وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط تحدث عن ملفات كثيرة من واقع خبراته فى المجال الدبلوماسى على مدى ستة واربعين عاما ورايه فى سياسة الدولة المصرية الخارجية وتأثير شخصية الرئيس على السياسة المصرية وعلاقته باللواء عمر سليمان رئيس المخابرات السابق واسرار المحادثات بينهما قبل وفاته وكذلك رايه فى القبض على قذاف الدم وبعض القيادات الليبية فى مصر وملفات اخرى مع الاعلامى خيرى رمضان وقال ابو الغيط : ان الرئيس جمال عبد ناصر كان يشعر بالبعد الاجتماعى ولديه احساس بالكرامة والنكسة كانت لحظة فارقة فى حكمه. والسادات شخصية مندفعة وثورية كان لديه القدرة للتحدث الى الشيطان "من أجل انهاء احتلال سيناء". ومبارك شخصية حذرة تتجنب الصدام والتقدم فى السن كان مؤثرا فى تقييمه للمواقف. ولا اعرف مرسى ولكنه تولى فى ظروف صعبة تفرض عليه حسابات كثيرة. وقال عن عمر سليمان : لم اكن ؤيد ان يذهب سليمان الى الولاياتالمتحدة لاستكمال علاجه بل كان يجب ان يعالج فى مكان يطمئن اليه.. واضاف ابو الغيط سليمان اخبرنى بانه كتب سبعين صفحة من مذكراته لكن القدر لم يمهله لاستكمالها. وردا على سؤال هل يمكن ان يتخلى دبلوماسى عن مسؤليات عندما يخرج عن صمته ويتحدث بأريحية كبيرة عندما يخرج من السلطة ؟ اجاب ابو الغيط: الى حد كبير هذا صحيح اذ انك تتعرض خلال عملك كدبلوماسى لكثير من الضغوط ولكن عندما يترك الدبلوماسى منصبه يبقى اكثر حرية فى الحركة ونحن فى ظروف تجعل الآن المجتمع فى حالة من الحرب والصراعات ةتغيرات واوضاع مرتبكة تجعلك امثر حذرا . واكد ابو الغيط قائلا: سأكون شاهدا على فترة 46 عاما منذ التحاقى بالعمل الدبلوماسى منذ عام 65 حتى تركى لمنصبى فى الخامس من مارس 2011 وساعقب على الاحداث المعاصرة والمقبلة منها ويجب ان يكون كل شىء محسوبا لكننى ساتحلى بالصدق على كل حال . وتابع :عاصرت ثلاثة رؤساء ورئيس للمجلس العسكرى منذ عهد عبد ناصر الذى تولى المنصب فى الثلاثينيات من عمره وهو عسكرى كان يشعر بالبعد الاجتماعى وكان لديه احساس بالكرامة جاء بعد حرب 48 فى اطار " فورة " وكان راغبا فى تغيير المجتمع وتدرج فى اجراءاته لاحداث هذا التغيير وانطلق فى مسار الاشتراكية لاستكمال هدفه واستكمال ثورته ولكن اللحظة الفارقة فى حياته كانت هزيمة 67 والتى كانت سببا لاهتزاز اوضاع المجتمع حتى غادر ناصر الحياة أما السادات كان شخصية عسكرية ايضا مفعما بالثورية حتى ما قبل 52 وكانت شخصيته تتميز بالاندفاع وهو مصر حتى النخاع مثله مثل كل ابناء المؤسسة العسكرية وكان عمليا للغاية تولى فى اوضاع احتلال لا رض مصر بشكل مزعج وكان تركيزه الاول هو انهاء هذا الاحتلال وكان لديه القدرة الى التحدث الى " الشبطان " من اجل هدفه وكان اخطر قرارين له هو قرار الحرب لتحريك العملية السياسية ثم القرار الآخر بالذهاب الى القدس والذى اسميه ب" الهجوم الثانى " بعد ان وجد ان الحرب لم تحقق ما تمنى كما كان يتصور والذى بكل صراحة افجعنى فى وقتها ولكن مع الخبرة العملية رايته قرارا جريئا َ كما انه لم يغب عنه البعد الاقتصادى خاصة بعد سقوط الماركسية والتحول الى الراسمالية والتى لم تدرس جيدا فى رايي مم اضر بالطبقة المتوسطة وارى انه كان بعيد النظر فى ذلك لان من يهاجمون قراره مستندين الى نجاح تجربة الصين يتغافلون ان سياساتها الاقتصادية سياسة راسمالية بحتة.. أما الرئيس مبارك فالوضع فى مصر فرض عليه سياسة محددة عند توليه المنصب فسيناء جزء منها محتل فضلا عن افتراق مصر عن الدول العربية بعد كامب ديفيد وتحولات السياسة الخارجية المصرية فى علااقتها بالاتحاد السوفيتى اضافة الى الوضع الداخلى السىء من تدهور اوضاع الاقتصاد وسوء البنية التحتية للدولة وهو شخصية هادئة حذرة للغاية صاحبته حتى النهاية و كان يعمل على الابتعاد بالدولة المصرية عن آية هزات والاصطدام مع الخارج ورايي ان الاكثر تاثيرا على تقييمه للمواقف هو التقدم فى السن وهذا كان يبدو جليا فى قضية مياه النيل والتفاوض من اجلها والذى لم يعطه الفرصة للقدرة على المناورة والتفاوض بشكل جيد خاصة بعد تصعيد الموقف من اوغندا وتنزانيا وكينيا بعد ان نالت كل منها استقلالها وتنصلها من كل الاتفاقات التى تحكم مسار النهر وارى ان مشكلة مياه النيل قديمة وعميقة تعود الى القرن التاسع عشر وليست وليدة السنوات القريبة الماضية والتى دعته الى تشكيل لجنة لمياه النيل واحيانا كانت تطرح علينا لقاءات قمة تنهى تلك المشاكل لكننى لم اكن اؤمن بها لانها اذا فشلت ستهتز علاقتنا بالدول الافريقية . أما الرئيس مرسى فانا لم اقابله فى حياتى لكننى استطيع بتحليلى المجرد انه تولى فى ظروف صعبة للغاية بعد التحولات الرئيسية فى مصر خلال العامين المنقضيين واوضاع صعبة على كافة المستويات فى ظل فورات يومية تفرض عليه حسابات كثيرة ومثال ذلك الصدام بين حماس واسرائيل بعد توليه بفترة قصيرة وكذلك اشتعال الاوضاع فى سورية والتى تمثل اهمية كبيرة لمصر لانها كانت وستظل طرفا مهما فى المعادلة فى العلاقات مع اسرائيل . وعن سؤال هل ترى ازدواجية الآن بين وزارة الخارجية وبين وجود مستشارين للشئون السياسية الخارجية داخل مؤسسة الرئاسة ؟ وهل يؤثر ذلك على السياسة الخارجية المصرية؟ اشار ابو الغيط ان: مستشارو الرئيس للشئون السياسية الخارجية ليست بدعة فمنصب مستشار الامن القومى كان موجودا فى فترة حكم السادات وكان يشغله محمد حافظ اسماعيل وكان اسامة الباز مستشارا سياسيا لمبارك وكان محمود رياض يراس المكتب السياسى للشئون الخارجية فى عهد ناصر وارى هذا المنصب لا غبار عليه واؤيده ولكن الامور يجب ان تدار بحرفية بمعنى الترابط بين كل الاجهزة والتنسيق فيم بينها ومثال ذلك التعاون الذى كان يحدث بينى وبين سليمان عندما توليت منصب الخارجية. واكد ابو الغيط : ان مصر تحتاج الى الجميع ولكن السؤال هل الجميع مستعد لدعم مصر ام لا ؟؟ نحن فى حاجة الى علاقات طيبة مع الجميع بما فيها ايران كدولة شقيقة اسلامية على قدم المساواة والتكافؤ وليس لاستخدامنا ككارت تستخدمه ايران فى صراعها مع الغرب . واضاف : مصر تتمتع بعلاقات طيبة مع تركيا والتقارب الاسرائيلى التركى ليس لمصر دور فيه بل تظل سورية وايران الحاكمين لهذه العلاقة وانا يسعدنى كمصرى ان تظل العلاقات المصرية التركية سيئة لان السياسة لا رحمة فيها وما يصب فى مصالحى اذهب اليه الى نهاية الطريق . وعند سؤاله بهل تعرض اللواء عمر سليمان الى الاغتيال فى رايك ؟ وهل كان يكتب مذكراته بالفعل ؟ قال ابو الغيط : اللواء عمر سليمان تعرض لازمات صحية متتالية بعد تركه لمنصبه اولها ضعف حباله الصوتية والتى جعلته يبقى لمدة اسابيع غير قادرا على الحديث كما انه كان يعانى من امراض القلب وذهب الى الامارات ومنها الى المانيا وتلقيت منه اتصالا هاتفيا وقال لى فيها " انا مت وعدت للحياة بعدما قلبى توقف " وقبل ان توافيه المنية اتصلت به ولم يكن يقول لى اين مكانه وسالته اين انت ؟ فقال لى انه فى لندن " بيظبطوا لى اجهزة الجسم وحاطلع على امريكا عشان ربما اعمل عملية فى القلب " ثم حدثت الوفاة وبالنسبة لمذكراته فقد اخبرنى انه كتب 70 صفحة منها ولكن القدر لم يمهله ليكتب اكثر من هذا بكثير كرئيس للمخابرات على مدى عشرين عاما و منطق الامور يقتضى علاجه فى مكان يطمئن اليه فى ظل ظروفه الصحية ولذلك لم اكن أؤيد ان يذهب الى الولاياتالمتحدة لاستكمال علاجه . وكيف ترى القبض على قذاف الدم وبعض القيادات الليبية وبعض القيادات الليبية والحديث عن وديعة ليبية فى مصر تودع لدى البنك المركزى المصرى ب 2 مليار دولار؟ ابو الغيط :لا يسعدنى بكل صراحة لان المبدأ لدينا من ياتينا لا نسلمه وهذا يناقض مواقف مصر التقليدية فى التعامل مع مثل هذه الامور واتذكر انه فى يوم فى اواخر فبراير قبل مغادرتى للمنصب وصل قذاف الدم الى مصر ووجدتها فرصة لتخليص المصريين العالقين فى ليبيا بعد تصريحات سيف الاسلام العدائية ضد المصريين بانهم السبب للقلاقل التى تحدث فى ليبيا وكان وقتها قذاف الدم يجرى اتصالات للتهدئة من داخل مصر بين المعارضة فى بنى غازى والنظام الليبى السابق لكنه لم يطلب منى حق اللجوء لذلك ارى للقصة بعدا آخر وهذا يجعلنى اتطرق الى اعتراضى على انضمامنا للمحكمة الجنائية الدولية لانه فى ظل الاوضاع المرتبكة فى العالم خاصة فى المنطقة الافريقية الملىء بالظلم والحروب والقهر سيولد التزامات على الدولة المصرية قد تضر بمصالحنا ومثال ذلك انه فى حال لجوء الرئيس بشير الى مصر سيتحتم علينا تسليمه . أتذكر مقولة الرئيس مبارك لك بان " المتغطى بالامريكان عريان ". وكنت اراى المقوله : ان الولاياتالمتحدة ترى مصالحها بعين مجردة وانا رايي ان تكون مصلحة مصر وامنها القومى هو المحرك الرئيسى لسياساتها كما اننى لا ارى تغييرا جوهريا فى مواقف مصر فى المرحلة الحالية من القضايا الرئيسية ولا انصح به حتى لو كان التحدث الى حماس بشكل اكثر رقة لان سياسات مصر الخارجية يحكمها التاريخ والجغرافيا وصعب تغييرها لسبب او آخر