تصوير : محمود شعبان أسرار وخبايا كثيرة يملكها كبير الأطباء الشرعيين الدكتور إحسان كميل جورجى رئيس مصلحة الطب الشرعى وأحد الأطباء المكلفين بمتابعة الحالة الصحية للرئيس السابق مبارك فى سجن طرة .. ذهبنا إليه لنفتح معه سويا الملفات الغامضة حول صحة مبارك وقضية انتحار المشير عامر وأسرار الجانى المجهول فى أحداث الثورة ولماذا لم تعلن مشرحة زينهم حتى الآن عن هوية مرتكبى حادث رفح، وهل صحيح أنه بوسعه التمييز بين شهداء الثورة الحقيقيين والبلطجية فى الأيام الأولى للثورة ؟ كيف تصف لنا حالة مبارك الصحية الآن فى ظل تضارب التقارير الطبية حول تدهور صحته فى مستشفى سجن طرة؟ نحن والأطباء المعالجون متفقون فى عدد من النقاط حول حالة مبارك وهى أن مبارك يعانى من شىء، وهذا الشىء تحت السيطرة الدوائية حتى هذه اللحظة ، وحالته لا تستلزم إمكانيات تكنولوجية عالية ولكنه فى نفس الوقت ربما يتعرض لحدوث مضاعفات قد تؤدى إلى الوفاة وهنا تكمن نقطة الخلاف ، وهى أن هناك احتمالات لحدوث مضاعفات .. ولكن هذه المضاعفات لم تحدث حتى هذه اللحظة ، فهل من المعقول أن ننقل مسجوناً لمستشفى ذات إمكانيات تكنولوجية عالية لمجرد أنه ممكن تحدث له مضاعفات أم ننتظر حتى تحدث هذه المضاعفات ؟ ولهذا نحن رأينا أن ننتظر حتى تحدث مضاعفات ننقله على أثرها للمستشفى حتى لا نكلف البلد لأن علاج أى مسجون يكون على نفقة الدولة ، فكان القرار بأن يودع فى مستشفى السجن وعندما تحدث المضاعفات يتم نقله ، وأنا كشفت عليه أول مرة فى مستشفى المعادى فى يوم 8 يوليو الماضى وخلال ثلاثة أشهر لم يحدث أى شىء يهدد حياته. أشيع كثيرا أن قلب مبارك توقف مرات عديدة ثم عاد للعمل من جديد، فما هو التشخيص الدقيق لحالة القلب ومتى تستدعى نقله للمستشفى العسكرى؟ الطبيب المعالج قال أن عنده مرضاً فى القلب لكننا اختلفنا فى ترجمة اسم هذا المرض إلى اللغة العربية ، لكن بشكل عام هو عبارة عن ارتفاع معدل نبضات الأذين حيث يصل لأكثر من 400 نبضة فى الدقيقة والبعض يصف هذا المرض ب "الذبذبة الأذينية" ولكن أنا لم ألحظ ذلك على القلب ، مع العلم أننا وضعناه على جهاز تسجيل النبضات طيلة 24 ساعة ولكن لم تظهر هذه الحالة ، وعملنا أشعة بالرنين المغناطيسى على مخه وتبين منها أنه لم يعانى من أى جلطات مخية طوال عمره نهائيا. انتهيت فى تقريرك حول قضية المشير عبد الحاكيم عامر إلى أن احتمالات انتحاره ضعيفا .. فهل يؤكد ذلك حقيقة تعرضه للقتل عمدا؟ هناك سوء فهم كبير فى هذه القضية .. أولا نحن فى الطب الشرعى عندنا خمسة احتمالات للوفاة معترف بهم على مستوى العالم فإما أن تكون الوفاة مرضية أو جنائية أو انتحارية أو عارضة أو غير محددة، وفى قضية المشير عامر جاء إلينا ملف القضية من النيابة مكونا من 80 صفحة وهذا الملف يؤكد فى مجمله أن المشير مات منتحرا. ثانيا عندما قلنا أننا نشكك فى أن تكون الوفاة انتحارية فهذا ليس معناه أن يكون قد مات مقتولا. وفى النهاية انتهى فحصنا للأوراق إلى أن الانتحار احتمال ضعيف وليس معدوما لأن ما حدث أنهم عرضوا علينا ملف القضية ولم يعرضوا علينا رفاة المشير. وعندما قرأنا الورق وجهنا عدة أسئلة : أولها كيف مات وكان المتاح من خلال الأوراق أن الوفاة نتيجة تسمم. ثانيا ما نوع السم فوجدنا أن اللجنة الطبية المسئولة فى هذا الوقت لم تتوصل لتحديد نوع السم الذى أدى للوفاة. ثالثا هل الوفاة جنائية أم انتحارية كما وردت بالأوراق فكانت الإجابة أننا تشكننا في هذه الحقيقة لكن ليس معنى ذلك أنه قتل. أيضا فتح التحقيق ليس معناه اقتناع بوجهة نظر وقد ينتهى التحقيق المفتوح للحفظ لعدم كفاية الأدلة أو لعدم التوصل للفاعل، كما أننا لا نستطيع تحريك الدعوة القضائية ضد نظام سياسي وإنما ضد شخص بعينه فهل هذا حدث فى قضية المشير .. لم يحدث. لماذا عجزت مصلحة الطب الشرعى عن تحديد هوية مرتكبى حادث رفح حتى الآن؟ ما توصلنا إليه فى أحداث رفح يمكن أن يصل إليه أى أحد على مستوى العالم، لكن العلم لم يساعدنا فى هذا الشأن والأمر لا يتعلق بالإمكانيات، أولا هناك سابقة حدثت تنفى ما يقال حول عجزنا عن القدرة على تحديد هوية مرتكبى الحادث؛ وهى أنه كانت هناك طائرة سقطت فى شرم الشيخ تضم وفد سياحى نحن اشتغلنا فيها وحضر طاقم من الأطباء الشرعيين الفرنسيين وأخذوا العينات وقاموا بتحليلها فى فرنسا وكانت النتيجة النهائية أن ما توصلوا إليه كان نفس ما توصلنا إليه. وأرسلوا لنا خطاب شكر فى طريقة التعامل مع هذا الحادث، إذن هناك فارق بين أن يكون عندك نقص فى الإمكانيات وبين أن يعجز العلم عن الوصول للحقيقة، نحن عندنا حاجة اسمها الاستعراف أى التعرف على هوية الجثث من خلال المقارنة أو بصمة الأصابع أو ال " دى إن إيه" بشرط أن يكون هناك سجل جينى يضم البصمة الوراثية للشخص بحيث نضاهى بصمته الوراثية كما استخلصناها بالجثة وبين بصمته المتحة من قبل بالسجل الجينى تماما مثل بصمة الأصابع لكن هذا لا يتوافر عندنا لأنه لا يوجد سجل وراثى. ونحن طلبنا من فترة بعد حوادث الكوارث الجماعية التى ازدادت بعد الثورة وهى الحوداث التى يتخلف عنها عدد من الموتى أكثر من 12 ولهذا السبب طالبنا بأن يتم عمل بصمة وراثية لمعتادى الإجرام أى أن الذى يدخل السجن يؤخذ منه عينة لتسجيل البصمة الوراثية أو ال "دى إن إيه" وهذا لن يستطع أن يقوم به أى أحد إلا وزارة الداخلية، وبالنسبة لحادث رفح نحن استخلصنا البصمة الوراثية لكن لاتوجد ملفات لهذه الجثث بها هذه البصة حتى نقارن. هذا فيما يتصل بالقتلى الذين سلمتهم لنا إسرائيل وقالت أنهم 6 لكن عندما فحصناهم وجدناهم 7 ذكور ، أما عدد قتلى العملية العسكرية فى جبل الحلال فكان خمسة تم التعرف على إثنين منهم بعد أن جاء إثنان من أهلهم فعملنا تحليل لل "دى إن إيه" للجثث وقارناه بال " دى إن إيه " فتأكدنا من هويتهم. لكن فى حادث رفح لم يتبين لأنه ليس هناك مجالا للمقارنة. هل صحيح أن الجهات الأمنية خلطت جثث الثوار بالمساجين فى أيام الثورة الأولى ؟ وما دور المشرحة فى التفريق بين معتادى الإجرام والشهداء؟ فى يناير وفبراير 2011 كان هناك غياب كامل للدولة ولم يكن هناك أى جهة حكومية تعمل غير مصحلة الطب الشرعى فكان يأتى إلينا جثث أشخاص لا نعرف عنها أى تفاصيل، فليس من اختصاصى الكشف عن ظروف الوفاة وإنما أنا مسئول عن معرفة أسباب الوفاة وبالتالى لا أستطيع أن أعرف من مات شهيدا ومن مات مقتولا فى حادث بلطجة ، فهذا لا يعنينى. كم عدد الشهداء الذين وصلوا للمشرحة فى أحداث الثورة ؟ الإحصائيات بصفة نهائية تقول أنه فى أحداث يناير وفبراير كان الجثث التى جاءت إلينا 152 جثة، وفى أحداث محمد محمود 43 وفى استاد بورسعيد 42، ومجلس الوزراء كان 18 ، وماسبيرو 24، وهناك جثث أخرى ذهبت للمستشفيات وتسلمها أهلها مثل حادث بورسعيد فمن المعروف أن عدد ضحايا الحادث كان 74 لكن ما وصل إلينا 42 أخضعنا منهم جثتين فقط للتشريح ثم رفض الأهالى أن يخضع الآخرون للتشريح وذكرنا فى التقرير المنشور كل التفاصيل الخاصة بالحادث فليس هناك شيئا خافيا فيها. فى جميع أحداث الثورة دائما الفاعل مجهول والحكم المتوقع فى كل حادث هو البراءة لجميع المتهمين، فلماذا يحدث ذلك رغم ما تشير إليه تقارير الطب الشرعى بتعرض المتظاهرين للقتل العمد؟ أى قضية تتكون فى الأصل من عدة عناصر وإذا كانت العناصر غير مكتملة تفشل القضية وتنتهى إلى لا شىء. وأى جناية تتناقض فيها شهادة الشهود يكون الحكم بالبراءة. ونحن نشعر بأن القضايا التى عرضت على القضاء المصرى فى أحداث الثورة خلت من وجود متهم محدد فمثلا فى قضية من القضايا يتهم المدعون بالحق المدنى مدير الأمن فى مكان ما بقيامه بإعطاء الأمر للعساكر بالضرب طيب أين إذن العسكرى الذى نفذ الأوامر وقام بضرب المتظاهرين بالرصاص وما الدليل على أن مدير الأمن أمره بضرب النار، إذن كانت عناصر الجريمة غير مكتملة يأتى هذا فى ظل مبدأ العدالة الذى نسير عليه وهو أنه لا يضير العدالة كثيرا إفلات متهم من العقاب لكن يضيرها إدانة برىء. لاتزال قضية مقتل الشاب خالد سعيد تثير جدلا حتى الآن .. ماذا تقول فى شهادتك حول هذه القضية خاصة وأن طعن المتهين على الحكم الصادر ضدهم خلال هذا الشهر؟ الذى تسبب فى كل هذا الجدل منذ البداية أن الطبيب الشرعى الذى شرحه عند تسلم جثته لم يكن عنده علم أو دراية بوجود تعذيب وتعامل مع الأمر بشكل عادى أما حقيقة تعرضه للتعذيب او الضرب فقد ظهرت بعد ذلك، إذن هو لم يكن يعرف فلم يصور الجثة عندما تسلمتها المشرحة، وعندما أثيرت الضجة وأمرت النيابة بإعادة التشريح كان الفاصل الزمنى بين المرتين 8 أيام مما أدى لتغير معالم الجثة وكانت الصور التى تم نشرها فيها بعد تخص الحالة بعد تشريحها، ولهذا نحن أصدرنا تعليمات فيما بعد بضرورة تصوير كل الجثث بمجرد أن تأتى إلى المشرحة وكانت المشكلة أنه لا توجد كاميرات أو مصورون فلجأ الأطباء الشرعيون للتصوير بأجهزة الموبايل على أن يتم حفظ كل الصور فى ملفات تحمل اسم صاحبها على أجهزة الكمبيوتر وسارت الأمور بهذا الشكل. وهل شهدت مشرحة زينهم حوادث تعذيب جديدة بعد الثورة؟ هناك إدعاءات فقط .. لكن حتى نستريح يجب أن نتفق أولا على التعريف القانونى للتعذيب وهو أنه عبارة عن " إيذاء بدنى يقوم به شخص صاحب سلطة مستغلا سلطته فى شخص محتجز مقيد الحرية" أى أن ضابط الشرطة لو ضرب واحد فى الشارع لا يعد تعذيبا وفقا للقانون، والمسئول عن توضيح ذلك هى التحقيقات لكن أصبحت القصة مشاعا يعنى واحد كان فى السجن وتعب يدعى بأنه تعرض للتعذيب وواحد تعرض للضرب فى الشارع يدعى بأنه تعذب لكن لم يثبت من التحقيقات وجود حالات تعذيب أخرى.