كلية الآداب بجامعة عين شمس تستقبل مدير شراكات جامعة إسيكس البريطانية    محافظ بورسعيد يعقد اجتماعًا تنسيقيًا لمناقشة الاستعدادات لانتخابات مجلس النواب    أول تعليق من الأطباء بعد إصابة طبيب بطلق ناري خلال مشاركته في قافلة بقنا    «الأخبار» فى قلب مواقع العمل من أبوقير إلى محطة مصر    رئيس هيئة الأنفاق: السكك الحديدية الألمانية تشغل شبكة القطار السريع في مصر    عيار 21 يسجل 5600 جنيه للجرام.. تعرف علي سعر الذهب الخميس 13-11-2025    تفاصيل طرح مشروعات "جنة" و"سكن مصر" و"روضة العبور" و"الإسماعيلية المتنوع"    الاحتلال الإسرائيلي يسلم جثة محتجز جديد عبر الصليب الأحمر    د. محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث: جهود مصر دفعت العالم للاعتراف بالحق الفلسطينى    باحث عراقي: نسبة المشاركة بانتخابات البرلمان غير مسبوقة.. رغبة في تشكيل حكومة مستقرة    روسيا: علاقاتنا مع برلين فى أدنى مستوياتها منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية    الشوط الأول| منتخب أيرلندا يباغت البرتغال في تصفيات كأس العالم    الأرصاد تحذر: سحب رعدية قوية تضرب الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ الآن    تحريات لكشف ملابسات سرقة جرار من مزرعة بالشيخ زايد    نقابة الأطباء: الاعتداء على طبيب قنا جريمة شروع في قتل وتقصير جسيم في تأمين القوافل الطبية    يسري نصر الله عن «ضايل عنا عرض»: الفيلم كشف حقيقة أن الفن شرط أساسي للبقاء على قيد الحياة    بين الإبداع والتنوع الثقافي.. «أيام قرطاج المسرحية» تنظم منتدى مسرحيًا عالميًا    تزامنا مع التقلبات الجوية تعرف علي أفضل الأدعية عند نزول المطر والبرق والرعد وفوائد الدعاء المستجاب وقت الأمطار    الصين ترفض بيان مجموعة السبع بسبب «التحريفات والتدخلات»    الرئيس الأوكراني زيلينسكي يزور اليونان الأحد المقبل    خبير: رون ديرمر أحد مهندسي اتفاقات إبراهام.. جيش اسرائيل مرهق للغاية    جواهر تعود لجمهورها بأغنية مفاجأة.. «فارس أحلامي» | شاهد    دار الإفتاء الفلسطينية تدين إحراق مستوطنين لمسجد في سلفيت    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    3.6 مليار جنيه استثمارات حكومية لتنمية جنوب سيناء بخطة 2025/2026    أرسنال يقترب من تجديد عقد بوكايو ساكا براتب ضخم    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    نيابة الحامول تأمر بانتداب الطب الشرعي لتشريح جثمان عروسة كفرالشيخ    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    ندب قضاة ومنفعة عامة.. قرارات جديدة لرئيس الوزراء    إسعاد يونس: أتمنى استضافة عادل إمام وعبلة كامل وإنعام سالوسة «لكنهم يرفضون الظهور إعلاميا»    كرة يد - تألق الخماسي المصري بفوز باريس سان جيرمان وفيزبريم في أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شادي لويس عن »طرق الرب«:تدريب شخصي عما يعنيه أن تكون قبطياً
نشر في أخبار السيارات يوم 01 - 03 - 2019

عبر سرد لاهث، مشوق ومتلاحق، يحكي شادي لويس في »طرق الرب»‬ حكايته الأولي عن »‬شريف» الذي يحكي بدوره قصة عائلته في جلسات اعتراف مجبر عليها. قصة أجيال تبدأ بجعفر وأسعد وتمر ببولس وموريس وتنتهي بشريف الذي يحمل جيناتهم وأوزارهم أجمعين!
مستسلما لمصيره يبحث شريف عن شهادة »‬خلو موانع» تمكنه من الزواج، ليتمكن من الهرب من الفخاخ التي تنصب له، ويبحث شادي من خلال توريط بطله، في التاريخ الاجتماعي والسياسي المصري، دون أدني محاولة للتفلسف أو ادعاء امتلاك الحلول يخوض في منطقة غير مطروقة روائيا، وربما غير آمنة أيضا، ليحاول عبر خطين متوازيين من الحكايات أن يجيب عن سؤال واحد هو »‬كيف يعيش المسيحي في مصر؟»
وإن كانت »‬طرق الرب» قد كشفت كل شيء تقريبا في حياة بطلها شريف، فإنها لم تقل الكثير عن حياة كاتبها، فقط تعريف بسيط يقول إنه كاتب وصحفي وأخصائي نفسي مصري يمارس الكتابة في عدة مواقع و »‬طرق الرب» هي عمله الأول.
لذا نحاول هنا البحث عن مزيد من التفاصيل، قلت له: اعتبرها جلسة اعتراف من جلسات الأب أنطونيوس التي فرضت علي بطل روايتك. لعلنا نصل إلي ما وصل إليه هو حولك أنت نفسك.. أن نعرفك أكثر وأن نقرأ جزءا من حياتك. رغم أنني أشك أحيانا أننا قد نكون بالفعل قد قرأنا أجزاء منها في »‬طرق الرب»!
ولم يكن بخيلا في الحقيقة ..
قال : أنا من مواليد القاهرة سنة 78، تربيت مبدئيا في شرق القاهرة، ما بين عين شمس وعزبة النخل. درست الهندسة المدنية في جامعة عين شمس، وعملت في مجال الإنشاءات لمدة سبع سنين ما بين مصر، وفترة قصيرة في شرق السعودية. وهاجرت لبريطانيا من حوالي 13 سنة، وهناك درست العلاج النفسي في مدرسة تدمج الفلسفة الوجودية بالتحليل النفسي، ثم درست علم النفس، وعملت في الخدمات الصحية والاجتماعية للتعافي النفسي في شرق لندن. وأثناء الماجستير في علم النفس تعرفت علي مدرسة ما بعد حداثية في علم النفس اسمها علم النفس النقدي، غيرت تصوراتي عن العالم بالكامل.
هذه المدرسة تنقل السؤال عن النفس من الداخل للخارج ومن الفرد للمجموع، وربما تلاحظ خيطاً رفيعاً في »‬طرق الرب» له علاقة بهذه المسألة، بوصف الأفراد منتجات لأنظمة أوسع، ولمواريث أبعد، ومنظومات للضبط وغيره. وفي أثناء الدراسة كانت الخطوة الأولي لأن أتعلم الكتابة. في كلية الهندسة لم نتعلم أن نكتب شيئا، وأذكر في الأسبوع الأخير قبل تسليم رسالة التخرج، قالت لي المشرفة في نصائحها الأخيرة، ما معناه »‬خليك فاكر العلم ما هو إلا سردية، الفرق ما بينهم (التيار العام في علم النفس) وما بينا (علم النفس النقدي) إن سرديتهم تدعم الوضع القائم وتحافظ عليه، وسرديتنا ترفضه وتتعاطف مع ضحاياه». ومن هنا دخلت لمجال الصحافة بالصدفة البحتة، ودون قصد أو تخطيط مسبق.
فيما يخص القراءة فأنا قارئ شره لكن ذاكرتي ضعيفة، أقراً كتابا كل ثلاثة أيام، وأنسي عنوانه واسم الكاتب بمجرد أن أقفل الكتاب، لا أعتقد أن قراءاتي فيها شيء مميز، أقرأ معظم ما يقرؤه الآخرون، كنت أقرأ كثيراً من الأدب الروسي والفرنسي واللاتيني والفلسفة الفرنسية المتأخرة وأنا صغير، وبدأت أهتم بالأدب الأنجلوسكسوني علي كبر.
ما قصة هذا الكتاب؟ متي بدأت في كتابته ومتي قررت نشره؟ أحد خطوطه يشي بأنك ربما بدأت فيه منذ فترة طويلة، أقصد الخط الخاص بحركة كفاية واعتصام اللاجئين.
كان لديَّ مشروع لتأليف كتاب عن علم النفس النقدي، وهي مدرسة لا يوجد عنها بالعربي سوي كتاب واحد مترجم. وعلي هامشه كنت أفكر في كتابة نص أدبي، كانت في الأغلب إما مجموعة قصصية أو شيئاً كأدب الرحلات. في هذا الوقت صدر كتاب »‬غذاء للقبطي» لشارل عقل، وهو كتاب ذكي وبديع وثاقب وفريد جدا، لكنَّ هناك نقاطاً أزعجتني بشدة فيه. حينها كنت أتجهز لتقديم ورقة بحثية عن الأقباط في مؤتمر أكاديمي عن مسيحيي المشرق العربي، وكانت الفكرة حول الخطابات التي يستخدمها الأقباط للتعبير عن أنفسهم، وجزء من البحث كان أن أطلب من عدد من الأقباط أن يكتبوا نصوصاً قصيرة، صفحة واحدة مثلا، عن معني أن تكون قبطيا، في الحياة العادية، شخص من دم ولحم وهكذا.
كنت أتوقع أن تكون الردود ضعيفة أو يهيمن عليها خطاب الاضطهاد أو الخطاب الحقوقي، لأن هذا هو المتوفر سواء من الكنيسة أو منظمات المجتمع المدني، أو احتمال خطاب المواطنة الذي لا يصدقه أحد. لكن النتيجة كانت صادمة، تلقيت ثلاثة ردود، اثنان منها لمسلمين يعانون من أن الناس تظنهم أقباطاً، ورد واحد من قبطي، كان عبارة عن مرافعة قانونية ودستورية. الأمر إن في طرحنا سرديات عن أنفسنا نحتاج لمرجع، لموارد لغوية وخطابية، لأدبيات مكتوبة من قبل. الصادم والمخزي، أن الأدبيات عن الأقباط أو بواسطتهم، شحيحة جدا، وكثير منها من وضع تعال، أي يكتب القبطي المثقف بحذر عنهم، حتي لا تتهم كتاباته بالطائفية أو بالترويج لأدب الهوية، وفي أحيان أخري يكتب بتعال علي العادات البائدة والمجتمع المتحلل وهكذا. ووجدت نفسي مدفوعا لكتابة نص يقدم صورة غير نمطية بالضرورة عن نماذج مختلفة من الأقباط في الأجيال المختلفة لعائلة شريف، نص هو في حد ذاته تدريب شخصي لي أنا، عما يعنيه أن تكون قبطيا وتكتب عنه. وربما يساهم في طرح نموذج أو موارد خطابية لآخرين ليخوضوا نفس التجربة.
بدأت الكتابة بخطة أن أخصص يوماً واحداً في الأسبوع، أنتهي فيه من فصل واحد، والتزمت فعلا، وانتهيت منها في أربع شهور، لأني كتبت فصلين في أسبوع واحد. ولم أقرأ الرواية كاملة »‬علي بعضها» إلا في النهاية. كان صديقي محمد هاني يقرأ فصلاً بفصل، ويقول لي رأيه. راجعتها لمدة أسبوع بعدما انتهيت منها، وأرسلتها للناشر.
لكنها رغم ذلك لا تحمل الكثير من صفات العمل الأول. بها الكثير من الإتقان في الحقيقة. ما الذي سبق هذا الكتاب، وهل يوجد من تابعه معك حتي وصل إلي ما وصل إليه؟
والله أنا سعيد بهذا المدح. لم أرسل النص أثناء كتابته غير لصديق واحد خارج الدوائر الأدبية. بعض الأصدقاء الروائيين ممن أرسلت لهم النص لقراءته قالوا إنه غير صالح للنشر، أو يحتاج لشغل أكثر، وصديق أراد أن يكون أكثر صدقا قال لي »‬دي مش رواية بالأساس». أفضل رد تلقيته كان: إن بها عيوب العمل الأول، لكنها عمل أول بالتأكيد. كان هذا مستوي المتابعة ليس أكثر من هذا. قبل الرواية كتبت للصحافة لخمس سنوات أو أكثر وبشكل دوري، وكثير من المقالات كان فيها لمحة أو أساليب أدبية، وأحيانا أيضا بعض السيرة الذاتية، وهذا كان تدريباً طويلاً وغير مقصود أو واع.
يشتبك النص مع »‬تابو» شديد الخطورة، قلة من حاولوا الاقتراب منه، وأقل نجحوا ونجوا. هل تطمح لتشريح الوضع القائم للأقباط في مصر، أم إلقاء حجر في بحيرة راكدة، أم هدم المعبد علي من فيه..
أيضا.. هل واجهت أي مشاكل بهذا الخصوص.. وهل تتوقع؟
الحقيقة لا أعتقد أني تعمدت أياً من هذا، ربما حدث عرض. فهمي للأدب هو أن سحريته تكمن في التعاطف، أن يتماهي القارئ مع الشخصيات التي يقرأ عنها، أن يضع نفسه مكانها، أن يفهم معاناتها ودوافعها ومحاولاتها الفاشلة وما وصلت إليه. آيريس ماردوخ بالإضافة إلي كونها روائية، لديها مساهمة معتبرة في فلسلفة الأخلاق، تؤسسها علي مفهوم التعاطف هذا، أنه بإمكاننا الحكم الأخلاقي عبر تقمصنا لظرف الآخر وتماهينا معه. ما رغبت فيه، أن يضع القارئ -غير القبطي والقبطي أيضا- نفسه مكان شريف وأستر ومارية وجعفر، ويتصور حيوات مثل هذه بمعاناتها وعنادها وتمردها. عبر هذا ظننت أنه يمكن لنا أن نفهم بعضنا البعض، ونتعاطف مع بعضنا البعض أيضا، أو علي الأقل نسمح بقدر ما من حكم أخلاقي تجاه بعضنا البعض، مؤسس علي تلك الشراكة في المأساة.
حتي الآن لم يحدث أن انزعج أحد من الكنيسة أو الأقباط المحافظين من الرواية. علي العكس يبدو أن هناك سعادة ما بأن يكون الأقباط موضوعا لرواية، البطريرك السابق للكاثوليك في القدس علي سبيل المثال أشار للرواية علي صفحته علي الفيسبوك بشكل إيجابي.
هل تري أن الرواية هي المكان المناسب لتمرير هذه النوعية من الأفكار.. هل فكرت في عرضها بكتاب بحثي مثلا؟
الأبحاث عن أوضاع الأقباط القانونية والحقوقية والمؤتمرات عن العلاقات الطائفية ما أكثرها، وربما يوجد تخمة فيها، لكن كل هذا يتكلم عن الأقباط بصفتهم وحدة قانونية أو معاملا في معادلة سياسية وهكذا، أظن الأدب (والفنون عامة) وحدها القادرة علي تصورهم ناس من دم ولحم، يمكن تفهمهم والاقتراب منهم، والانخراط معهم في علاقة علي مستوي الندية.
قرأت تعليقات كثيرة ربما يمكن تلخيصها في البخل. بأنك كنت بخيلا في بعض الأجزاء التي كانت تحتمل التوسع. وفي رسم شخصيات ظل بعضها غامضا حتي النهاية كياسر مثلا.. هل صادفت هذه التعليقات؟ وكيف ترد عليها؟
صادفت هذه التعليقات بالتأكيد. ويمكن بكل تواضع الاعتراف بأنها كانت تجربة رواية أولي، ولايزال هناك الكثير أحتاج تعلمه وأطوره في أدواتي. لكن أيضا كان لدي قرار واع وواضح، بالتقشف في كل شيء في الرواية، في التفاصيل بأنواعها وفي كثافة اللغة والاقتصاد بقدر الإمكان. لأسباب كثيرة منها انزعاجي الشخصي من الروايات التي فيها ميل وصفي، أجدها استعراضية والأسوأ مملة. كانت رغبتي أن يظل التركيز علي الحكاية نفسها، في أبسط صورها، جراهام جرين كتب مرة أنه حين نكتب رواية يجب أن نتذكر أن جوهرها هو حكاية، وهو لا يقول هذا سوي لأن حقيقة بسيطة مثل هذه تبدو وكأنها منسية أحيانا كثيرة. أما بالنسبة لياسر فهو شخص حقيقي، وأنا لا أفهمه في الحقيقة كما في الخيال، وقبلته في الحياة علي غموضه هذا، لأسباب غير قادر علي منطقتها، وعجزت عن أتعامل معه في الرواية غير بدمجه في شخصية أخري لا تقل غموضا أيضا.
هناك الكثير مما يمكن قوله بشأن الفصل الأخير. يشبه كثيرا نهايات الأفلام التي تحرص علي تلخيص مسارات حياة كل من ورد ذكره من الأبطال، بشكل شخصي كنت أتمني أن يحذف تماما، وأن تنتهي الرواية عند جملة والد إستر »‬لا جدوي من معرفة الحقيقة الآن».. لماذا أنهيت العمل بهذا الشكل؟
الجميع كان منزعجاً من الفصل الأخير. والأصدقاء ممن قرؤوا النص قبل نشره كانت تعليقاتهم مشابهة جدا. »‬مفيش حد تقريبا كان راضي عن الفصل الأخير، باستثنائي أنا للأسف». هناك مقولة لا أتذكر قائلها وهي أنه »‬لا يمكن الدفاع عن قصيدة» أو في قول آخر »‬لا يمكن تبرير الشعر». لكن يبدو أني لا أستطيع أن ألتزم بها. في الحقيقة كانت لديَّ رغبة أن تكون الرواية بمثابة حلم مزعج، يشعر القارئ بعده بالضيق، وإحساس بعدم الرضا. الصوت السلبي للراوي شريف بطول الرواية كان مزعجاً بما يكفي، لكن كان إزعاجاً هادئا. كانت رغبتي أن تكون النهاية أعلي صوتا، محبطة ليس فقط علي مستوي نهاية القصص، لكن علي مستوي الأسلوب وصوت الراوي الذي يتغير فجأة مثلا والحبكة، أي أن تكون النهاية محبطة علي مستوي المعني والقالب، السرد والجماليات. ويبدو أني نجحت في هذا بشكل كبير الحقيقة.
علي مستوي آخر، الفصل الأخير لا غني عنه بالنسبة لي، السؤال الأساسي الذي حاولت أن أتعرض له، كيف للأفراد أن يقرروا مصائرهم في عالم تحكمهم فيه أنظمه معقدة من السلطة ومواريثها، »‬إلي أي حد ممكن يفلتوا أو يتحايلوا علي كل ده»، أو يجدوا لأنفسهم هوامش يلعبون فيها، ليعيدوا إنتاج أنفسهم وكانت الإجابة في الفصل الأخير، الذي كتبته علي قالب قصص استشهاد القديسين، التي يتعرض فيها القديس لدورات من جرعات التعذيب المكررة والمتشابهة، وكأنها في دوائر، وبتفاصيل مملة أحيانا، وفي كل مرة »‬يطلع القديس حي»، حتي اللحظة الأخيرة التي تتسارع فيها الأحداث بشكل مذهل وغير مبرر تصعد روحه فجأة، ويؤمن من يعذبونه والمشاهدون أيضا، في لحظة سحرية ومعجزية تتقرر فيها كل المصائر. فعليا شريف مات في الفصل قبل الأخير، لذا لم يكن يصلح أن يكون هو الراوي في الفصل الأخير، غياب صوته كان ضروريا لإعلان موته الاختياري أو الإجباري ربما، فقده لعلاقته مع الواقع وتماهيه الكامل مع السلطة ورواياتها، واستسلامه عمليا، والذي –ربما- يمكن الادعاء بأنه علي مستوي سياسي يمثل وضع شريحة واسعة من الأقباط وموقفها من الدولة ومؤسسة الكنيسة. ربما لم يصل أي من هذا للقارئ، هذا جائز طبعا، وطبعا أتحمله أنا بالتأكيد.
هل ستستمر في الكتابة الأدبية؟
أعتقد أنه من الممكن أن أستمر في الكتابة الأدبية، »‬لكن مش أكيد طبعا». بدأت أتعلم الإسبانية من ستة شهور، بعد ما وصلت الأربعين، ووجدتها تجربة مذهلة، وطموحي أن أترجم رواية من الاسبانية بعد عشر سنين من اليوم.
وما الذي تطمح إليه من وراء الكتابة؟
أورويل ليس الروائي المفضل عندي، لكن أعتقد أنه هو واحد من أفضل كتاب المقال، ولديه مقال غاية في البساطة والعمق اسمه »‬لماذا أكتب؟» وفيه قال كلاماً كثيرا، لكن أكثر شيء يمكن أدعي أني اشترك معه فيه، هو أن أي كتابة بالنسبة لي ترتبط بلحظة إدراك للظلم. وهذه نقطة الانطلاق، للكتابة بوصفها اعتراضاً أو موقفاً علي حدود الجمالي والأخلاقي.
واحدة من المدارس التي تأثرت بها في علم النفس النقدي، هي مدرسة اسمها علم النفس السردي، وهي مدرسة ما بعد حداثية، تري مفهوم الشخصية مجرد أسطورة حديثة، وترانا كأفراد مجرد كيانات متشظية وفي حالة سيولة دائمة، وإننا ككيانات مجرد منتجات سردية نصنعها بأنفسنا عن أنفسنا، وبالالتجاء للموارد الخطابية المتاحة لنا ومن حولنا، وبالتالي فإن أزماتنا النفسية هي وليدة عطب في هذه السرديات، يمكن التعامل معها بطرح سردية مغايرة عن أنفسنا، والأدب هو واحد من تلك الوسائل، بل والمسار الأكثر مثالية ونموذجية لفكرة السرد، كتصالح مع الذات ووضعها في علاقة أقل إيلاما مع العالم وضده.
وأخيرا، تبدو لي الكتابة عن مصر وبالعربية من هنا هي استعادة لتلك الذكريات عن الماضي التي بدأت تبهت، وأخشي عليها من الفقد، الأمر في جزء منه تدوين ذاتي، ومحاولة لأرشفة تاريخ شخصي أخاف عليه من الضياع.
ما الذي تعمل عليه الآن؟ هل هناك أي مشاريع قريبة؟
انتهيت من رواية ثانية بعنوان »‬علي خط جرينتش» وتدور أحداثها في لندن، نشرت جزءا منها في موقع »‬الجمهورية» تحت عنوان »‬حكايات من لندن»، وتعاقدت علي نشرها مع دار »‬العين». وأنا الحقيقة راض عنها أكثر من »‬طرق الرب»، لأنها تشبهني أكثر، أكثر مأساوية وأكثر سخرية.
عندي مشروع آخر بدأت الشغل توا عليه بالشراكة مع طالبة ماجستير في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، دراسة عن صورة الأقباط في الرواية المصرية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.