هو الأول على مستوى العالم في مجاله، المصور الكفيف الذي أبهر العالم، وضع نظرية تكنولوجيا الحواس ونال عنها الدكتوراة، وجعلت ولاية نبراسكا يوم 7 ابريل عيدا للاحتفال به، وأعطاه حاكم الاباما مفتاح الولاية، ومُنِح ميدالية كنيدي الذهبية، ليكون العربي الثاني بعد الرئيس الراحل انور السادات، الذي يحصل على هذه الميدالية، إنه المصري الأمريكي نزيه رزق. وكالة انباء الشرق الاوسط اجرت هذا الحوار من خلال الاتصال التليفوني معه من ولاية نبراسكا بالولايات المتحدةالأمريكية: أستاذ نزيه جرجس رزق، من مواليد فبراير 1960 بحي شبرا بمحافظة القاهرة، كيف ومتى بدأت رحلتك مع كف البصر؟ * في 13 أكتوبر 1976 كنت طالبا في الثانوية العامة، اجلس على مقعدي بالفصل بمدرسة شبرا الثانوية النموذجية فاشتبك معي الطالب الذي يجلس خلفي بعد أن أمطرتي بوابل من الشتائم، لأنه كان يريد أن يأخذ الكرسي الذي أجلس عليه، وعندما استدرت لأعرف سبب السباب فاجأني بعدة لكمات سريعة في عيني، فسال الدم من عيني في الحال. وماذا حدث بعد ذلك؟ * عدت لمنزلي وقصصت ما حدث، فحاولت أسرتي أن تنقذ عيني أولا قبل أي شئ، حتى أنني اجريت 11 عملية جراحية في العينين على مدى عام، أثناء ذلك تم عمل محضر ورفع قضية، على الطالب الذي ضربني، وعلى وزارة التربية والتعليم، وكان نتيجة ذلك تسليم الجاني لأهله وأخذ تعهد عليهم، هذا كل ما وقع عليه من عقاب مقابل فقدي للبصر، أما القضية الأخرى فقد حصلنا على قرار العلاج على نفقة الدولة بعد عام من الإصابة، وتحديدا في أكتوبر 1977. أين تم خضوعك للعلاج؟ * تم إدخالي بأحد المراكز الطبية المتخصصة في إنجلترا، وخضعت لعملية لم تنجح، ولم يستطع الجراح من إعادة النور لعيني بسبب أن العمليات التي أجريتها في مصر لم تكن كلها صحيحة وإنما كان يتم التجريب معي على عيني، وأكد الطبيب أنني لن أبصر مرة اخرى. بعد عودتك لمصر، كيف واجهت حياتك؟ * في البداية كان الأمر صعبا، ولكنني قررت أن أكمل مشوار حياتي، فحصلت على الثانوية العامة، ثم علي ليسانس الآداب قسم الاجتماع 1985، والماجستير في علم الاجتماع. وفي أي مرحلة من حياتك اتجهت للتصوير، قبل الحادث أم بعده؟ * عنما كنت في المستشفى في بريطانيا أهداني صديق لي من مصر، كان انتقل للعيش مع أهله في بريطانيا، كاميرا تصوير فوتوغرافي، ولم يكن يعلم أنني أصبت بالعمي نهائيا، كما أنني لم أكن أعلم أي شيء عن الكاميرات أو عن عالم التصوير من قبل، ونظرا لوقوع خبر كف بصري علي مدى الحياة كالصاعقة وأنا في هذه المرحلة العمرية، فما كان مني إلا أن ألقيت بالكاميرا بكل قوتي فارتطمت بمرآة بالحجرة فحطمتها ولكنها لم تنكسر، وبعد أن هدأت عني ثورتي وجدتني أطلب من أبي الذي كان يرافقني في رحلة علاجي أن يأتيني بها، وأخذت أتحسسها وأحاول معرفة أجزائها وكيفية عملها، وسألت أبي إذا ما كان يعرف شيئا عن التصوير بهذه الكاميرا، ولكنه أجابني بأنه ليس لديه أية فكرة عن هذه الكاميرا أو غيرها، فاستعنا بصديق لنا بانجلترا وأخذ يعلمني كيف استخدم الكاميرا وأخذت انا من وقتها اعتمد على كل حواسي لتعوضني فقدان البصر حتى استطعت بعد طول تدريب ان التقط اول صورة لي صحيحة فنيا، ومن يومها بدأ مشواري مع التصوير. هل هناك أشخاص كان لهم تأثير في دعم مشوارك في عالم التصوير؟ *بعد عودتي لمصر بدأت أتعمق في عالم التصوير وكان هناك شخصيات من مؤسسة الأهرام الصحفية كان لها دور وتأثير كبير في حياتي، منهم: الأستاذ الصحفي صلاح جلال والأستاذ الصحفي محمد محمد سليم والأستاذ الصحفي انطوان ألبير واللواء احمد فؤاد بكري، حتى افتتحت أول معرض لي في 10 يولية 1987 وكان بتنظيم من كاريتاس مصر. ولكن كيف حدث انتقالك للولايات المتحدة واستقرارك بها؟ *في سنة 1988 رشحتني الأهرام لتمثيل مصر في مهرجان بأمريكا بعنوان " فنانون متخصصون جدا "very special arts" وحينها تم استقبالي في أمريكا بحفاوة كبيرة فاستقبلتني جين كنيدي اخت الرئيس الأمريكي وايضا مستر جوان مدير المهرجان، ثم توجهت إلى بيرمنجهام في ولاية الاباما حيث أعطاني حاكم الولاية مفتاح الولاية، كما منحني عمدة بيرمنجهام مفتاح المدينة، وسلمتني جين كنيدي ميدالية كنيدي الذهبية، التي لم يأخذها من العرب قبلي إلا الرئيس السادات، وقُدِمت لي عروض كثيرة فكانت بدايتي بالولايات المتحدة ثم حصولي على الجنسية الأمريكية. وما هي نظرية تكنولوجيا الحواس التي نلت عنها درجة الدكتوراة في 2001؟ * عندما تندمج الحواس مع الأحاسيس، تتحول الصورة إلى لوحة فنية، عندما تستخدم كل حواسك في تحديد تفاصيل موضوع الصورة، فيجب أن تعرف أيا من بين الحواس الذي يحدد الرؤية أمامك وهو الذي يجعلك تحدد الفوكس ويجعلك تحدد المساحة التي تقوم بتصويرها. ما هو دور المرافق الذي يكون بصحبتك اثناء قيامك بالتصوير، ولأي مدى يساعدك في التقاط الصورة؟ * الشخص الذي يرافقني يقوم بوصف المكان لي فقط، فهو لا يحدد لي المنظر الجمالي الذي أريد تصويره، ولكنني أسأله أسئلة كثيرة عن أدق تفاصيل المكان التي قد تبدو غير مهمة للآخرين، ولكنها بالنسبة لي تكون مهمة ولازمة لأنني أقوم برسم صورة لكل المكان بتفاصيله في داخلي، وبناءً على هذه الصورة أختار المكان أو المنظر الجمالي الذي سأقوم بتصويره، وعندما ألتقط صورة لشخص ما، اسأله عن طوله ، وحجمه إذا ما كان بدينا أو نحيفا، وأسأله عن لون بشرته وغيرها من التفاصيل التي تساعدني في رسم بورتريه لهذا الشخص بداخلي وأحدد زاوية سقوط نور الشمس عليه، لأن غالبية الصور التي ألتقطها تكون في أماكن مفتوحة أستخدم فيها اشعة الشمس والظلال الطبيعية حتى أُظهر ملامح معينة أريدها في وجهه، ولهذا أصبحت الأسئلة الكثيرة الدقيقة التي أسألها هي بمثابة الريشة التي أرسم بها اللوحة التي أصورها. هل من الممكن أن تذكر لنا بعض الصور التي واجهت فيها مشقة كبيرة وعناء في تصويرها؟ ولماذا؟ * كل صورة لها نوع من المشقة، فمثلا صورة شلالات نياجرا؛ كانت في غاية الصعوبة، وأيضا صور مركز التجارة العالمي في نيويورك، في سنوات 1988، 1989، وفي 1990 قبل ضربه في 11 سبتمبر، وقمت بتصوير هذين البرجين من طائرة هليكوبتر. ما هي أشهر وأجمل الصور التي قمت بتصويرها في العالم و في مصر خاصة؟ * هناك صورة لعمارتين عاليتين على النيل تشرق الشمس من بينهما على كورنيش المعادي، هذه من الصور التي أحبها وأيضا صور لجبال البحر الأحمر، نيل القاهرة، وهناك صور تمثال الحرية، بوابة بروكلين، والبرلمان الإنجليزي وصور أخرى كثيرة.