في مساء يوم 8 مارس 1919، تم اعتقال سعد زغلول هو وصدقي باشا من بيت الأمة »منزل سعد«، ثم سلم حمد الباسل نفسه للسلطات البريطانية، أما محمد محمود فقد اعتقلوه وهو في طريقه إلي بيت الأمة، وأمضوا الليلة في ثكنات قصر النيل وفي اليوم الثالث خرجوا بهم بسيارات مسرعة إلي محطة العاصمة تحت حراسة عسكرية مشددة وأقلوهم القطار إلي بورسعيد وهناك نقلوهم إلي ظهر باخرة بريطانية تقل جنودا بريطانيين. علم المعتقلون في هذا الوقت فقط أنهم متوجهون إلي جزيرة «مالطة» حيث المنفي إذ كانت القيادة العسكرية تعتقل المصريين والأتراك والألمان ووصلوا إلي جزيرة مالطة بعد ثلاثة أيام. حظرت السلطات البريطانية علي الصحف المصرية النشر عن هذا الاعتقال أو التلميح إليه ولكن سرعان ما علم به في نفس اللحظة اعضاء الوفد وأصدقاؤهم فانتقل الخبر سريعا إلي الشعب. وفي صباح 9 مارس 1919، اجتمع أعضاء الوفد برئاسة علي باشا شعراوي بصفته وكيل الوفد وأرسلوا خطابا إلي السلطان فؤاد يعترضون فيه علي تصرف السلطات البريطانية الجائرة باعتقال سعد باشا وأصحابه ويحتجون علي السياسة البريطانية ويطالبونه بأن يقف إلي جانب الشعب في هذه الأزمة. ثم أرسلوا برقية إلي رئيس وزراء بريطانيا يحتجون علي اعتقال سعد وأصحابه وصارحوه بأنهم سيواصلون الكفاح بكل الطرق المشروعة، كما أرسلوا برقيات بنفس المعني إلي جميع معتمدي الدول الأجنبية بالقاهرة. وفي صباح يوم 10 مارس 1919، أضرب طلاب المدارس العليا وخرجوا إلي الشوارع والميادين في مظاهرات طافت بدور المعتمدين السياسيين الأجانب احتجاجا علي اعتقال زعماء البلاد، كما أضرب عمال مرفق الترام عن العمل بعد ظهر نفس اليوم. وفي يوم 11/3/1919، أضرب الحوذية وأغلقت الدكاكين أبوابها في معظم أحياء القاهرة عدا دكاكين الأوروبيين، وتجددت مظاهرات طلاب المدارس العليا وانضم إليهم طلاب الأزهر والمدارس الثانوية وطوائف شتي وبأعداد كبيرة من الجماهير، وقابلهم الجنود الإنجليز بإطلاق النيران من مدافعهم الرشاشة . وفي يوم الجمعة 14/3/1919 استمرت الثورة في اشتعالها وتصاعدها وطاش صواب الجنود البريطانيين، فعند خروج المصلين من الجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة ظن الجنود البريطانيون أنها حشود من المتظاهرين فأطلقوا عليهم نيران سياراتهم المدرعة فقتلت منهم بضع عشرات وجرحت منهم الكثير، وانتقلت أخبار القتل والعنف إلي جميع مدن مصر فقامت المظاهرات الصاخبة في جميع أنحاء البلاد وانفجر بركان السخط فتصدي لهم الجنود البريطانيون أيضا وأحدثوا بهم الكثير من القتلي والجرحي، وانفجرت الثورة في كل مكان علي أرض مصر وبالغت السلطة العسكرية الانجليزية في قمع المظاهرات فزادت تلك التظاهرات حتي أصدرت السلطات العسكرية البريطانية إنذارا لكل من يقطع المواصلات بالاعدام رميا بالرصاص بمقتضي الأحكام العرفية، فكان الجواب هو إضراب عمال السكك الحديدية، ثم اندفع الناس يواصلون قطع القضبان وأسلاك التلغراف والتليفونات، فقامت السلطات العسكرية الانجليزية بتهديد القري بالحرق إذا ما ارتكب أي حادث مجاور لها ضد وسائل المواصلات، وقد هاجم الثوار في بعض الأقاليم مراكز الشرطة واستولوا علي ما فيها من أسلحة وذخائر، وأخذت الثورة الطابع الوطني وقام علماء الأزهر ورجال الدين المسيحي بالتزامل في تشييع جنازات الشهداء من المسيحيين والمسلمين في مواكب جنائزية موحدة ورفع الجميع أعلاما رسم عليها رمز الهلال والصليب وقام القسس بإلقاء خطبهم في جموع المسلمين بالمساجد كما قامت السيدات بمظاهرات وأيضا كان الضباط يشاركون في المظاهرات بملابسهم الرسمية إلي جانب القضاة والمحامين وطلاب المدارس العليا والثانوية وطلاب المدرسة الحربية. وطوال هذه الثورة وعلي مدي أيامها لم تحدث حادثة واحدة تشوه قداسة هذا الجهاد. أحداث الثورة في أقاليم مصر في الإسكندرية.. قامت المظاهرات بدءا من يوم 12 مارس وتصاعد حجمها وزادت كثافتها في يوم 17 مارس، وتعرضت لها القوات الانجليزية المسلحة في هذا اليوم فسقط أربعة عشر شهيدا وأربعة وعشرون جريحا. وفي بورسعيد.. كانت أضخمها مظاهرات يوم 21 مارس حيث بلغ شهداؤها سبعة والجرحي سبعة عشر. وفي البحيرة.. كانت أضخم مظاهراتها يوم 17 مارس في دمنهور وتصدي لها مدير البحيرة إبراهيم حليم باشا برجال البوليس وأهانوا المتظاهرين فاستشهد منهم اثنا عشر، وحوكم كثير ممن قبض عليهم أمام المحاكم العسكرية والانجليزية حيث صدرت ضدهم أحكام بالسجن والجلد والغرامات، كما صدر أمر عسكري بحظر التجول من الساعة السابعة مساء حتي الرابعة صباحا كما منع السفر من وإلي دمنهور. وفي بركة السبع.. حدثت كثير من المظاهرات الصاخبة حيث دمر المتظاهرون كوبري بركة السبع وخلعوا قضبان السكة الحديد وخربوا محطتها. وفي زفتي.. تظاهر طلبة المدرسة الثانوية وانضم اليهم الأهالي، وتألفت لجنة ثورية برئاسة الأستاذ أحمد الجندي أعلنت استقلال زفتي وتعاون المأمور الوطني إسماعيل بك حمد مع اللجنة الثورية. في مديرية الفؤادية «كفر الشيخ».. قامت المظاهرات بدءا من يوم 16 مارس وتعرضت لها السلطة العسكرية البريطانية في صباح يوم 16 مارس، وقام المأمور الوطني عبدالقادر أفندي مختار بمناصرة الثوار فأبعدته القوات العسكرية. - وفي قلين دسوق.. دمر الأهالي محطة السكة الحديد ونزعوا القضبان في كل منهما. وفي المحلة الكبري وشبين الكوم قام المتظاهرون بأعمال العنف والتخريب وفي المنصورة حيث راح ضحية التعرض الانجليزي المسلح تسعة عشر شهيدا. وفي مركز ميت غمر.. حدثت مذبحة في ميت القرش يوم 23 مارس 1919 حيث مر قطار كان يقل أكثر من مائة جندي بريطاني وتحرش هؤلاء الجنود بالمتظاهرين وقتلوا عمدا أحد الشباب لأنه لم يرشدهم عن مكان المتظاهرين وعندما حاول المتظاهرين الهروب سلط الجنود البريطانيون عليهم مدافعهم الرشاشة عشوائيا فحصدوا عددا كبيرا من الأهالي حيث بلغ شهداء هذه المذبحة أكثر من مائة شهيد وعددا كبيرا من الجرحي. أما في القليوبيةوالشرقية.. فقد قام الاهالي بالتظاهر ودمروا خطوط السكة الحديد وأتلفوا خطوط التليفون والتلغراف وخربوا الطريق الزراعي بحفر الخنادق العميقة فهاجمتهم الطائرات البريطانية حيث استشهد سبعة من الأهالي في الشرقية وخمسة آخرون في بلدتي طوخ وقها. في الوجه القبلي. كانت الثورة والمظاهرات أشد منها في الوجه البحري، فانقطعت طرق المواصلات تماما بين الوجهين البحري والقبلي. في الجيزة: - في 15 مارس، فاجأت سيارة محملة بالجنود البريطانيين تجمعا من أهالي قرية كفر الشوام بمركز امبابة في حفل عرس وباغت الجنود الانجليز الأهالي باطلاق النار عليهم فاستشهد ستة وأصيب ثمانية . - وفي 16 مارس، قتل جندي بريطاني أحد أهالي بندر الجيزة أمام دار البريد، فتجمهر الأهالي واعتدوا علي الجندي الانجليزي وعلي دار البريد. - وفي 18 مارس، حلقت الطائرات البريطانية فوق قرية المتانية بمركز العياط وألقت بعض القنابل فأيب عدد من الأهالي. - وفي 22 مارس، نزل بعض الجنود الانجليز إلي بلدة بشتيل، وأخذوايضربون الأهالي بالسياط ورد عليهم الأهالي بالمثل وتدخل عمدة القرية في الوقت المناسب واستشهد أحد الأهالي.. - كما دمر الأهالي محطات السكة الحديد، وفي بولاق الدكرور والبدرشين والحوامدية. وفي بني سويف.. قام الأهالي بتدمير كوبري قشيشة الموصل بين مركز الواسطي وبني سويف. وفي الفيوم.. حيث قامت المظاهرات واستشهد عدد كبير من الأهالي بلغ عدهم 400، وقد قام البدو بدور بارز في مقاومة البريطانيين وحدث تصادم بين جنود المركز والبدو. وفي المنيا.. استمرت المظاهرات عدة أيام حتي يوم 30 مارس حيث تمكن الأهالي من الاستيلاء علي السلطة في المديرية، فجاءت قوة عسكرية بريطانية وقام قائدها باعتقال الأهالي ومحاكمتهم واستشهد ثمانية من الأهالي. - وفي 18 مارس في «مركز ديرمواس» هاجم المتظاهرون قطارا كان متجها من الأقصر إلي القاهرة يقل عددا من الجنود والضباط الانجليز فقتلوهم عن آخرهم، فألقت السلطات القبض علي مئات من الأهالي وحكمت بالإعدام وبالسجن علي الكثيرين منهم. وفي أسيوط.. تفاقمت الحالة بعد أن اتخذت القوات العسكرية البريطانية موقعا دفاعيا فهاجم الثوار المتظاهرون هذا الموقع الدفاعي في صباح 23 مارس وأخذوا يطلقون النار علي الجنود الانجليز، إلا أن الأهالي تكبدوا خسائر جسيمة بلغت عدة مئات من الشهداء والمصابين. تعيين الجنرال «اللنبي» مندوبا ساميا.. 21 مارس 1919: استدعت الحكومة الانجليزية السير «وينجت» إلي حيث غادر مصر في 21 يناير 1919 واستبدلت به مندوبا آخر أقوي بأسا وأقدر علي مواجهة الثورة وقمعها بالشدة ولذلك صار تعيين الجنرال «اللنبي» محله مندوبا ساميا فوق العادة في مصر والسودان، وأذيع النبأ في لندن يوم 21 مارس في بيان رسمي، وقد وكل إلي المندوب الجديد في هذا البيان أن يقوم بالسلطة العليا في جميع المسائل العسكرية والمدنية واتخاذ جميع الوسائل التي يري ضروريتها ومناسبتها حتي يعيد القانون والنظام في مصر وحتي يدير جميع الشئون إذا لزم الأمر وضرورة تأمين وحماية حياة السلطان علي القطر المصري علي قاعدة ثابتة ووصل إلي مصر يوم 25 مارس 1919. في مساء يوم 8 مارس 1919، تم اعتقال سعد زغلول هو وصدقي باشا من بيت الأمة «منزل سعد» ثم سلم حمد الباسل نفسه للسلطات البريطانية، أما محمد محمود فقد اعتقلوه وهو في طريقه إلي بيت الأمة وأمضوا الليلة في ثكنات قصر النيل وفي اليوم الثالث حرةوا بهم بسيارات مسرعة إلي محطة العاصمة تحت حراسة عسكرية مشددة وأقلوهم القطار إلي بورسعيد وهناك نقلوهم إلي ظهر باخرة بريطانية تقل جنودا بريطانيين، وعلم المعتقلون في هذا الوقت فقط أنهم متوجهون إلي جزيرة «مالطة» حيث المنفي اذ كانت القيادة العسكرية تعتقل المصريين والأتراك والألمان ووصلوا إلي جزيرة مالطة بعد ثلاثة أيام. حظرت السلطات البريطانية علي الصحف المصرية النشر عن هذا الاعتقال أو التلميح إليه ولكن سرعان ماعلم به في نفس اللحظة اعضاء الوفد وأصدقاؤهم فانتقل الخبر سريعا إلي الشعب.