قررت الحكومة الفرنسية إغلاق سفارتها ومدارسها في 20 دولة تحسبا لأعمال العنف والغضب المتوقع حدوثها بعد نشر أحدى الصحف الفرنسية رسوما كاريكاتيرية فيها تطاولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فردود أفعالنا العصبية المتكررة بلا تغيير أصبحت محفوظة للعالم الذي أدرك بعض المنفلتين أخلاقيا فيه أنه من السهل استفزازنا فلعبوا بإجادة على هذا الوتر الذي لابد من قطعه حيث أن الاستسلام لمن يلعبون عليه ومجارتهم في الإساءة لنبينا الكريم بردود أفعالنا الصبيانية يزيد الأمور سوءا. قبل سنوات نشرت أحدى الصحف الدنماركية كاريكاتير فيه تطاول على خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم فأقمنا الدنيا ولم نقعدها صراخا وعويلا وغناء ودعوات للمقاطعة وانتهى الأمر على لا شيء. ومع تسريب جزء من فيلم "براءة المسلمين" اشتعلت النار في أعصاب بعضنا ممن رأوا أن نصرت النبي تكون باقتحام السفارة الأمريكية وعندما منعهم الأمن حدثت اشتباكات دامية بين الأمن والمتظاهرين انتهت بقتيلين وعشرات المصابين ... ولم يغير كل ذلك من الأمر شيء حيث سيعرض الفيلم وقد قدمنا لصناعه دعاية مجانية في كل أنحاء العالم لم يكونوا يتخيلوا أن تكون بهذه القوة والضخامة. ونفس الشيء يتكرر مع الصحيفة الفرنسية المغمورة التي تحاول كسب شهرة عالمية عن طريق المندفعين منا من الذين يسيرون خلف دعاة الفتن والعنف ويرون أن في ذلك نصرة للرسول صلى الله عليه وسلم .. والحقيقة أنها نصرة كاذبة حيث تحولنا في معالجة هذا النوع من القضايا الشائكة - التي حولناها لحرب - لسلاح فاسد نصيب أنفسنا وننصر أعدائنا لأننا ببساطة لم نتبع في التعامل معها تعاليم القران والسنة. فهل من خرجوا وسيخرجون للتظاهر أمام السفارات – كلما تكررت مثل هذه التجاوزات- تذكروا قبل خروجهم قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقوله {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}؟ هل عملوا بما امرنا الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).؟ هل من يقرروا مع كل تطاول على نبينا إرهاب المواطنين الأجانب في مصر تمعنوا في قوله الحكيم " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا"؟ لا اعتقد لأنهم لو عملوا بهذه الآية لما ارهبوا مواطنين أبرياء ..ضيوفا لدينا وبيننا وبينهم عهود ومواثيق تحميهم مثلما تحمى مواطنينا لديهم . ثم لماذا الإصرار على فكرة وجود مؤامرة على الإسلام ورسوله وهذا غير صحيح بالمرة لان الإساءة من بعض أفراد المجتمعات الغربية للأنبياء لم تقتصر على الإساءة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط حيث أن هناك الكثير من الأعمال الغربية أساءت للنبي عيسي عليه السلام الذي تم الترويج لفكرة انه كان متزوجا وله أولاد– وهى فكرة تنسف كل المعتقدات المسيحية من أساسها – من خلال فيلم "شفرة دافنشى".... و في فيلم "الإغراء الأخير للمسيح " تم توجيه أسوأ إساءة لنبي الله عيسى عندما تم تصوير علاقته بمريم المجدلية بصورة مشينة. وفى فيلم "ألام المسيح" تم توجيه اتهام مباشر لليهود بأنهم قتله السيد المسيح وقد حقق الفيلم نجاحا مذهلا في دور العرض رغم ما تضمنه من ازدراء واضح لليهود . وكل هذا يؤكد أن الإساءات غير مقصودة أو متعمدة بل هي نتاج الفهم الخاطىء من بعض المتطرفين فكريا أو دينيا لمعني حرية الرأي والتعبير الذي تحول عندهم لوسيلة لازدراء الأديان والثقافات والتطاول على أنبياء الله وفى هذه الحالة لابد من عدم الاهتمام بما يقدموه من أعمال تخلو من القيم والاحترام ..فالتجاهل والترفع عن الرد على مثل هذه الصغائر سيدمر صناعها الذين سيجدوا أنفسهم خارج اهتماماتنا .. ووقتها سيصمتوا للأبد.