل العام!! والكارثة الحقيقية تبدأ عندما يختار أحدهم لمنصب الوزير دون أن يتوافر له أى سبب وإنما يتوافر له فقط لقب الدكتور الأستاذ الجامعى وهو اللقب الذى أصبح أحد مؤهلات الوزارة إذا لم يكن من أحد رجال الأعمال ويكشف الواقع فى حالات كثيرة أن أستاذ الجامعة يختار لتولى وزارة لا يعرف شيئا عنها!!فعندما يسند إلى أستاذ متخصص فى علم الأحياء مثلا مسئولية وزارة للتعليم تصبح الأمور كلها غامضة أمامه فهو هنا يفتقد الدراية أو الخبرة وعندما يختار أستاذ الجامعة للمنصب الوزارى وبعدها فقط يطلب منه الحزب الانضمام لعضويته فإنه يفتقد الدور السياسى وعندما تكررت حكاية " استوزار" الأستاذ الجامعى دون مبرر بدأ السباق فكل من يحلم بكرسى الوزارة يسأل نفسه ولم لا؟! مادام الاختيار لا يخضع لقاعدة معروفة أو مفهومة ومادام أن هذا الذى لم يتوافر له أية مقومات قد أصبح وزيرا فى غفلة من الزمن!! ومع استمرار الاختيار العشوائى لم يعد كرسى أستاذ الجامعة هو الأمل وإنما الأمل - كل الأمل - فقط فى كرسى الوزارة. ويجاهد الأستاذ مسخرا كل إمكانياته فقط فى خدمة كل ما يقربه من أضواء كرسى الوزارة وفى ظل هذا الإحساس يتراجع اهتمامه تماما بواجباته العلمية والطلابية ويصبح الجهد كله مركزا ومكثفا للبحث عن وسيلة يعرض من خلالها خدماته ومواهبه وقدرته فى الدفاع عن كل القضايا المطلوب الدفاع عنها وبراعته فى الهجوم على كل المواقف التى يستحب الهجوم عليها كذلك لا بأس فى إطار كل ذلك من تجنيد وتسخير كل إمكانيات الكلية من أجل رعاية أبناء أصحاب النفوذ على اختلاف مستوياتهم وتوصيل الخدمات إلى المنازل " وإوعى تنسى تسلم لى على بابا " وإلى جانب ذلك لا ينسى الدكتور فى سباقه المحموم على كرسى الوزارة السعى ليلا ونهارا وراء كل من يستطيع أن يكتب عنه كلمة فى صحيفة أو يدعوه لحديث إذاعى ويا سلام لو كان لقاء تليفزيونيا!! وبقوانين الصدفة قد يجد الأستاذ الدكتور فرصته التى يمسك بها بأسنانه عارضا كل مواهبه لتولى أى منصب حتى ولو كان لوزارة لا يعرف شيئا عن ألف باء ما يجرى فيها أو قضاياها بل ولم يقرأ يوما شيئا عنها ولكن كل ذلك لا يهم المهم هو الخروج من ظلام كرسى الجامعة إلى أضواء وسلطات كرسى الوزارة!! ولأن الدكتور لا يعرف سوى مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة ينقلب الحال تماما فالغاية الآن واضحة وهى الاستمرار على كرسى الوزارة والمحافظة على هذه النعمة التى جاءت من حيث لا يدرى ولا يتوقع ناسيا أنها لا تدوم وفى سبيل هذه الغاية لا مانع من اللجوء إلى كل الوسائل حتى إذا كان ثمن الاستمرار ولو يوما واحدا فى نعيم السلطة هو قطع الصلات وتصفية الحسابات مع أصحاب الفضل السابقين فهو على استعداد للتنفيذ دائما متوهما أنه مادام وصل إلى ما وصل إليه فإنه قادر على أن يبدأ مرحلة جديدة بجسور جديدة ناسيا أنه بابتعاده عن الجذور والجسور التى وصل عليها تكون النتيجة هى الذبول لأنه لا يلمع بذاته ولكن يلمع من انعكاس بريق الآخرين عليه!! ولأنهم جعلوه وزيرا فى غير تخصصه وخبراته يجد الدكتور أنه ليس لديه ما يقدمه سوى بعض المحاولات لإرضاء جميع الأطراف دون أن يكون له هو رأى أو قرار مكتفيا بأن يبقى الوضع على ما هو عليه أو ينفذ فقط ما يكلف به وكل ما يتضمنه هو أن يرضى عنه من فى يدهم مقاليد الأمر ولأنه لا يمكن إقناع أحد بأن المجوهرات الزائفة مثل المجوهرات الحقيقية فإنه سرعان ما يتضح للجميع أنهم جعلوه وزيرا رغم عدم خبرته العملية أو درايته السياسية وتكون النتيجة أنه بعد فترة يسدل الستار ويغادر المسرح ويعود مرة أخرى إلى كليته وهنا تحدث الكارثة فالدكتور لا يريد أن يقتنع أن العرض قد انتهى وأن الستار قد أسدل فيتصرف وكأنه ممثل يؤدى دور نابليون مستمرا فى أداء الدور مطالبا قواته بأن تتقدم لملاقاة العدو والناس من حوله بينما يحاول بعضهم أن يفهمه أن المسرحية انتهت!!!! ويصر الدكتور على أن يؤكد فى كل جلسة – بعد استعراض إنجازاته بالطبع – على أنه خرج من الوزارة راضيا وأنه لا يقبل أى منصب آخر أقل من الوزارة فقد وصل والحمد لله إلى قمة العمل التنفيذى فماذا يريد أكثر من ذلك ولكن ما إن تبدو فى الأفق أية احتمالات لعضوية لجنة أو اجتماع أو حتى جلسة أو قعدة إلا ويسارع مبتهجا وقد عاودته " الحالة " مرة أخرى بأنه يمكن له العودة مرة أخرى إلى بريق المقعد الوزارى.. ويصبح السؤال الذى يلح عليه هو: كيف يمكنه أن يعود مرة أخرى؟! يتوهم الدكتور الوزير السابق أن فرصته فى العودة مرة أخرى إلى كرسى الوزارة متوقفة على الإطاحة بالوزير الجديد الذى سلبه الكرسى وعلى الفور يكرس السابق كل جهوده لشن غارات من الهجوم المتواصل والمستمر على الوزير الجديد رافعا شعار أنه - أى السابق - وإن كان قد خرج حقا من الوزارة ولكنه يتحمل أمام التاريخ مسئولية حماية الإنجازات ناسيا أنه خرج من الوزارة وكأنه لم يدخلها فلم يعرف عنها أكثر من القشور!! ولأن معركته لا تسفر عن شىء يبدأ فى مطالبة الجميع بأن يحاربوا معه فى معركته الخاصة ضد الوزير الجديد من أجل تحرير الوزارة واستعادة منصبه مرة أخرى رافعا شعار " أن كل من ليس معى فهو ضدى وأن كل من ليس معى يستحق التجريح والإساءة " ناسيا أن كل هؤلاء ليس لديهم أسباب تدعوهم لدخول معركة شخصية بين وزير سابق ووزير حالى وأنه هو شخصيا كان ومازال مستعدا للتنازل عن كل شىء فى سبيل أى منصب جديد والأهم من ذلك أنه ينسى أن كرسى الوزارة لا يتم شغله بالدور أو بالتناوب وأنه حتى إذا حدث وخرج الوزير الجديد من منصبه فإن ذلك لا يعنى عودته مرة أخرى إلى هذا المنصب ولكن لا فائدة لأن " الحالة " زادت على الدكتور وأصبحت مستعصية وينسى الدكتور كل مسئولياته وواجباته كأستاذ جامعى ويصبح كل ما يهمه هو أن يعود ظافرا إلى وزارته حبيبته!! ويكون المنصب الوحيد الذى ينتظره هو عضوية جمعية ضحايا المناصب الوزارية " الذين تتوقف حياتهم عند إشاعات التغييرات الوزارية منتظرا أن يأتى عليه الدور مرة أخرى ويعود للوزارة مرددا: " هاتولى وزارتى... هاتولى وزارتى " ولا حول ولا قوة إلا بالله.