خويلة إبراهيم مغيب, سيدة مصرية, شهرتها 'أم جمعة' عمرها 77 عاما, تعيش في منطقة التبة بمدينة نصر, مع أحفادها من ابنها 'بشير'المتوفي ولديها ابن آخر اسمه 'بدر' عمره 37 سنة, ويعمل أرزقيا علي باب الله. لها ذاكرة قوية ووجهة نظر شديدة الخصوصية في الأحداث الجارية ولها أحلام بسيطة تعالوا نتعرف عليها! تصوير : أميرة عبد المنعم جاءت من منطقة الغرق مركز إطسا , بالفيوم منذ عام 1989 مع زوجها , وولديها , وهي تعيش في منطقة التبة منذ هذا الوقت وحتي الآن , لم تعد لبلدها بعد أن توفي زوجها في عام 1991, والذي تزوجته وعمرها 15 عاما , وتحديدا في عام 1950, وكان يعمل فلاحا . ورغم أن الست خويلة تتولي تربية 3 أبناء , إلا أن دخلها الوحيد 70 جنيها شهريا , معاشها من الضمان الاجتماعي , تتولي منه الإنفاق علي حياتها هي وأبناء ابنها , السيدة خويلة أمنية حياتها هي زيارة بيت الله الحرام , إلا أنها تؤكد أنها لن تفعل ذلك , لأن الأموال التي تنفق منها هي مملوكة بالأساس لأحفادها , وأنها لن تحج بيت الله الحرام إلا من فلوس من عرق جبينها . خويلة التي تزوجت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي , كان مهرها حوالي 2 جنيه ونصف , ومؤخر صداق وصل ل 10 جنيهات , أما شبكتها , فكانت عبارة عن كردان كان ثمنه وقتها 9 جنيهات وحلق وخلخال وخاتم , أحضرته لها والدتها وليس زوجها . وخلال جلوسنا مع الست خويلة لاحظنا وجود حلقة حول قدمها اليسري , قالت إنها ترتديها في قدمها منذ أكثر من 50 عاما , وتمت صناعتها عند حداد , ويطلق عليها اسم ' التبيعة ', وهذه ' التبيعة ' وضعتها في قدمها , بعد أن توفي لها ولد وبنتان , ولم يكن يعيش لها أولاد مطلقا , وكان يعتقد أن هذه ' التبيعة ' تجلب الحظ , وبالتالي قامت الست خويلة بوضع هذه ' التبيعة ' في قدمها , أثناء حملها في ابنها بشير , ورغم أن خويلة تعتقد كثيرا في أن هذه ' التبيعة ' تجلب لها الحظ , ولن تخلعها حتي تموت , إلا أنها في المقابل لديها إيمان وقناعة بأن العطاء والمنع , بيد الله سبحانه وتعالي . الست خويلة عانت في حياتها كثيرا , فقد توفي والدها في عام 1948, أي قبل زواجها , وكان عمرها وقتها 14 عاما , ولم يكن لها اي إخوة , حيث أنجبت والدتها 7 أولاد , و 3 بنات غيرها ولكنهم ماتوا جميعا وهم صغار , ووصفت الست خويلة والدتها بأنها ليس لديها حظ , وأنها ذهبت بعد وفاة أولادها الصغار إلي بيت الله الحرام لتحج وتستغفر ربها لأنه كما تقول خويلة في الماضي كان الحزن يبلغ مداه , وكأن الدنيا انتهت بموت أي شخص حتي لو كان طفلا صغيرا لم يتخط عمره الأيام , حيث كان تلطم خدودها وتضعها في التراب , وكانت تندب وتعدد لمدة 40 يوما بكلام فيه نوع من الكفر , وهذا ما كانت تقوم به والدتها , وكان هناك سيدات تعدد كنوع من المجاملة لأهل المتوفي , والكلام الذي كان يقال في التعديد حرام , وعلي حسب وصف خويلة أن ' الواحدة من السيدات اللواتي كن يقمن بالتعديد حقها عيار نار ', وعلي العكس من والدتها تحلت خويلة بالصبر بعد موت أولادها , ولم تلطم الخدود ولم تأت بشيء من هذا القبيل . الست خويلة تشعرك في كلامها بالطيبة والرضا عن حالها , وعندما انتقلت بنا في حديثها عن أحوال البلد , قالت الحمد لله , بلدنا حلوة , ولكنها ابدت حزنها وضيقها من المواجهات التي تحدث من وقت لآخر بين قوات الجيش والمتظاهرين من وقت لآخر , مبدية تعاطفها مع جنود الجيش , لأنهم يقومون بدور وطني ويخدمون البلد ولا يجب التعدي عليهم مهما يكن الأمر , لأن الهجوم عليهم أو الاشتباك معهم من قبل المتظاهرين لا يعد من الإسلام في شيء . وتطرقت الست خويلة في حديثها مع مجلة الشباب , للرئيس السابق حسني مبارك , والذي وصفته بأنه ' خارب ' هذا البلد , وأنه السبب في سوء الأوضاع الذي وصلنا إليه , وأبدت قناعتها بأنه المسئول الأول عن أحداث العنف والفتن التي تحدث في مصر من وقت لآخر , ويدفع الفلوس للمخربين من أجل تأجيج وزيادة الفتنة . وعلي ما يبدو أن الست خويلة لا تطيق وجود الرئيس السابق علي قيد الحياة , واعتبرته السبب في وفاة شباب كثيرين منذ بداية الثورة , وحتي قبلها , وأنه تسبب في تشريد آلاف الأسر من هذا الشعب , وتجويع عشرات الآلاف من أبناء هذا الوطن , وحطم طموحات معظم شباب مصر , ولم يوفر لهم فرص عمل مناسبة , لذلك هي لم تتعاطف معه عندما شاهدته داخل القفص أثناء محاكمته , وطالبت المسئولين عن القرار في مصر بإعدام مبارك وأبنائه دون محاكمة , وقالت ' لو مبارك خد براءة تبقي الحكومة لامؤاخذة , فهو لازم يتسجن 25 سنة , هو وجمال ابنه أو ياخدوا إعدام , أما سوزان مراته فربنا يحكم فيها بمعرفته '! ولأنها عاصرت 4 عصور في مصر , فهي عاشت ايام الملك فاروق , وعاصرت ثورة يوليو 1952, وعاشت في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر , ومن بعده الرئيس الراحل محمد أنور السادات , وصولا لعصر الرئيس المخلوع حسني مبارك , فتحدثت عن هذه العصور , وعقدت مقارنة بسيطة , واصفة أيام الملك فاروق بأنها أيام ' حلوة ', ووصفت الملك فاروق أيضا بأنه كان ' راجل كويس ' ويحب مصر , وأن المصريين كانوا حلوين وطيبين , وكانت صورة الملك في هذا الوقت لا تقدر بمال , وكان اقتناؤها شرفا ما بعده شرف . وعندما تحدثت عن جمال عبد الناصر , قالت عنه إنه راجل صعيدي وهو المنقذ الذي حرر كل الدول العربية , وقالت عن الرئيس السادات ' ملحقش يعمل حاجة , بس هو حرر البلد ', وقالت عن الرئيس السابق حسني مبارك إنه باع أرض مصر . ورغم أنها تعيش عامها ال 77 فهي سعيدة ومبسوطة بحياتها هذه , وتؤكد أنها لا تريد شيئا من هذه الدنيا , وعايزة تعيش مستورة , وتموت أيضا وهي مستورة . ورغم أن الست خويلة كانت هادئة طوال دردشتها معنا , إلا أنها عندما انتقلت للحديث عن بنات هذه الأيام , تغيرت لهجتها , وقالت , ' زمان الواحدة ما تقدرش ترفع عينها , أنا لم أر زوجي إلا يوم الدخلة , ولم أكن أعرفه قبلها , لكن بنات دلوقتي يحطوا الهباب الأزرق , وتقول مش موافقة علي العريس ده , وعايزة عريس مواصفاته كذا وكذا , وتقعد تقول المواصفات قدام أبوها وأخوها , والكلام ده كان عيب زمان '. ولم تتراجع خويلة عن هجومها علي البنات وقالت ' عملتوا أيه بالحب , الله يخرب بيت النت هو اللي خرب الدنيا , وفتح عينين البنات والولاد , أنا لحد دلوقتي ما أعرفش استخدم التليفون , ولا أتكلم فيه ', وأضافت الست خويلة مقولة ' تتغمغمي ليه وتقولي أنا حرة .. يا جدرك في البيت يا رميك بره ', وقالت إن الست مكانها الطبيعي في البيت , وإنها لا يعجبها حال البنات وما يقمن به هذه الأيام , وأنه إذا حكمت علي واحدة منهن ستذبحها بيديها بالسكينة , وقالت ' لو عندي بنت ما أخليهاش تطلع من باب البيت '. الست خويلة , رغم لباقتها في الكلام , وخبرتها في الحياة , لم تتلق أي قسط من التعليم , ودخلت المدرسة لسنة واحدة , ولم تذهب للكتاب لحفظ القرآن مثلما هو حال معظم أبناء القري , ولكنها تحفظ بعض صغار السور التي تقرؤها أثناء الصلاة , خويلة عندما تحدثنا معها عن الإخوان المسلمين قالت ' الإخوان المسلمين ربنا يكفينا شرهم , وربنا يهديهم ', إلا أن إجابتها عن السلفيين كانت مختلفة وقالت ' ما اعرفش السلفيين '. الست خويلة , ركزت في كلامها علي أمهات وأهالي شهداء الثورة المصرية , وما تلاها من أحداث , وقالت لأمهات الشهداء ' بتدوري علي الفلوس .. فلوس أيه يا أم فلوس .. أبو الفلوس بعد الراجل ما يضيع , الملايين لا تعوض ضفر راجل ', ووجهت الشكر للجيش علي النعمة اللي معيشنا فيها بعد الثورة , وحفاظه علي البلد , ودعت لهم قائلة ' الله يعينهم علي اللي هم فيه '.