«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شادي لويس عن »طرق الرب«:تدريب شخصي عما يعنيه أن تكون قبطياً
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 03 - 2019

عبر سرد لاهث، مشوق ومتلاحق، يحكي شادي لويس في »طرق الرب»‬ حكايته الأولي عن »‬شريف» الذي يحكي بدوره قصة عائلته في جلسات اعتراف مجبر عليها. قصة أجيال تبدأ بجعفر وأسعد وتمر ببولس وموريس وتنتهي بشريف الذي يحمل جيناتهم وأوزارهم أجمعين!
مستسلما لمصيره يبحث شريف عن شهادة »‬خلو موانع» تمكنه من الزواج، ليتمكن من الهرب من الفخاخ التي تنصب له، ويبحث شادي من خلال توريط بطله، في التاريخ الاجتماعي والسياسي المصري، دون أدني محاولة للتفلسف أو ادعاء امتلاك الحلول يخوض في منطقة غير مطروقة روائيا، وربما غير آمنة أيضا، ليحاول عبر خطين متوازيين من الحكايات أن يجيب عن سؤال واحد هو »‬كيف يعيش المسيحي في مصر؟»
وإن كانت »‬طرق الرب» قد كشفت كل شيء تقريبا في حياة بطلها شريف، فإنها لم تقل الكثير عن حياة كاتبها، فقط تعريف بسيط يقول إنه كاتب وصحفي وأخصائي نفسي مصري يمارس الكتابة في عدة مواقع و »‬طرق الرب» هي عمله الأول.
لذا نحاول هنا البحث عن مزيد من التفاصيل، قلت له: اعتبرها جلسة اعتراف من جلسات الأب أنطونيوس التي فرضت علي بطل روايتك. لعلنا نصل إلي ما وصل إليه هو حولك أنت نفسك.. أن نعرفك أكثر وأن نقرأ جزءا من حياتك. رغم أنني أشك أحيانا أننا قد نكون بالفعل قد قرأنا أجزاء منها في »‬طرق الرب»!
ولم يكن بخيلا في الحقيقة ..
قال : أنا من مواليد القاهرة سنة 78، تربيت مبدئيا في شرق القاهرة، ما بين عين شمس وعزبة النخل. درست الهندسة المدنية في جامعة عين شمس، وعملت في مجال الإنشاءات لمدة سبع سنين ما بين مصر، وفترة قصيرة في شرق السعودية. وهاجرت لبريطانيا من حوالي 13 سنة، وهناك درست العلاج النفسي في مدرسة تدمج الفلسفة الوجودية بالتحليل النفسي، ثم درست علم النفس، وعملت في الخدمات الصحية والاجتماعية للتعافي النفسي في شرق لندن. وأثناء الماجستير في علم النفس تعرفت علي مدرسة ما بعد حداثية في علم النفس اسمها علم النفس النقدي، غيرت تصوراتي عن العالم بالكامل.
هذه المدرسة تنقل السؤال عن النفس من الداخل للخارج ومن الفرد للمجموع، وربما تلاحظ خيطاً رفيعاً في »‬طرق الرب» له علاقة بهذه المسألة، بوصف الأفراد منتجات لأنظمة أوسع، ولمواريث أبعد، ومنظومات للضبط وغيره. وفي أثناء الدراسة كانت الخطوة الأولي لأن أتعلم الكتابة. في كلية الهندسة لم نتعلم أن نكتب شيئا، وأذكر في الأسبوع الأخير قبل تسليم رسالة التخرج، قالت لي المشرفة في نصائحها الأخيرة، ما معناه »‬خليك فاكر العلم ما هو إلا سردية، الفرق ما بينهم (التيار العام في علم النفس) وما بينا (علم النفس النقدي) إن سرديتهم تدعم الوضع القائم وتحافظ عليه، وسرديتنا ترفضه وتتعاطف مع ضحاياه». ومن هنا دخلت لمجال الصحافة بالصدفة البحتة، ودون قصد أو تخطيط مسبق.
فيما يخص القراءة فأنا قارئ شره لكن ذاكرتي ضعيفة، أقراً كتابا كل ثلاثة أيام، وأنسي عنوانه واسم الكاتب بمجرد أن أقفل الكتاب، لا أعتقد أن قراءاتي فيها شيء مميز، أقرأ معظم ما يقرؤه الآخرون، كنت أقرأ كثيراً من الأدب الروسي والفرنسي واللاتيني والفلسفة الفرنسية المتأخرة وأنا صغير، وبدأت أهتم بالأدب الأنجلوسكسوني علي كبر.
ما قصة هذا الكتاب؟ متي بدأت في كتابته ومتي قررت نشره؟ أحد خطوطه يشي بأنك ربما بدأت فيه منذ فترة طويلة، أقصد الخط الخاص بحركة كفاية واعتصام اللاجئين.
كان لديَّ مشروع لتأليف كتاب عن علم النفس النقدي، وهي مدرسة لا يوجد عنها بالعربي سوي كتاب واحد مترجم. وعلي هامشه كنت أفكر في كتابة نص أدبي، كانت في الأغلب إما مجموعة قصصية أو شيئاً كأدب الرحلات. في هذا الوقت صدر كتاب »‬غذاء للقبطي» لشارل عقل، وهو كتاب ذكي وبديع وثاقب وفريد جدا، لكنَّ هناك نقاطاً أزعجتني بشدة فيه. حينها كنت أتجهز لتقديم ورقة بحثية عن الأقباط في مؤتمر أكاديمي عن مسيحيي المشرق العربي، وكانت الفكرة حول الخطابات التي يستخدمها الأقباط للتعبير عن أنفسهم، وجزء من البحث كان أن أطلب من عدد من الأقباط أن يكتبوا نصوصاً قصيرة، صفحة واحدة مثلا، عن معني أن تكون قبطيا، في الحياة العادية، شخص من دم ولحم وهكذا.
كنت أتوقع أن تكون الردود ضعيفة أو يهيمن عليها خطاب الاضطهاد أو الخطاب الحقوقي، لأن هذا هو المتوفر سواء من الكنيسة أو منظمات المجتمع المدني، أو احتمال خطاب المواطنة الذي لا يصدقه أحد. لكن النتيجة كانت صادمة، تلقيت ثلاثة ردود، اثنان منها لمسلمين يعانون من أن الناس تظنهم أقباطاً، ورد واحد من قبطي، كان عبارة عن مرافعة قانونية ودستورية. الأمر إن في طرحنا سرديات عن أنفسنا نحتاج لمرجع، لموارد لغوية وخطابية، لأدبيات مكتوبة من قبل. الصادم والمخزي، أن الأدبيات عن الأقباط أو بواسطتهم، شحيحة جدا، وكثير منها من وضع تعال، أي يكتب القبطي المثقف بحذر عنهم، حتي لا تتهم كتاباته بالطائفية أو بالترويج لأدب الهوية، وفي أحيان أخري يكتب بتعال علي العادات البائدة والمجتمع المتحلل وهكذا. ووجدت نفسي مدفوعا لكتابة نص يقدم صورة غير نمطية بالضرورة عن نماذج مختلفة من الأقباط في الأجيال المختلفة لعائلة شريف، نص هو في حد ذاته تدريب شخصي لي أنا، عما يعنيه أن تكون قبطيا وتكتب عنه. وربما يساهم في طرح نموذج أو موارد خطابية لآخرين ليخوضوا نفس التجربة.
بدأت الكتابة بخطة أن أخصص يوماً واحداً في الأسبوع، أنتهي فيه من فصل واحد، والتزمت فعلا، وانتهيت منها في أربع شهور، لأني كتبت فصلين في أسبوع واحد. ولم أقرأ الرواية كاملة »‬علي بعضها» إلا في النهاية. كان صديقي محمد هاني يقرأ فصلاً بفصل، ويقول لي رأيه. راجعتها لمدة أسبوع بعدما انتهيت منها، وأرسلتها للناشر.
لكنها رغم ذلك لا تحمل الكثير من صفات العمل الأول. بها الكثير من الإتقان في الحقيقة. ما الذي سبق هذا الكتاب، وهل يوجد من تابعه معك حتي وصل إلي ما وصل إليه؟
والله أنا سعيد بهذا المدح. لم أرسل النص أثناء كتابته غير لصديق واحد خارج الدوائر الأدبية. بعض الأصدقاء الروائيين ممن أرسلت لهم النص لقراءته قالوا إنه غير صالح للنشر، أو يحتاج لشغل أكثر، وصديق أراد أن يكون أكثر صدقا قال لي »‬دي مش رواية بالأساس». أفضل رد تلقيته كان: إن بها عيوب العمل الأول، لكنها عمل أول بالتأكيد. كان هذا مستوي المتابعة ليس أكثر من هذا. قبل الرواية كتبت للصحافة لخمس سنوات أو أكثر وبشكل دوري، وكثير من المقالات كان فيها لمحة أو أساليب أدبية، وأحيانا أيضا بعض السيرة الذاتية، وهذا كان تدريباً طويلاً وغير مقصود أو واع.
يشتبك النص مع »‬تابو» شديد الخطورة، قلة من حاولوا الاقتراب منه، وأقل نجحوا ونجوا. هل تطمح لتشريح الوضع القائم للأقباط في مصر، أم إلقاء حجر في بحيرة راكدة، أم هدم المعبد علي من فيه..
أيضا.. هل واجهت أي مشاكل بهذا الخصوص.. وهل تتوقع؟
الحقيقة لا أعتقد أني تعمدت أياً من هذا، ربما حدث عرض. فهمي للأدب هو أن سحريته تكمن في التعاطف، أن يتماهي القارئ مع الشخصيات التي يقرأ عنها، أن يضع نفسه مكانها، أن يفهم معاناتها ودوافعها ومحاولاتها الفاشلة وما وصلت إليه. آيريس ماردوخ بالإضافة إلي كونها روائية، لديها مساهمة معتبرة في فلسلفة الأخلاق، تؤسسها علي مفهوم التعاطف هذا، أنه بإمكاننا الحكم الأخلاقي عبر تقمصنا لظرف الآخر وتماهينا معه. ما رغبت فيه، أن يضع القارئ -غير القبطي والقبطي أيضا- نفسه مكان شريف وأستر ومارية وجعفر، ويتصور حيوات مثل هذه بمعاناتها وعنادها وتمردها. عبر هذا ظننت أنه يمكن لنا أن نفهم بعضنا البعض، ونتعاطف مع بعضنا البعض أيضا، أو علي الأقل نسمح بقدر ما من حكم أخلاقي تجاه بعضنا البعض، مؤسس علي تلك الشراكة في المأساة.
حتي الآن لم يحدث أن انزعج أحد من الكنيسة أو الأقباط المحافظين من الرواية. علي العكس يبدو أن هناك سعادة ما بأن يكون الأقباط موضوعا لرواية، البطريرك السابق للكاثوليك في القدس علي سبيل المثال أشار للرواية علي صفحته علي الفيسبوك بشكل إيجابي.
هل تري أن الرواية هي المكان المناسب لتمرير هذه النوعية من الأفكار.. هل فكرت في عرضها بكتاب بحثي مثلا؟
الأبحاث عن أوضاع الأقباط القانونية والحقوقية والمؤتمرات عن العلاقات الطائفية ما أكثرها، وربما يوجد تخمة فيها، لكن كل هذا يتكلم عن الأقباط بصفتهم وحدة قانونية أو معاملا في معادلة سياسية وهكذا، أظن الأدب (والفنون عامة) وحدها القادرة علي تصورهم ناس من دم ولحم، يمكن تفهمهم والاقتراب منهم، والانخراط معهم في علاقة علي مستوي الندية.
قرأت تعليقات كثيرة ربما يمكن تلخيصها في البخل. بأنك كنت بخيلا في بعض الأجزاء التي كانت تحتمل التوسع. وفي رسم شخصيات ظل بعضها غامضا حتي النهاية كياسر مثلا.. هل صادفت هذه التعليقات؟ وكيف ترد عليها؟
صادفت هذه التعليقات بالتأكيد. ويمكن بكل تواضع الاعتراف بأنها كانت تجربة رواية أولي، ولايزال هناك الكثير أحتاج تعلمه وأطوره في أدواتي. لكن أيضا كان لدي قرار واع وواضح، بالتقشف في كل شيء في الرواية، في التفاصيل بأنواعها وفي كثافة اللغة والاقتصاد بقدر الإمكان. لأسباب كثيرة منها انزعاجي الشخصي من الروايات التي فيها ميل وصفي، أجدها استعراضية والأسوأ مملة. كانت رغبتي أن يظل التركيز علي الحكاية نفسها، في أبسط صورها، جراهام جرين كتب مرة أنه حين نكتب رواية يجب أن نتذكر أن جوهرها هو حكاية، وهو لا يقول هذا سوي لأن حقيقة بسيطة مثل هذه تبدو وكأنها منسية أحيانا كثيرة. أما بالنسبة لياسر فهو شخص حقيقي، وأنا لا أفهمه في الحقيقة كما في الخيال، وقبلته في الحياة علي غموضه هذا، لأسباب غير قادر علي منطقتها، وعجزت عن أتعامل معه في الرواية غير بدمجه في شخصية أخري لا تقل غموضا أيضا.
هناك الكثير مما يمكن قوله بشأن الفصل الأخير. يشبه كثيرا نهايات الأفلام التي تحرص علي تلخيص مسارات حياة كل من ورد ذكره من الأبطال، بشكل شخصي كنت أتمني أن يحذف تماما، وأن تنتهي الرواية عند جملة والد إستر »‬لا جدوي من معرفة الحقيقة الآن».. لماذا أنهيت العمل بهذا الشكل؟
الجميع كان منزعجاً من الفصل الأخير. والأصدقاء ممن قرؤوا النص قبل نشره كانت تعليقاتهم مشابهة جدا. »‬مفيش حد تقريبا كان راضي عن الفصل الأخير، باستثنائي أنا للأسف». هناك مقولة لا أتذكر قائلها وهي أنه »‬لا يمكن الدفاع عن قصيدة» أو في قول آخر »‬لا يمكن تبرير الشعر». لكن يبدو أني لا أستطيع أن ألتزم بها. في الحقيقة كانت لديَّ رغبة أن تكون الرواية بمثابة حلم مزعج، يشعر القارئ بعده بالضيق، وإحساس بعدم الرضا. الصوت السلبي للراوي شريف بطول الرواية كان مزعجاً بما يكفي، لكن كان إزعاجاً هادئا. كانت رغبتي أن تكون النهاية أعلي صوتا، محبطة ليس فقط علي مستوي نهاية القصص، لكن علي مستوي الأسلوب وصوت الراوي الذي يتغير فجأة مثلا والحبكة، أي أن تكون النهاية محبطة علي مستوي المعني والقالب، السرد والجماليات. ويبدو أني نجحت في هذا بشكل كبير الحقيقة.
علي مستوي آخر، الفصل الأخير لا غني عنه بالنسبة لي، السؤال الأساسي الذي حاولت أن أتعرض له، كيف للأفراد أن يقرروا مصائرهم في عالم تحكمهم فيه أنظمه معقدة من السلطة ومواريثها، »‬إلي أي حد ممكن يفلتوا أو يتحايلوا علي كل ده»، أو يجدوا لأنفسهم هوامش يلعبون فيها، ليعيدوا إنتاج أنفسهم وكانت الإجابة في الفصل الأخير، الذي كتبته علي قالب قصص استشهاد القديسين، التي يتعرض فيها القديس لدورات من جرعات التعذيب المكررة والمتشابهة، وكأنها في دوائر، وبتفاصيل مملة أحيانا، وفي كل مرة »‬يطلع القديس حي»، حتي اللحظة الأخيرة التي تتسارع فيها الأحداث بشكل مذهل وغير مبرر تصعد روحه فجأة، ويؤمن من يعذبونه والمشاهدون أيضا، في لحظة سحرية ومعجزية تتقرر فيها كل المصائر. فعليا شريف مات في الفصل قبل الأخير، لذا لم يكن يصلح أن يكون هو الراوي في الفصل الأخير، غياب صوته كان ضروريا لإعلان موته الاختياري أو الإجباري ربما، فقده لعلاقته مع الواقع وتماهيه الكامل مع السلطة ورواياتها، واستسلامه عمليا، والذي –ربما- يمكن الادعاء بأنه علي مستوي سياسي يمثل وضع شريحة واسعة من الأقباط وموقفها من الدولة ومؤسسة الكنيسة. ربما لم يصل أي من هذا للقارئ، هذا جائز طبعا، وطبعا أتحمله أنا بالتأكيد.
هل ستستمر في الكتابة الأدبية؟
أعتقد أنه من الممكن أن أستمر في الكتابة الأدبية، »‬لكن مش أكيد طبعا». بدأت أتعلم الإسبانية من ستة شهور، بعد ما وصلت الأربعين، ووجدتها تجربة مذهلة، وطموحي أن أترجم رواية من الاسبانية بعد عشر سنين من اليوم.
وما الذي تطمح إليه من وراء الكتابة؟
أورويل ليس الروائي المفضل عندي، لكن أعتقد أنه هو واحد من أفضل كتاب المقال، ولديه مقال غاية في البساطة والعمق اسمه »‬لماذا أكتب؟» وفيه قال كلاماً كثيرا، لكن أكثر شيء يمكن أدعي أني اشترك معه فيه، هو أن أي كتابة بالنسبة لي ترتبط بلحظة إدراك للظلم. وهذه نقطة الانطلاق، للكتابة بوصفها اعتراضاً أو موقفاً علي حدود الجمالي والأخلاقي.
واحدة من المدارس التي تأثرت بها في علم النفس النقدي، هي مدرسة اسمها علم النفس السردي، وهي مدرسة ما بعد حداثية، تري مفهوم الشخصية مجرد أسطورة حديثة، وترانا كأفراد مجرد كيانات متشظية وفي حالة سيولة دائمة، وإننا ككيانات مجرد منتجات سردية نصنعها بأنفسنا عن أنفسنا، وبالالتجاء للموارد الخطابية المتاحة لنا ومن حولنا، وبالتالي فإن أزماتنا النفسية هي وليدة عطب في هذه السرديات، يمكن التعامل معها بطرح سردية مغايرة عن أنفسنا، والأدب هو واحد من تلك الوسائل، بل والمسار الأكثر مثالية ونموذجية لفكرة السرد، كتصالح مع الذات ووضعها في علاقة أقل إيلاما مع العالم وضده.
وأخيرا، تبدو لي الكتابة عن مصر وبالعربية من هنا هي استعادة لتلك الذكريات عن الماضي التي بدأت تبهت، وأخشي عليها من الفقد، الأمر في جزء منه تدوين ذاتي، ومحاولة لأرشفة تاريخ شخصي أخاف عليه من الضياع.
ما الذي تعمل عليه الآن؟ هل هناك أي مشاريع قريبة؟
انتهيت من رواية ثانية بعنوان »‬علي خط جرينتش» وتدور أحداثها في لندن، نشرت جزءا منها في موقع »‬الجمهورية» تحت عنوان »‬حكايات من لندن»، وتعاقدت علي نشرها مع دار »‬العين». وأنا الحقيقة راض عنها أكثر من »‬طرق الرب»، لأنها تشبهني أكثر، أكثر مأساوية وأكثر سخرية.
عندي مشروع آخر بدأت الشغل توا عليه بالشراكة مع طالبة ماجستير في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، دراسة عن صورة الأقباط في الرواية المصرية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.