بعد يناير 2011 توقفت تقريبًا حركة النشر في دور النشر الكبري والمعتمدة في السوق المصري، وعلي مدار ثلاث سنوات لم يتجاوز عدد الكتب المطبوعة عن إحدي دور النشر في مصر إصدارين أو ثلاثة، وتقلص عدد الإصدارات لدار أخري إلي الثلث تقريبًا، فيما توقفت الحركة لدي دور أخري لعامين متتاليين، فيما ظهرت علي السطح دور نشر خاصة اهتمت بنشر كتابات الشباب. هذا ما يقوله سامح فايز في كتابه »BEST SELLEک حكايات عن القراءة» والصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية. هنا، وبالأرقام والإحصائيات والوقائع والمعطيات والنتائج يرصد الكاتب ظاهرة الأعلي مبيعًا، كاشفًا ما يحيط بعالم النشر وما يدور في كواليسها. فايز الذي يُهدي كتابه إلي كل من أحمد خالد توفيق، أشرف العشماوي، وأحمد مراد، يذكر أن قراءة أي حدث ليست بعيدة عن البيئة المحيطة وتحولاتها، بل معطيات نضعها في الاعتبار، في محاولة تحليل الحدث، مما يسهل عملية الوصول إلي النتيجة المرجوة.هنا يحاول فايز قراءة تحولات حركة النشر في مصر بعد يناير 2011، ومما رصده، في مجال النشر، أنه مع تراجع حجم مشاركة دور النشر المتعارف عليها في مصر تزايد حجم النشر في الدور الناشئة التي وصلت إلي خمسين داراً تقريبًا في العام 2015، وقد انحصرت إصداراتها في نشر كتابات الشباب، وفي النشر الأدبي وأدب الرعب والخيال العلمي، وقد لمع نجم هؤلاء الكتاب الشباب بشكل لافت بين القراء وحققت أعمالهم مبيعات لم يشهدها السوق المصري من قبل، إلا في أعمال معينة كانت تمثل طفرات، علي العكس مع هؤلاء الشباب، حيث تعددت نجومهم وهيمنت مبيعاتهم لنجد إصداراتهم تتصدر واجهات أشهر سلاسل بيع الكتب في مصر لسنوات.كذلك يرصد الكاتب عودة دور النشر الكبري للسوق مرة أخري، مع هدوء الأوضاع نسبيًّا في مصر، بعد عامين من أحداث يناير، واتجهت هذه الدور إلي الشباب، مثلما ظهر أحمد مراد مع دار الشروق المصرية. ظاهرة ستنتهي غير أن ما يؤكده فايز هنا أنه رغم حجم المبيعات الضخم الذي حققه الشباب، إلا أن الصحافة الثقافية وحركة النقد في مصر تعاملت معهم بحالة من التجهيل التام، ولو ذكرتهم عرضًا تضعهم في خانة الظاهرة التي ستنتهي سريعًا، لكن الظاهرة التي ظهرت بوادرها مع ذيوع استخدام الإنترنت في مصر لم تنتهِ، وقد ساهم اعتماد الشباب في مصر علي وسائط السوشيال ميديا والإنترنت في هذا الانتشار السريع وزاد من رسوخه حيث تحولت الظاهرة لواقع لا يمكن تجاوزه.وراصدًا، في معرض كتاب 2015، إقبال الشباب علي ندوة مغني الراب زاب ثروت وعزوفهم عن ندوة د. حامد عمار وهو من هو، يري فايز أنه التمرد الذي طال الفن كما طال كل جنبات الوطن، لكن تمرد الأدب تصدره شباب لم تتجاوز معارف معظمهم حدود كتب ميكي وأعمال الراحل أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق. هنا وفي حكاياته عن القراءة يرصد فايز غياب نجم أدب الرعب، علي أعتاب عام 2015، ليحل مكانه الأدب الرومانسي، وربما كتابات إيروتيكية، في تقليد واضح لنجاح رواية هيبتا التي تدور حول فكرة الحب للكاتب الشاب محمد صادق. قوائم الأعلي مبيعًا فايز، متحدثًا عن صناعة النشر في عصر شبكات المعلومات، يذكر أنه اقتصاديًّا لا ينظر الأغلبية للثقافة علي أنها مصدر دخل، رغم أن هذه الفرضية كانت مقبولة قديمًا. وعلي مستوي صناعة النشر، وفق تقريرٍ لاتحاد الناشرين الدوليين نشر عام 2012، قُدر حجم ما ينفقه القراء علي الكتب ب 114 مليار يورو، وتهيمن ستة أسواق علي هذه الصناعة.ومما يقوله فايز أيضًا إن الرواية في مصر كنموذج لا تتجاوز طبعتها ألف نسخة، وهناك دور نشر تصدر 500 نسخة، وربما تصل إلي 100 نسخة، فيما أصابت المشهد الثقافي في مصر وبعض الدول العربية في فبراير 2017 حالة من البلبلة حين نُشر أن أحدث روايات الروائي الياباني هاروكي موراكامي باعت مائة ألف نسخة في يومين، وكانت طبعتها الأولي 700 ألف نسخة، والدار بصدد إصدار طبعة ثانية منها تقدر ب 600 ألف نسخة. ما يؤكده المؤلف هنا أنه حتي عام 2005 لم تعرف مصر مصطلح قوائم الأعلي مبيعًا »بيست سيلر» بل إن النشر كان مسألة معقدة وحكرًا علي دوائر ثقافية معينة. وهنا يطرح تساؤلًا هل يعود هذا الضعف الشديد في صناعة النشر لضعف معدلات القراءة؟ غير أن الإجابة بأن الناس لا تقرأ تكذبها نسبة المبيعات الضخمة لإصدارات وزارة الثقافة المصرية ومشروع مكتبة الأسرة، حيث تنفد آلاف النسخ من طبعة العنوان الواحد خلال أيام. ومتحدثًا عن السوق الموازي يري فايز أن الطفرات الكبري في عالم النشر في مصر لم يستفد منها صانع الكتاب الأصلي، حيث تسببت هذه الطفرة إلي جانب عجز الصانع في مجاراتها إلي ظهور ما يعرف في علم الاقتصاد بالسوق الموازي، قاصدًا هنا انتشار الكتب المزورة التي تؤرق نوم صناع النشر في الوطن العربي. الأكثر تداولًا هنا أيضًا يكتب فايز عن موقف الكتاب الورقي وحجم انتشاره بعد ظهور الكتاب الإلكتروني والكتاب الصوتي، لافتًا النظر إلي أن الأمر يتطلب من صناع النشر في مصر أن يبدأوا في التخطيط لدخول عصر جديد من صناعة النشر علي مستوي التسويق والتوزيع لإثبات الوجود أمام كل من الكتاب المزوَّر والكتاب الإلكتروني. واستمرارًا في حكاياته عن القراءة وما يدور في عالمها، يذكر المؤلف أن عبارة »متوسط قراءة الشخص العربي 6دقائق في العام» هي الأكثر تداولًا في وسائل الإعلام العربية خلال عدة أعوام مضت، تتبعها عبارة أخري توضح حجم الفجوة، حيث تسرد غالبية التقارير الصحفية أن متوسط القراءة في الدول الأوروبية حوالي مائتي ساعة سنويًّا مما ساعد في طرح سؤال مهم وهو: متي يُستنهض شغف المعرفة لدي أمة اقرأ؟ هنا يكتب سامح فايز عن الكتابة الجديدة والدعاة الجدد، عن دولة الكتاب الأعلي مبيعًا ودولة كتاب الظل، وعن ظاهرة إبداع المنتقبات في مصر، وعن الناقد الرقمي وعن السرقات الأدبية والقوانين الرخوة. كما يكتب عن مافيا تزوير الكتب وإمبراطوريتها وضعف العقوبات المقررة علي المزورين .سامح فايز الذي رصد في كتابه هذا عدة ظواهر تتعلق بعالم النشر والكتابة والقراءة يختتم كتابه بثلاثة ملاحق تضم ثلاثة حوارات مع أحمد خالد توفيق، أشرف العشماوي، وأحمد مراد. في حواره معه يري أحمد خالد توفيق أن هناك جرأة علي كتابة الرواية، مؤكدًا أن قرار صدور رواية هو قرار مرعب. توفيق رأي كذلك أننا نفتقد للنقد الموضوعي، سواءً أكان بنّاءً أم هدّامًا، والمهم أن يستند النقد الموضوعي علي أدلة وبراهين، ومن الخطأ اعتبار أن النقد البناء هو الذي يمتدح الأعمال. فيما يري أحمد مراد أن الناس أحبت كتابته لأنه جازف، متسائلًا كيف يتوقف عن المجازفة بعد النجاح؟ أما الروائي أشرف العشماوي والذي قام بالتحقيق في محاولة اغتيال نجيب محفوظ، والذي استمر في سلك القضاء نتيجة لوصية والده، رغم أن الكتابة تحتاج إلي تفرغ، فيذكر في حواره أنه بدأ الكتابة تحديدًا في نهاية عام 1997 وهو في عقده الرابع واستمر يكتب دون نشر حتي العام 2010. وقد بدأ الكتابة من باب القصة ويسميها عشقه الخاص.