ما أن انتهت الدكتورة عبلية عبد اللطيف المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية من حديثها خلال الندوة السنوية للإعلام الاقتصادي، التي نظمها المركز بالتعاون مع شعبة المحررين الاقتصاديين، عن التكلفة والعائد للقرارات الاقتصادية. وكيف يتعين علي من يملك إصدار القرار، أن يحسب تداعيات قراراته علي أصحاب المصالح. ما أن أنتهت من حديثها حتي تداعي أمامي عدد من القرارات التي أصدرها مسئولون لو فكر أحدهم في تطبيق معايير اتخاذ القرار ،التي سردتها الدكتورة عبلة، مثل تأثيراته علي معدلات النمو،والتشغيل، وعلي العدالة الاجتماعية، أو المحافظة علي حقوق الإنسان . ولو فكر أحد منهم قبل أن يوقع علي قرار أن يشرح لهؤلاء البشر الذين سيدفعون ثمنا باهظا له، مغزي القرار وحتميته، لربما كان حظي بقبول مجتمعي. ولو فعلوا ذلك لكنا وفرنا كثيرا من التداعيات السلبية لبعض القرارات التي نزلت علي رؤوسنا كالصاعقة دون تقييم لمايتكبده الخاسرون، وما يكسبه الرابحون. والسؤال الذي يبدو أكثر أهمية هو إلي أي مدي تصدر القرارات من أصحاب المصالح لتحقيق منافعهم الخاصة، دون النظر لمصالح الأطراف الأضعف، خاصة في ظل عدم توازن القوي الاجتماعية. وكان أقرب قرار قفز إلي ذهني بتأثير تلك المحاضرة الثرية، هو قرار صدر من وزيري الزراعة والموارد المائية بتحديد مناطق لزراعة الارز وحظر زراعته في محافظات بعينها مما ينتج عن تخفيض انتاج الارز بنسبة 40٪ وفتح الباب لاول مره لحبس المخالفين. ولاخلاف علي أن القرار صدر لتخفيض استهلاك المياه. ولكن هل درس متخذ القرار تداعيات فقدان الآلاف من المزارعين لمصدر رزقهم، وقوتهم اليومي ، والذين كانوا يعتبرون موسم حصاده هو مناسبة لستر الأبناء؟. وهل فكر مسئول ما في تعويض الفلاحين الذين قادهم حظهم العاثر إلي الوقوع في محافظات حظر زراعة الأرز، أو حتي إرشادهم للزراعات الأخري المناسبة؟. وهل انشغل أحد بالبحث عن بدائل أخري لترشيد المياه مثل الحد من زراعات الموز أو زراعات أخري تعتبر شرهة للمياه، أوحتي الحد من استخدام المياه في البحيرات الصناعية، وملاعب الجولف في المنتجعات الراقية . بدلا من ان تدفع شريحة واحدة من صغار الفلاحين ثمن شح المياه دون أصحاب النفوذ ؟. وبالتأكيد لم يشغل بال أحد كم سيتضاعف سعر كيلو الأرز الذي يعد الوجبة الرئيسية لمحدودي الدخل بعد استيراده بالدولار. والأدهي طبق الكشري . وبالطبع لم يكترث مسئول ماإذا كان الملايين من حاملي بطاقات التموين سوف يتضررون من استبدال طبق الأرز الذين اعتادوا عليه بحكم عاداتهم الغذائية، بطبق من المكرونة. وإذا كان كل هؤلاء سوف يلحقهم ضرر من قرار أصدره مسئول لم ينظر في التكلفة والعائد،ولم يعنيه تعويض المتضررين. فمابالك بأطنان من القرارات التي تصدمنا، وترتبك معها تفاصيل حياتنا اليومية دون أن تهتز شعرة في رأس مسئول.